19 ديسمبر، 2024 12:46 ص

نقاط واشياء تعرف بأضدادها

نقاط واشياء تعرف بأضدادها

1-  حينما يكتب الانسان شيئاً ما فليس بالضرورة ان يكون موجهاً لشخص بعينه يقصده ذماً أو مدحاً ، وليس بالضرورة أن يكون موجهاً لمجموعة بعينها ، وليس بالضرورة الا يكون هو مشمولاً بذلك – وأن ظن بنفسه خلاف ذلك – ، ليس بالضرورة كل هذا ، وليس بالضرورة عكس هذا كما هو الصحيح أيضا .
2-  على الانسان حينما يقول او يكتب ان يجعل له غاية وهدفا ممدوحاً شرعاً وعقلاً ، وهذا لا يعني أن يستخدم اية الفاظ او اسلوب لتحقيق ذلك ، وانما عليه ان يراعي القول الحسن المقبول عموماً ، وان كان بنحو الاشارة والتلميح الذي يصيب الهدف ، ولا يخالف الشرع ويتقبله العقلاء ، وتلميحه واشارته ستكون أوقع في النفس وأدق في تحقق المقصود .
3-  فليس مقبولا ولا معقولا ان يستخدم احدهم اسلوب التشريح والتجريح ويدعي ان غايته الاصلاح ، وليس مقبولا ممارسة الاسلوب (الميكافيلي) من ان الغاية تبرر الوسيلة ، ليس مقبولا قولا ولا فعلا ، فلا يكفي القول انك ترفضها بل عليك تطبيقها سلوكاً ، وليس مقبولا ان تكون احكامك التشهيرية القادحة بالأشخاص مبتنية على ظنون ليس الا ، بل بعضها واهية لا تصمد كثيراً ، وليس مقبولا ولا معقولا ان يتقنع الشخص ويتخفى تحت اسم مستعار ويبدا حملة مسعورة على من يشاء ومتى يشاء وفي أي مكان ، فليس من الشهامة والشجاعة ذلك ، ولولا القناع لانكشف قبح السواد . وأن استطعت التقنع في الدنيا فكيف ستستطيع في يوم تكشف فيه الوجوه والافعال والاقوال ولا ينفعك مال ولا بنون ولا قول اللهم لا تفضحني يوم تكشف فيه السرائر ، فليس مقبولا شرعا وعرفا التهام لحم اخوتنا جهارا بدعوى الاصلاح والعلاج ، وليس مقبولا ان تزمجر وتعربد وتقدح باهل المناصب وانت غايتك وامنيتك الانتقام او الجلوس مكانهم ولو للحظات على كرسي مذهب تنتفخ فيه ، وليس مقبولا ان تهتم بعيوب غيرك وتنسى عيوبك ، وتناقش تكليف غيرك وتنسى تكليفك .
والمقبول والمعقول شرعا وعقلا وعرفا ان نكون ناصحين سراً ، وان نهتم بعيوبنا اولا وبالذات ، وان نعرف مواطن تقصيرنا فنرفعها ، وان نرحم الاخرين كما نطلب من الله تعالى يومياً ان يرحمنا ، وان نكون ( خوش اودام ) كما قال سيدنا الشهيد الصدر ببساطة .
4-  من حق أي شخص أن يمدح آخر لكن بالمعقول والمقبول ، ومن حق أي شخص أن يرى منزلة ما لعالم أو مفكر أو أديب لكن بالمعقول والمقبول ، ولو ادعى زاعماً أكثر من ذلك بأن يجعله اوحدي في منزلته فانه مطالب بأثبات ذلك وبأدلة مقنعة لا تقبل النقاش خاصة عند أهلها ومن سبر أغوارها لا ان تكون أدلته مجرد كلمات براقة وعبارات مبهمة واسرار لا تستطيع البوح بها ، فلا تنتظر بعد ذلك التسليم والتصديق من الاخرين ، بل لا تنتظر من بعضنا الا التهكم والاستهزاء والرفض و رحم الله امرأ حدث الناس بما يعرفون و ترك ما ينكرون ، وعلى فرض انك محقا في زعمك فليس كل ما يعرف يقال ، و نعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحا ، ورحم الله امرأ اتعظ و ازدجر و انتفع بالعبر ، والعجب بل الاعجب من فعلك سكوت من ترفعه مقاماً لا يستحقه وهو عنك راض بسكوت وكأنه لا يعلم .
