23 ديسمبر، 2024 2:03 ص

نقاش ثقافي على هامش مظاهرات مناطقية مؤدلجة

نقاش ثقافي على هامش مظاهرات مناطقية مؤدلجة

بات الاثر الواضح الذي خلفه  الربيع العربي وماخرج من عباءته من مشهد تراجيدي اطاح بعدد من الانظمة القمعية المأزومة التي مازالت أثارها قائمة  متمظهرة بحالة غليان جماهيري على هذه الجغرافيات الملتهبة بسبب طبيعة الارث التراكمي للمشكلات  الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي نشأت بفعل  الادارة السيئة لتلك  النظم الاستبدادية وغياب ذهنية رجل الدولة القادرة على التعاطي مع تفكيك هذا الخراب المتراكم في تلك المراحل الزمنية التي حكموا فيها غالبية الشعوب العربية. لذلك كان  يفترض بعد التغيير العربي ان يتم استحداث عقلية حداثية عابره لأنماط الفكر السياسي السائد  تلك المرحلة الفارطة وضرورة بلورة رؤيا ثقافية غير مراوغة لفهم اسباب الانتحار السياسي الذي وصلت اليه  كنتيجة حتمية في تورطها في صناعة الازمة ومن ثم المراهنه على ضرورة فهم كل المعطيات التي احاطت بهذا اللبس الايديولوجي التاريخي لاستيعاب دوامة هذا الصخب الشعبي الذي ما زال  يسمع صداه الى وقتنا الراهن وانبجاس صفحه ثانيه من الصراع ذاته المرتبط بالتغيير تسلل داخل قوى التغيير ان كان في الثورة التونسية اوالمصرية وهناك من يقول ان  الصراع الذي  ما يزال محتدماً بعد التغيير العربي مؤداه الى ان القوى المتصارعة على السلطة ما زالت غير  مدركة او متفقه على ادارة الاختلاف فيما بينها على وفق المشروع الديمقراطي الجديد بل اغراها الوقوع في شراك عقدة الهيمنة على السلطة اولاً في  ظل غياب البرامج ومنهجيه التفكير في مأسسة الدولة ومن هذا المنطلق تم تصنيف هذه  القوى حسب التقويم السياسي المستحدث بين فصائل الاسلام السياسي وفريق اخر يمثل اللبراليين والقوميين واليساريين والقوى الشبابيه الحالمة المتمترسة  وراء خطابها الرومانسي وتسلل بقايا الحرس القديم لانعاش احلامهم الطافحة بالعودة مجددا الى السلطة وعلى اساس هذه النقاشات وعلى ضوء سطوع حمى الأسئلة الافتراضية يمكن الاستعانة بالمشهد العراقي الراهن كنموذج للمطابقة  والمقايسة في  مايحصل في الضفة الاخرى في جغرافية التغيير العربيه من صخب واحتجاج وصراع وما يجري في  الضفة العراقية في بعض مناطقها المتورمة بمخيالها الجمعي العاطفي والايديولوجي  والديني والتاريخي لكي نفهم الاسباب والمعطيات التي نشأت بفعل  تغير المعادلة السياسية بعد سقوط الديكتاتور  عام 2003 وما رافقه من تشكل  عملية سياسية مستنده على انجاز الدستور وتحت مظلة الاطار الديمقراطي الا انها اصيبت بفايروس المحاصصة والتوافق والمشاركة وغيرها من المصطلحات التي ابتكرتها ذهنية الطبقة السياسية التي تشكلت وبنت مشروعها السياسي الراهن مما وضع هذا المشروع في زجاجة الاختبار وكانت النتيجة ظهور اورام سياسية تتفجر بين آونة واخرى مما اعطى انطباعاً سيئاً  بأننا سائرون في مسارات متعرجة وكسيحة ولا تولد سوى دوي المفخخات والانفجارات والازمات