هل أسعدهم النبأ ؟..تحررت الفلوجة فهل سيعودون الى ديارهم ؟…سأل زميلي بفضول من لايعرف معنى ان يغادر المرء مدينته ..داره ..ملاعب طفولته وصباه ..مدرسته وذكريات حبه الأول ..وأن يتحول بين يوم وليلة الى نازح يسكن الخيام ويحتمل البرد والحر والجوع ونظرات الحرمان في اعين صغاره …بدا زميلي سعيدا لا بتحقيق النصر وطرد داعش بل بسرعة الخلاص من النازحين الذين زاحموا اهل المدن وجعلوا حياتهم اصعب ..انه يراهم عبئا لابد من زواله ويعتبرهم متهمين بماآل اليه مصيرهم ..
من جهتهم ، يشعر النازحون بمشاعر متناقضة فحلم العودة المنتظر سيتحقق لكنها عودة يرافقها ألم ممض وخوف من المجهول الذي ينتظرهم بعد ان عاشوا اسرى المجهول لسنوات وهم حائرين بين البقاء تحت قبضة داعش او الهروب منها لأنهم متهمين في كلا الحالتين فمن بقي منهم متهم بقبول واقع يمسك داعش بتلابيب قيادته ومن خرج منها متهم ايضا بعدم الدفاع عن مدينته والوقوف بوجه داعش ..لهذه الاسباب دفع النازحون ثمنا باهظا ..سيعودون حتما وليطمئن زميلي لكنهم لن يجدوا منازلهم كما كانت ولامدينتهم كما تركوها ..سيكون عليهم ان يبدأوا من الصفر ولن يكون الامر مستحيلا ، لكنهم بحاجة الى من ينظر اليهم كضحايا سواء من الحكومة التي يجب ان تأخذ على عاتقها تسهيل سبل المعيشة في مدن واقضية تدمرت فيها البنى التحتية تماما وبقيت فيها مخلفات الحرب من عبوات والغام مدفونة او من سكان المدن الذين عاش النازحون بينهم في مخيمات او هياكل بنايات او منازل مستأجرة وفقد بعضهم ماء وجهه من أجل اطعام عائلته بعد ان فقد مأواه ومصدر رزقه …
على النازحين ايضا ان يتذكروا كل الايادي التي امتدت اليهم بالخير والعطاء وكل باب فتحت لهم وكل لقمة قدمت لهم وكل قطرة دم سالت من اجل عودتهم الى ديارهم ، وأن يشمروا عن سواعدهم ليبنوا مدنهم من جديد
على اسس راسخة هذه المرة وألا يتركوا انفسهم فريسة للخداع الديني والسياسي..
يقول الدوس هكسلي ان ” اهم درس يمكن ان نستفيده من التاريخ هو ان البشر لايستفيدون كثيرا من دروس التاريخ” ولكي نسعى الى بناء وطن لابد لنا اولا من بناء الانسان وبناء الانسان لن يكتمل مالم يكون مؤمنا بوطنه ، مخلصا في بنائه بما يمتلك من علم وقدرة على العمل ولن يتحقق كل هذا الا اذا استفاد من دروس التاريخ وتاريخ بلدنا كان ضحية ايضا لمن حاول تشويه معنى الوطن في قلوبنا ويعمل حاليا على تشظيته وتلوين صورته النقية بألوان قاتمة وشاذة وهجينة …
اقول لزميلي الذي لم يفتح بابا لنازح او يمنحه لقمة يوما ألا يترك نفسه نهبا للشماتة او الفهم الخاطيء بل يحاول ان يشارك في تضميد جراح الوطن بالايمان بشراكتنا فيه جميعا فجرحنا واحد وعلاجه البحث عن نقاط التقاء لاستعادة صورة الوطن النقية ومحو كل آثار التشويه المتعمد …