تتشابه الثوات وحركات الاحتجاج في البلدان و كأن لها مسارات مرسومة واحدة و كأن الشعوب متواصية على خطواتها و كأن الطواغيت و الظالمين و المستبدين متفقين في استخدام ذات الاساليب في القمع و الترهيب و الترغيب و التسويف.
ذلك ما رأيته حين تابعت تقرير قناة (dw) الوثائقية الالمانية التي عرضت تقريراً عن حركة الاحتجاجات التي حصلت في بولندا مطلع الثمانينات أبان الحكم الشيوعي في ذلك البلد حيث تكونت حركة التضامن التي انبثقت من حراك عمالي انطلق من عمال حوض بناء السفن الذين اعتصموا و اضربوا عن العمل و تفاعلت معهم قطاعات مختلفة من الشعب البولندي لتصبح حركة احتجاجية ملهمة و ضخمة يصفها كاتب التقرير بأنها مهدت لانهيار جدار برلين الذي يفصل بين المانيا الشرقية و الغربية عام ١٩٩٠ .
ما حصل في تلك الانتفاضة وذلك الحراك مشابه تماماً لما حصل في العراق بدأ الاعتصام و الاضراب صغيراً لكن الشعب تفاعل معه ليمتد تأثيره ويشل بقية القطاعات كان الاعلام الحكومي يتجاهل الامر كما حصل عندنا ويضرب طوقاً اعلامياً لتجاهل الامر لكن ما حدث ان الاحتجاج تصاعد وتصدر الصحافة العالمية ما ارضخ الحكومة وجعلها تتعاطى معه بعد عدة اشهر حيث رضخت و تفاوضت مع المحتجين و اضطرت بعد التسويف الى الاستجابة على مضض لبعض المطالب ومع ذلك قامت السلطة بتشويه صورة المحتجين و اظهارهم في الاعلام الرسمي كمخربين ومثيري فتن واظهار اعترافات للبعض يعترفون بالتخريب تنفيذ الاجندات التخريبية.
عاد الشيوعيون بعد ذلك ليسلموا البلد الى قائد عسكري اقدم على قمع الاحتجاج ونزل العسكر في الشوارع و فرض حالة الطواريء وحصلت صدامات مروعة واعتقالات وقتل للمحتجين لكن البلد ظل مضطرباً وظلت الاوضاع متوترة ، كان صعود غورباتشوف الى حكم الاتحاد السوفيتي و عزمه عدم التدخل في بلدان الكتلة الشرقية هو ما اعطى الاحتجاج قوة و زخماً حتى تكلل بالنجاح بعد حوالي خمس سنوات فتدخل الجيران عامل مهم في نجاح او وأد الانتفاضة و لم يكن تدخل الغرب بعيداً حيث يبدو ان الاعلام الغربي غطى الانتفاضة بقوة ما منحها زخماً وقوة ولكن ذلك التدخل لم يكن لأجل دعم حقوق الشعب البولندي بل لأجل مصالح سياسية فالعالم انذاك منقسم الى غرب ليبرالي و شرق شيوعي ، و ذلك ما حصل عندنا ايضاً في تقاطع المصالح بين ايران و امريكا الذي لم يكن خافياً حيث جهد الطرفان في التدخل في مسارات الانتفاضة في العراق.
و رغم اختلاف تلك الحقبة عن المقطع التاريخي الذي نعيشه الا ان اساليب السلطة الظالمة والفاسدة تبدو واحدة متشابهة و كذلك اساليب الاحتجاجات التي تحصل نتيجة الاحساس بالظلم وسلب الحقوق .
علينا التعلم من تجارب الاخرين والنظر في التاريخ لا لأجل التسلية بل لنستفيد في تلافي الاخطاء ومعرفة دهاليز السياسة .
في العراق الوضع معقد ومشتبك كثيراً اذ الوضع العالمي ومواقع القوى وموازينها يختلف كثيراً عن عقد الثمانينات فالمصالح الاقتصادية والتجارية تلعب اليوم دوراً اكبر من ذي قبل اذ كانت الصراعات سياسية في جانب كبير منها
هناك مصالح اقتصادية وسياسية لجميع الدول المحيطة بالعراق و كذلك بالنسبة للغرب و امريكا وما يهم الجميع هو ان يبقى العراق ضعيفاً و غير قادر على النهوض لأن ذلك يجعل تلك البلدان تضمن مصالحها في العراق .
ما علينا ان نعرفه هو كيف نضمن مصالحنا في خضم تقاطع المصالح الذي يحيط بنا وهو امر صعب بحاجة الى صبر ومطاولة