والاغتيالات التي تضرب العاصمة بغداد وبقية المحافظات بين الحين والآخر وكل هذه التحديات تقف وراءها قوى سياسية مشاركة في العملية السياسية غير هاضمه لمفهوم الديمقراطية وفكرة الاغلبية السياسية بهذا الشكل  واخرى محسوبه على الحرس القديم  من البعثيين والقاعدة بالاضافة  الى دول اقليمية داعمة لهذا الخراب وغير راغبة  باستقراره السياسي وهي  تركيا وقطر في  ظل استثمار         شعارات الطائفية السياسية لتصعيد الامور الى حافة الهاوية ولعل مايجري من تظاهرات مناطقية وسمت نفسها بغطاء ايديولوجي  صبغ هذه الاحتجاجات ويقيناً قد يسأل سائل هو كيف شخصتم هذه الاحتجاجات على انها قد وقعت تحت مظلة الادلجة؟ نقول لقد تجرءت مجموعة تطوعية من المثقفين العراقيين للذهاب الى مكان العاصفة في محاولة لاكتشاف واستقصاء هذا الحراك الاجتماعي الصاخب المناطقي محمولاً بخطابه الطائفي البغيض واعتقد جازماً بوصفي احد المشاركين في هذه المجموعة التي استطيع ان أصفها بانها مجموعة  ثقافية تاريخية حاولت ان تسقط وشم الاتهام بغياب المثقف في المشاركة في الشأن العام وانعدام دوره الثقافي والوطني والانساني بوصفه فاعلاً اجتماعياً ولهذا تاتي  الجملة الشهيرة التي اطلقها المفكر والروائي الفرنسي سارتر( بان المثقف مسؤول اذا حصلت  مشكلة في الارض ) وهذه الجملة  يمكن ان تنطبق على هذه المجموعة الثقافية وهي بالتأكيد انتقاله تاريخية  شجاعة في رؤية المثقف على الصعيد العراقي والعربي الجديد وكان كل همنا كمجموعة ثقافية هو إثارة النقاش المعرفي لمعرفة وتقصي اسباب هذا الصخب المناطقي الذي كشف عن اجندته الظاهرة وخطابه السياسي الذي يتحدث عن غياب للعدالة الاجتماعية وظلماً مبالغاً فيه يقع على هذه المناطق من جراء تطبيق بعض القوانين مثل المادة(4) ارهاب وقانون المساءلة والعدالة وان التطبيق يتم على هذه المناطق ذات الغالبية السنية بانتقائية وتبدو هذه الذرائع في  ظاهرها فيها جانباً من الصواب وقد يحصل سوء التطبيق في افضل البلدان  المتقدمة والمستقره سياسياً فلم لايحصل في العراق  بوضعه الراهن  لكن ماأقلقنا واثار مخاوفنا هو ماسمعناه من ان هناك مزاجاً إصولياً متطرفاً  يدفع باتجاه اسقاط الدستور والعملية السياسية وهو أمر خطير ولايمكن القبول به على الاطلاق من قبل غالبية الشعب العراقي ان كان في الوسط او الجنوب او الشمال لانه في حالة حصول ذلك سيضع البلاد في فراغ سياسي لاتعرف نتائجه     المستقبلية على مصيرالبلاد وتحدثت إنا بجرأة زائدة وعلى منصة الاعتصام في الفلوجة حيث قلت في جملة واضحة(( بأنه لايمكن السماح باسقاط الدستور والعملية السياسية)) مما اثار حفيظة المتظاهرين الحاضرين في ذلك اليوم الذي صادف السبت  الموافق 2/2/2013 على اتهامي بأني ملغوم هكذا صرخ المتظاهرون بصوت مرتفع(( ملغوم… ملغوم… ملغوم) مما وضعني في موقف الاتهام والتخوين اضطرني على أثرها الى التوقف عن الاستمرار في الحديث  ولم تمض ثواني على صمتي حتى دعاني احدهم وكان رجل دين الى الحوار معه عندها هبطت من