5-  لا يستطيع الفرد منا أن يتجرد من اسقاطات وعقد نفسية يعانيها تجاه شخص ما بسهولة – ربما لموقف احتك به معه او لسماعه شيئا واشياء عنه تأكد منها او لم يتأكد – فينظر الى ما كتبه بعين الانصاف تبعا لما ورد لا تنظر الى من قال وانظر الى ما قال ، وتبعاً الى ان الحكمة ضالة الحكيم فحيث وجدها فهو أحق بها ،  فعليه أن ينظر الى ما قيل وكُتب بغض النظر عن شخص الكاتب وأن كنت لا أنكر مدخلية شخص الكاتب فيما يكتب والتفكيك بينهما يحتاج الى جهاد أكبر يحتاج الفرد الى الدخول فيه .
ولا يحكم على الانسان من موقف أو لمجرد سماع بل وان كان محقا في حكمه الا انه ليس من الصحيح ان يعممه فيصم اذنيه تجاهه دائماً ، ولا تستغرب ان عاملك الاخرون بمثل تعاملك هذا فانك تجني على نفسك بنفسك .
6-   لا تعمم ولا تقطع ولا تجزم في أقوالك واحكامك فلربما كنت متوهماً أو غافلاً وتبعاً لـ ( كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب ) والالطف من ذلك ( كلام غيري قد يكون صواباً لكن يحتمل الخطأ وكلامي قد يكون خاطئاً لكن يحتمل الصحة ) ، فلا التعميم صحيح ولا الجزم صحيح ودع فسحة من تقبل الراي الاخر ولا تتعالى عليه وعلى الاخرين .
7-  لا داعي للمجاملة والمهادنة والانبطاح مع قوم لا يعترفون بك أو بدينك أو  مذهبك أو مرجعك بل تتضح الصورة أكثر مع من كان محارباً لك ، وفرق بين المدارة الممدوحة مع اخوتك ونظرائك وبين قول الحق في قضايا الحق خاصة مع أولئك .
 فـقولوا بالحق و لا تمسكوا عن إظهاره ، وقولوا الحق تغنموا ، وأخسر الناس من قدر على أن يقول الحق ولم يقل ، ومن استحيا من قول الحق فهو أحمق، وأصدق القول ما طابق الحق ، ومن جاهد على إقامة الحق وفق ، وأنّ قول الحقّ أحبّ النفقات إلى الله تعالى .
فاصدعوا بهويتكم فان هويتكم الدينية والمذهبية والمرجعية مما تستحق ان يبذل لها الغالي والنفيس ، وفرادتها سبقت زمانها ولا تبرر أي غاية باستخدام وسائل يمدح فيها الاعداء والاعدقاء من المنافقين وهم اشد خطرا .
نعم يشترط في قول الحق أن تكون هناك اذن صاغية تتقبل سماع الحق تبعاً (لا تمسك عن إظهار الحق إذا وجدت له أهلا ) ، والا عليك السكوت ودع الناس على غفلاتهم ففي السكوت راحة للعقل حينئذ ، و أحمد من البلاغة الصمت حين لا ينبغي الكلام ، و إنما يستحق اسم الصمت العارف بالإجابة ، والصمت روضة الفكر ، ورب كلام جوابه السكوت ، ورب نطق أحسن منه الصمت ، ورب سكوت أبلغ من كلام ، وصمتك حتى تستنطق أجمل من نطقك حتى تسكت ، وصمت تحمد عاقبته خير من كلام تذم مغبته ،وقد أفلح التقي الصموت .
8-  في القضايا المهمة والاحكام المؤثرة واتخاذ القرارات المصيرية بل وغيرها من صغائر الامور لا تخجل من المشورة ، خاصة مشورة أهل الورع والصدق والامانة ومن كان كفوءا ملماً بموضوع الاستشارة ، وكثيراً ما يتخذ الانسان مواقف واحكام وقرارات يندم عليها لاحقاً خاصة من جهة تداعياتها غير المحتملة لديه والمنغصة لشخصه وعائلته ومحبيه وربما أكثر ، فالمشورة محمودة حتى في ابسط الامور لأنها نافعة لا ضرر فيها ، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها، وشاور قبل أن تقدم ، و لا يستغني العاقل عن المشاورة ، والشركة في الرأي تؤدي إلى الصواب ،  واضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب ، و من لزم المشاورة مدح عند الصواب وأعذر عند الخطأ ، والاستشارة عين الهداية ، والمستشير متحصن من السقط ، وما خفي من الآراء تكشفها المشاورة ، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الاخطاء ، وما ضل من استشار ، وما ندم ولا خاب ، وقد أفلح أهل المشورة ، وأفضل من شاورت أصحاب التجارب والعقول والذين يخشون الله تعالى في السر والعلن ، وبمشاورتهم تأمن الزلل و الندم وتفوز بالنجاح و الصواب ، ومن شاور أصحاب العقول استضاء بأنوار العقول ، ومن استعان بذوي الألباب سلك سبيل الرشاد .
