وهذا سؤال يحق لنا أن نطرحه لما نشاهده من ضخ طائفي من الرموز الدينية والسياسية في السنوات الأخيرة حتى أصبح الوطن مستنقعاً للدماء بسبب سيطرة هذه الأفكار وسطوة أصحابها السلطوية والإعلامية والمالية والاجتماعية .وقد تابعت مؤخراً جملة من النقاشات دارت على مواقع التواصل الاجتماعي مفادها أن هناك اتجاهاً قد يشكل الأغلبية يُحمِل أهل المناطق الغربية مسؤولية ما يجري من كوارث ويعتبرهم امتداداً لقتلة الإمام الحسين (عليه السلام ) وعلى أنهم أحفاد أولئك القتلة والسائرين على نهجهم . ولأن السائد على أصحاب الإتهام إنهم ممن ينتحل التشيع والذين نراهم يؤدون الشعائر ويشكلون مجاميع قتالية يعتقدون أنهم أنصار الإمام الحسين ( عليه السلام ) والمطالبين بثأره ، فقد ترتب على ذلك أن الكثير من هؤلاء دخل المعارك على أساس الانتقام والتشفي وأخذ الثأر .وللنتائج الخطيرة التي تعرضت لها الأمة من جراء هذا الفهم فقد أثار المرجع العراقي العربي السيد الصرخي الحسني هذا الموضوع في هذا الوقت العصيب من عمر الأمة الإسلامية بقوة من خلال محاضراته الموضوعية حول شخصية السيستاني ومنها المحاضرة الثالثة التي جاء فيها ( إن أهل المناطق الغربية في الرمادي ، في الانبار ، في صلاح الدين هم الذين استقبلوا سبايا الحسين وآل الحسين وأكرموا سبايا الحسين وآل الحسين ، هم الذين كانوا رأس الحربة والشوكة لقتال جيش معاوية أو الجيوش الأموية ، هؤلاء شيعة أهل البيت ، كيف الآن جعلوا هؤلاء من النواصب وحقنوا أذهان المساكين الجهال البسطاء الأبناء الأعزاء حقنوها بالطائفية والحقد على شيعة أهل البيت الحقيقيين ، المناطق الغربية مناطق صلاح الدين ، مناطق الموصل هؤلاء هم الذين استقبلوا سبايا أهل البيت وأكرموا سبايا أهل البيت ” سلام الله عليهم” كيف قلبوا الحقائق ؟ كيف تقبلوا هذه الحقائق ؟ كيف قلبت الحقائق ؟ ألم يعلم أهل العراق أهل الكوفة أهل الجنوب أهل الوسط إن أهل الكوفة هم من قتل الحسين ، هم من سبى عائلة الحسين ، هم من غدر بالحسين ” عليه السلام ” أين هم من هذه الحقائق ؟! أليست هذه العلوم من البديهيات ومن الضروريات التي تحكى على المنابر؟ كيف يتقبلون خلاف البديهة وخلاف الضرورة وخلاف الواقع ؟ ) .
إذن ما ترسخ في الأذهان وما تم اعتباره من الضروريات زوراً وبهتاناً فقد تصدى له المرجع الصرخي لتبدأ مرحلة تزلزل البناء الوهمي الذي جعلوا منه جبلاً والذي سوف يتهاوى أمام الحقائق ، وأنا هنا أضع بعض الحقائق التاريخية من جهة ، ومن جهة أخرى أضع بعض الأسئلة تجاه حقائق أخرى ليتبين للناس حقيقة ما جرى من تزييف للحقائق طيلة العصور السابقة والحالية .فأولها ما ورد على لسان الإمام الحسين ( عليه السلام ) وولده علي الأكبر ( رضوان الله عليه ) ، ففي الطبقات لابن سعد : { وبلغ الحسين ( عليه السلام ) قتل مسلم وهاني . فقال له ابنه عليّ الأكبر : يا أبه ! ارجع فإنّهم أهل ( كدر ) وغدر وقلّة وفائهم ، ولا يفون لك بشيء . فقالت بنو عقيل لحسين : ليس هذا بحين رجوع ! وحرّضوه على المضيّ ، فقال الحسين (عليه السلام ) لأصحابه : قَدْ تَرَوْنَ ما يَأتينا وَما أَرَى الْقَوْمَ إِلاّ سَيَخْذُلُونَنا فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ } .
وثانيهما لقاء الإمام الحسين بالشاعر الفرزدق وسؤال الإمام له عن أوضاع الناس في الكوفة فقال له إن قلوبهم معك وسيوفهم عليك .
وثالثهما قول الأمام السجاد ( عليه السلام ) مخاطباً أهل الكوفة بعد انتهاء معركة كربلاء ( أتنوحون وتبكون من أجلنا ، فمن الذي قتلنا ؟ ) .
ورابعهما خطبة السيدة زينب ( سلام الله عليها ) في أهل الكوفة وكيف قرعتهم واتهمتهم مباشرة بقتل الصفوة من الأخيار ومما جاء في خطبتها ( يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر !! أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ) .
وأخيراً أبين لكم قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) في زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في ليالي القدر وجاء فيها ( وَ أَشْهَدُ أَنَّ الَّذِينَ خَالَفُوكَ وَ حَارَبُوكَ ، وَ أَنَّ الَّذِينَ خَذَلُوكَ وَ الَّذِينَ قَتَلُوكَ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) .
هذه الأخبار ليست آراء أشخاص مبغضين ، بل هي لمن عاش أجواء المعركة ، إنها آراء أهل البيت ( عليهم السلام ) .
الآن لنطرح بعض الأسئلة لنضيف أدلة أخرى من خلالها :
من ترك سفير الإمام الحسين ( عليه السلام ) مسلم بن عقيل وحيداً بعد أن بايعه ؟ وهل تعرفون أن الذين بايعوا مسلم بلغ عددهم ثمانية عشر ألف رجل .
ونسأل مرة ثانية كم هي الرسائل التي أُرسلت إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) أن أقدم إلى الكوفة ؟ ومن هم الذين أرسلوها ؟ أتعرفون أن التاريخ يذكر لنا أن عدد الرسائل كان اثنتا عشر ألف رسالة ؟ وأن بعض الكتاب يقول إن كل رسالة كانت تحتوي على مجموعة من الأسماء وليست لرجل واحد .ونسأل أين ذهب هؤلاء الذين أرسلوا الرسائل ؟
وأين ذهب أولئك الذين بايعوا مسلم ؟
أليس بغدر هؤلاء وخذلانهم قُتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ؟
وهل أهل الأنبار وأهل الموصل وأهل صلاح الدين هم من راسل الحسين أو بايع مسلم وخذله وغدر به ؟
أعرف أنها أسئلة تثير حفيظة الكثير لكن لا بد أن يطرحها المرء لعله يتمكن من توضيح الأمور للناس وإعادة الأمور إلى مواضعها الصحيحة .