منصة الاحتجاجات رغم ان بعض اعضاء المجموعة كان متخوفاً من تلك الدعوة وقد ارسل شخصاً في اثري من المجموعة  وهو الاخ العزيز حسام عاشور لمراقبة الوضع وجرى الحوار والنقاش على عدد من القضايا المطروحة من قبل المتظاهرين حاول  رجل الدين ان يعتذر عما حصل لي وقال لي انا افهم معنى مقالتك فارجو ان تقبل اعتذاري وبدأ النقاش بيننا على انه يجب ان يكون هناك خطاب ثقافي يفكر بعقلية  المصارحة والمكاشفة وضرورة الكشف عن الغاطس في الذهنية التي تحرض على ديمومة الاحتجاجات المناطقية  ولكن الحوار انتهى  في مدارات اللا جدوى الا ان  الغاطس وهذا ماقرأته في عيون وألسن وقلوب الرجال في الفلوجة والانبار شيئاً اخر وتصور اخر وانا اعني الرجال الذين يسيطرون على ادارة الاحتجاجات ويقف خلفهم السياسيون والمتطرفون وبعض رجال القبائل والقاعدة والبعثيين والحرس القديم  وما أكد هذه القراءة الماورائية هو طبيعة النقاش العدائي وهيمنة الصوت الواحد الذي ساد في الانبار داخل احدى الخيم المنصوبة والتي حضرها بعض المطلوبين للقضاء وبين المجموعة الثقافية ومما عزز هذه الفرضية هو استلامنا  لبيانات وخطب  مطبوعة تعبر عن ذهنية مصابة بخطاب التخوين واستعمال العبارات العدائية المستلة من بطون التاريخ والتراث مثل مفردة الصفوية والفرس المجوس وتناسوا ان هناك شعباً  عراقياً اكبر منهم في مناطق الوسط والجنوب مازالت مناطقه تأن من الاهمال والخراب من النظم الاستبدادية التي تعاقبت على حكم العراق واخرهم الطاغية صدام حسين ويمكن ان يرد على هذا الخطاب البغيض من  جيوب التاريخ ذاته مثل مفردة العثمانيين والسلاجقة لقد اردنا من هذه المحاولة كمجموعة ثقافية تحريك المياه الراكدة والعودة بفتح المسارات التي تؤسس للبناء بناء الدولة والامة على وفق معايير المواطنة وعبور خانة الصراع الاثني والطائفي الذي يريد استعادة السلطة بالقوة الغاشمة على قاعدة الانقلابات الدموية التي وسمت تاريخ العراق السياسي المعاصر وتبين لي ان الذي يحدث في هذه المناطق هوعبارة عن انقلاب مختلف ومبتكر انقلاب ابيض وناعم بعدان عجز الحالمون الاشرار في اسقاط الدولة الجديدة رغم ضراوة الماكنة الاجرامية التي تعمل بجهد داخلي وخارجي لتقويض المشروع السياسي واعادة عقارب الزمن الى الوراء وخلاصة الحديث نقول الى المحتجين ومن يقف وراء استثمارهم الى ضرورة اعادة قراءة المعطيات بعقليه ناضجة وان لايتوهموا في تقدير الوقائع والحيثيات وان يقبلوا بفكرة التعايش في دولة موحدة والايمان بالمشروع السياسي الديمقراطي وصناديق الاقتراع وان  يتوقفوا عن سماع صوتهم فقط   دون  ان يسمعوا  اصوات الاخرين مثلما حصل لنا في الانبار والفلوجة ومن يفكر بالحرب الاهلية مثلما نسمع من البعض وهو يستخدم  لغة  متغطرسة ومتعالية وهو يقول جميع الخيارات مفتوحة وفي الحقيقة ان هذه العبارات كمن يعيش صاحبها حالة من الهذيان وسيصحوا في لحظة ما على جدران الواقع الصادمة وسيكون الخاسر الاكبر كما اثبتت الوقائع على ان من يفكر بعقلية المؤامرة واقتناص