وقد يتشاور الانسان مع بعضهم دون الالتفات الى ان مشاورة الصديق الجاهل ، او الاحمق ، أو من لا ورع عنده ، أو البخيل ، تؤدي الى ما لا يحمد عقباه فيكون كمن استجلب لنفسه الضرر عن علم وعمد ، فلربما غش هكذا مستنصح ولربما نصح غير الناصح فيوقعك في المهالك والمزالق دون أن يقف معك .
فعليك بمؤاخاة من يحذرك وينهاك ان صدر منك الخطأ أو انك هممت به ، فمثل هذا الشخص انما ينقذك وينجدك تبعاً للدين النصيحة ، والمؤمن اخو المؤمن ،و ما أخلص المودة من لم ينصح ، و لا واعظ أبلغ من النصح ، وصديقك من نهاك و عدوك من اغراك ، وليكن مرشدك ودودك وحبيبك هو من كشف اليك عيوبك ، ومن أحبك نهاك، ومن كشف لك عيبك وأرشدك الى الصواب حفظك في غيبك ، و من بصرك عيبك و حفظك في غيبك فهو الصديق فاحفظه . فاختر صديقك بدقة وعناية وفرق بين الصاحب والصديق .
9-  من آداب الاسلام النصيحة في السر ، ولا نصيحة في العلن لان معناها الانتقاص والتشهير ، ومدح الانسان الغائب مما يستحسن ما دام على حق ، ومدح الانسان في وجهه مفسدة له . فلا تقولن خلف أحد إذا توارى عنك إلا مثل ما تحب أن يقول عنك إذا تواريت عنه.
لقد دأب الكثير على مخالفة ذلك ، فيمدح الاخ أخاه في وجهه وينتقص منه حين غيبته ، ويقول فيه مادحاً ما ليس فيه ، وينتقص منه بأشياء لا توجد فيه ، ومادحك بما ليس فيك مستهزئ بك ، و (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ) ، وشر الناس صاحب الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه ، وبئس العبد عبد يكون بوجهين وبلسانين يطري أخاه إذا شاهده، ويأكله إذا غاب عنه ، فالحذر من هكذا شخص يطريك بما ليس فيك لأنه سيبهتك بما ليس فيك .وفي ذلك مقصمة للظهر وعدم الفلاح في الدنيا والاخرة .
ثم أن هكذا شخص حينما يكرر فعله المادح بما ليس فيك أو فيك ، ويأتي آخر على شاكلته يفعل فعله وهكذا، انما معناه خداعك والاستهزاء بك وان لم يقصدوا ، ويجعلك هذا منتفخاً متبختراً تظن أنك الاوحد حتى أنك تصاب بداء الرضا عن النفس ، ومن رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه ، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه ، فتواضعوا يرحمكم ويرفعكم الله  تعالى فان في التواضع رفعة ، ولا تمدح نفسك لان من مدح نفسه ذبحها ، ومن ذم نفسه أصلحها ، ولا ينبغي لمن عرف عظمة الله تعالى أن يتكبر ويرى نفسه شيئا ، فإن رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا ، ولا حسب ولا شرف ولا منقبة كالتواضع ، وأمقت الناس المتكبر ، وما تكبر الا وضيع ، وما تواضع الا شريف . ومن رأى نفسه شيئا فهو لا شيء ، وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا لا تبختراً .
 
تتمات :
1-                ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ))
2-                ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))
3-                ((وَالْعَصْرِ. إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ))
4-                (ما اخال رجلا يرفع نفسه فوق قدرها إلا من خلل في عقله )
5-       ( لا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ عِنْدَ أَمْرٍ لِلَّهِ فِيهِ مَقَالٌ أَنْ يَقُولَ فِيهِ ، فَيُوقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولَ : مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ كَذَا وَكَذَا أَنْ لا تَقُولَ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ خِفْتُ . فَيَقُولُ : كُنْتُ أَحَقَّ أَنْ تَخَافَ)
6-                (العمل الخالص : الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل )
7-                 ان رضا العباد ليس مطلوباً دائماً ورضا الله تعالى مطلوب على كل حال .
8-                الاعتداد بالنفس مفسدة للمرء .
9-                الدنيا زائلة ودار البقاء آتية فماذا سنحمل معنا .
10-            اكبر العمر يوم الولادة ، وأقصره قبل الممات ، وبين هذا وذاك قل الحصاد .
والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين