18 ديسمبر، 2024 11:52 م

نقاش حول بونين ومكانته في الادب الروسي

نقاش حول بونين ومكانته في الادب الروسي

ايفان اليكسييفتش بونين ( 1870 فارونش/ روسيا– 1953 باريس/ فرنسا ) هو اول اديب روسي حاز على جائزة نوبل للآداب  وذلك عام 1933 , وكان عندها لاجئا في فرنسا بعد ان غادر روسيا رافضا ثورة اكتوبر 1917 , وبالتالي فانه ايضا أول كاتب – لاجئ ينال هذه الجائزة الادبية الكبرى ( انظر مقالتنا بعنوان جائزة نوبل والادب الروسي المنشورة في عدة مواقع الكترونية), و تتحدث الاوساط الادبية الروسية في الوقت الحاضر عن الذكرى الثمانين لهذه المناسبة , وقد عرضت القناة الروسية التلفزيونية ( كولتورا) ( الثقافة ) قبل فترة قصيرة فيلما خاصا حول بونين ومكانته في دنيا الادب الروسي وتاريخهفي اربع حلقات, وتناول الفيلم تفصيلات كثيرة حول مسيرة حياته وابداعه بما فيها طبعاالحديث عن تلك الجائزة وردود الفعل تجاهها في الاوساط الادبية الروسية والعالمية آنذاك, وكتبت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا )( الجريدة الادبية ) الروسية الاسبوعية الواسعة الانتشار في عددها المرقم 33-34 والمؤرخ في 28/8- 3/9 لهذا العام 2013 تعليقا مطولا بقلم الباحث  ألكساندر كوندراشوف حول هذا الفيلم شغل اكثر من ¾ صفحة كاملة في تلك الجريدة, أشار في بدايته الى التنفيذ التقني السينمائي الرفيع المستوى لذلك الفيلم , اذ انه عرض صورا وتسجيلات وثائقية نادرة من حياة بونين ونشاطاته الابداعية وما رافقها من القاء متميز لمقاطع منتقاة من نصوصه الادبية واختيار ناجح للموسيقى التصويرية…الخ, الا ان الباحث لم يكن متفقا مع الافكار و  المنطلقات الايديولوجية لمعدٌي ذلك الفيلم بحلقاته الاربعة وانتقدها بشدة, وتوقف اولا عند نقطة حساسة تكمن في جملة ذكرها الفيلم وكررها عدة مرات وتشير الى ان سنة ميلاد بونين هي نفس سنة ميلاد لينين , اما سنة وفاته فهي نفس سنة وفاة ستالين, واعتبر هذه الجملة مفتعلة جدا ولا علاقة لها بمسيرة بونين وابداعه, وسخر – بقسوة ومرارة – من هذا الافتعال, اذ انه يرى ان هذا الطرح سيسمح للآخرين بالقول مثلا ان نابوكوف ولد في نفس السنة التي ولد فيها بيريا, وان بولغاكوف مات في نفس السنة التي مات فيها تروتسكي… الخ…الخ وان هذا الربط بين سنوات حياة ووفاة السياسيين والادباء يربك القارئ ليس الا ويؤدي الى استنتاجات غير موضوعية وبعيدة جدا عن الواقع ,لانه يوحي بشئ- ما مشترك بينهما سواء كان تنسيقا وتعاونا او تناقضا , ويشير الى ان موقف بونين السياسي كان واضحا جدا اذ انه لم يمارس العمل السياسي وكان بعيدا عنه اثناء حياته في روسيا نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وعلى الاغلب لم يكن قد سمع باسمي لينين او ستالين آنذاكاصلا, ولم يكن منتميا الى اي حزب سياسي حتى عندما ترك روسيا بعد ثورة اكتوبر 1917, وانتقد الباحث تأكيد الفيلم على كتاب بونين الموسوم – ( الايام الملعونة) والذي اعتبروه في الفيلم وكأنه الكتاب الاول والاساسي وألاهم في ابداعه, وهو كتاب مضاد للبلاشفة اصدره في فرنسا في نهاية عشرينيات القرن الماضي, متناسين الوقائع التي تبين ان بونين أستمر وهو في فرنسا بنفس مسيرته الادبية الرقراقة وموضوعاته التي تتغنى بالحب والطبيعة والجمال, ويرى الباحث ان سمة هذه الكتابات اصبحت حتى اكثر رقة مما كان يكتب في روسيا نفسها ( لنتذكر مثلا كتاب بونين الشهير الدروب الظليلة الذي كتبه بونين في فرنسا ,والذي اصدرته دار نشر رادوغا السوفيتية باللغة العربية و بترجمة الاستاذ عبد الله حبه  الرائعة  في عام 1987 والذي اعادت دار المدى العراقية اصداره قبل فترة), وانه لم يساهم في  النشاطات السياسية الاخرى عدا ذلك الكتاب المذكور اعلاه. وينتقل الباحث الى نقطة مهمة اخرى في نقاشه مع هذا الفيلم وهي قضية منح بونين جائزة نوبل للاداب عام 1933,ويتوقف عند رسالة الشاعرة الروسية مارينا تسفيتايفا( 1892- 1941) ,التي تتحدث عن هذا الموضوع بصراحة ودقة وتقول انه كان هناك اربعة مرشحين روس لنيل تلك الجائزة وهم – غوركي وشميليوف وميرجكوفسكي وبونين, وتذكر تسفيتايفا انها تؤيد منحها لغوركي لانه يمثٌل ( عصرا بأكمله ), اما بونين فانه يمثٌل ( نهاية العصر ), وتضيف الشاعرة قائلة- ( انها السياسة , اذ كيف يمكن لملك السويد ان يعلق الميدالية على صدر كاتب مثل غوركي!!!).
ينتقل الباحث بعدئذ الى مسألة حساسة اخرى في تاريخ الادب الروسي في القرن العشرين والتي تتناول موقف ستالين من بونين بعد الانتصار السوفيتي في الحرب العالمية الثانية, اذ من المعروف ان ستالين قد ارسل وفدا من الادباء الروس الى باريس لمقابلة بونين واقناعه بالعودة الى روسيا , وذلك بطلب واقتراح من مجموعة من الادباء الروس بما فيهم اليكسي تولستوي  الذين توجهوا الى ستالين حول ذلك , باعتبار ان بونين هو اكبر اديب روسي حي في تلك الفترة ولانه كان الى جانب روسيا في الحرب العالمية تلك مثل معظم اللاجئين الروس في حينها والذين كانت عواطفهم مع وطنهم الام روسيا بغض النظر عن خلافاتهم السياسية الجوهرية مع حكومة بلدهم وهو موقف وطني وأخلاقي رائع, ولكن بونين رفض تلبية تلك الدعوة والعودة الى روسيا وبقي في فرنسا الى ان وافاه الاجل عام 1953 ويشير الفيلم الى ان بونين عاد الى روسيا كليا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , ولكن كاتب المقالة في ليتيراتورنايا غازيتا لا يتفق مع هذا الرأي ويقول ان بونين كان موجودا طوال الوقت في روسيا لان القارئ الروسي كان يتفاعل مع معظم نتاجاته التي كانت بشكل عام موجودة داخل الوطن وان كتابه السياسي الوحيد الذي اشرنا اليه في اعلاه لم يكن مهما ولا اساسيا في مجمل ابداعه, ويناقش الباحث الفكرة التي طرحها الفيلم بشان التمثال الذي وضعوه له في موسكو و في مدينته التي ولد فيها وهي فارونش ويقول , ان بونين صنع لنفسه تمثالا بواسطة نتاجاته الخالدة قبل اي تمثال وضعوه له, ويختتم مقاله قائلا ان كتابات بونين عن المرأة والحب لا تضاهيها اي كتابات اخرى في الادب الروسي حتى عند تولستوي وتشيخوف بل وحتى عند بوشكين نفسه, وان الفيلم هذا كان سياسيا اكثر مما يجب رغم صبغته الادبية.