الفرصه للانقلاب على العملية السياسية والدستور سيقع في المحظور وكذلك نحن شعرنا ان هناك عقلاء  ومعتدلين والواجب يتطلب من القوى السياسية ان كانت في الوسط اوالجنوب او بغداد الى ضرورة تقوية جبهتهم الداخلية لمنع اصحاب الاجندات الاقليمية من تحقيق احلامهم المريضه وهزيمتهم بقوى الاعتدال والوسطية في مناطقنا الغربية. لكن المشهد الذي بقي عالقاً في  ذاكرتي ذلك الصبي الاسمر الملثم وهو يقترب مني ليقول لي اننا سمعنا حديثاً قاله احد اعضاء المجموعه الثقافية في الفلوجة يطلب فيه بعدم المساس بالدستور والعمليه السياسية وهذا الكلام غيرمقبول بالنسبة لنا  وننصحه  بعدم اعادة حديثه هذا  في الرمادي التفت الى احد المشايخ الذي استقبلنا في الانبار وقلت له هل يجوز هكذا تهديد  رد؟ علي الشيخ لاتهتم له انه صبي. لقد ارادت هذه المجموعة ان تبرهن  ان الحوار والمناقشة والمراجعة السبيل الاصلح لمعالجة الازمات اما الاذعان الى الخيارات الاخرى مثلما ينادي بها البعض واستخدام التهديدات المبطنة والمعلنة فهو كلام يعبر عن عقلية ديماغوجية فارغة ولا تتمتع بالحس الوطني  لقد بين لنا النقاش الثقافي الذي اجريناه في الانبار والفلوجة محاولة منا كمجموعة ثقافية لمناقشة ظاهرة التظاهرات من منظور ثقافي لتفكيك  الاشكالية والتعرف على هامش طبيعة الاحتجاجات المناطقية والصبغة المشحونة بالادلجة الطائفية وتصورنا ان يكون هناك نقاش مفتوح يفضي الى اعادة قراءة الوضع السياسي العراقي قراءة موضوعية من قبل السياسيين والمثقفين والاكاديميين في تلك المناطق للارتقاء بالوعي السياسي والثقافي للفرد والجماعات المدفوعة على ايقاعها العاطفي في تلك المناطق واشاعة روح المواطنة والتعايش مع الاخرين والسمو فوق الجراحات والاوجاع  بغية حماية الوحدة الوطنية العراقية والعمل على اعادة الامور الى نصابها قبل الاحتجاجات والتمسك بثقافة الحوار والنقاش كافضل الحلول لمواجهة الاشكاليات والازمات وهذه القيم والاعراف اصبحت ثقافة اجتماعية تعودت الامم المتحضرة على التعاطي معها بديلاً عن كل اشكال الصراع والعنف والصدام الدموي الذي تجرعت سمومها على مدار تاريخ الامة العراقية لقد حاورنا السلطة في عام 2010 وقلنا بصدق وشجاعة على ان السلطة لديها اخفاقات ونجاحات وها نحن نعيد تجربة الحوار بالذهاب الى الانبار والفلوجة في محاولة منا كمثقفين اعادة تفعيل فكرة الحوار كوسيلة قادرة على معالجة الازمات وهذا مافعلنا مع الجماهير في المنطقة الغربية وربما الايام القادمة ستدفع بالاصوات الخافتة الى ان تنمو باتجاه تعزيز الحوار  نحو افاق اوسع انطلاقاً من نقاش مجموعتنا الثقافية وهي  تحاور المحتجين  في الانبار بنفس الصراحة والمكاشفة التي تحدثنا بها مع السلطة وضرورة اقصاء كل ثقافات العداء والتطرف والكراهية والطائفية والمناطقية والجهوية من خلال  تشجيع روح المواطنة  كهوية جامعة لكل العراقيين على وفق هذه المفاهيم نستطيع بناء الدولة والمجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية .