15 نوفمبر، 2024 3:06 م
Search
Close this search box.

نفي لنفي الإثبات في نقد الأدب .. ونقد النقد

نفي لنفي الإثبات في نقد الأدب .. ونقد النقد

“طالما أنه لا توجد هناك مقاييس مطلقة للأحكام، كذلك ليست هناك مقاييس مطلقة للمنهجية النقدية، هنا أيضاً لا بد من الاعتراف بأن القياس مع العلوم هو قياس زائف ومصدر للأخطاء. ليس هناك، ولا يمكن أن يكون منهج واحد شامل للنقد وذلك بسبب عدم وجود أية حقيقة موضوعية تتطلب الكشف عنها، هناك فقط دوافع متعددة ونوايا من الاهتمامات المختلفة وراء الرغبة الكامنة في الانخراط بهذا الحديث”*. وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن نشخص بعض الحقائق الثقافية والجمالية والميثولوجية مع احتفاظنا بالرأي القائل بأن الحقيقة شكل وليس قول، فلا يمكن وجود أدب للحقيقة. إن العمل الذي يمكن إنتاجه، وفق هذا المنطق، هو تعديل مهم وعميق في بنية الخطاب الثقافي وربما سوف تتشكل أهميته في أنه سيكون مرحلة انتقال من النظام المقنن بالقوانين الداخلية الخاضع، لمرجعياته، الخاصة إلى نظام آخر مفتوح على كل ما يمكن تصوره من تخمينات، فالأشياء التي تحصل في الواقع والتي تكتب بالمجاز على شكل صور أو رموز تستخدم اللغة بكونها الموضوع الرئيسي الخاضع لمفاهيم الثـقافة والجـمال والمـيـثولوجـيا والفـلسفة والاجتماع…

لكننا نلحظ بأن هذا المشروع يُقدم بدون تمثيل حقيقي لنتاجات الفكر لجزء العالم الذي نعيش فيه، بل بالعكس، فإنه لا يُقدم مشروع الكاتب ـ على افتراض مُلزم بأن يمتلك الكاتب مشروعاً ـ على غير نسق برنامجية الكتابة، متناسين أن الاتصال مع الأدب هو اتصال مع الحياة وأشيائها والوظيفة هي ليست نقلها أو تدوينها، إنما هي إعادة تكوين معانيها، أو هذا ما سنفترضه في مشروعنا للقراءة. وينبغي أن نعترف بأن ديمومة الموضوعات التي يعالجها الأدب والتي يمنحها الكاتب بوعيه شكلاً فتفتح أمامنا طرقاً نحو إيجاد جماليات وآفاق جديدة لممارسات التعبير المتغيرة والمتنوعة، فالحب والقتل والخيانة والحرب والعدالة والظلم هي غاية من ديناميكية الحياة. ولكننا نتساءل بطريقة بسيطة ونقول: هل امتلك الكاتب جرأة ما على مستوى طرح الأشكال الأدبية (الجديدة)؟. وهل امتلك حقاً طرقاً تقنية توصل الشكل بالمحتوى حتى يستطيع القارئ استخلاص القراءة الخاصة به؟..

إنها أسئلة، أبدو فيها وكأني أقف موقفاً مختلفاً ومغايراً مع ما يكتب، مع أني متضامن مع فكرة القراءة وأميل إلى أن الدلالات الحقيقية للأدب هي إنسانية أولاً ولا يمكن أن نعطي لكتابة ما أو لقراءة ما معنى دون أن تسود تلك الحقيقة أولاً وقبل كل شيء. لا شك أن القضايا النظرية تخضع للتغير طالما تظهر معطيات تفسيرية جديدة وهي تحل دائماً محل الفهم السابق، إنها معرفة جديدة تخضع للتعاقب الزمني ـ شيء يفرض التقدم مثلما يفترض بالقراءة أن تتقدم ـ وعلى مستوى أكثر وضوحاً، يبدو أن هناك مزاعم وآراء يمكن طرحها على اعتبار أنها يمكن أن تكون مفهومة إذا كانت موضوعية لأنها حصيلة القراءة وتخضع دائماً لمعايير الفهم السوسيولوجي السائد. إنه المنطق الذي يقول أن وجهة النظر هذه يمكن أن تكون عامة وليست فردية إذا كان بالإمكان أن يفهم الفرد من قبل الأفراد الآخرين، ولأن الإنسان كائن اجتماعي، فإن هذا ليس تشديداً على الفردية أكثر من كونه فعلاً يمارسه الأفراد لغرض الاتصال والتطلع إلى اكتشاف الجماليات.

ونعود إلى القول؛ أن وجود مبررات لمنهج نقدي عربي لا يتطلب وجود المنهج لأن وجود سياق (متفق عليه) للأدب المؤسساتي متناقض تماماً مع تلك المحاولة، وقد أشرنا إلى هذا الأمر لأن المنهج النقدي العربي يجب أن يرتبط بالأدب ارتباط الفكرة بالمشروع، ولست متحمساً لمسألة السياق الأيديولوجي وسأفترض أنه انفلات من عناصر تراتبية غير مهمة في المشروع النقدي العربي.

إنه الشقاء، بالنسبة لي، أن أكون وحيداً، لأن المماثلة ليست إلا اتجاهاً واحداً من الاتجاهات الاجتماعية، ولذا فإني، بمحاولتي هذه، أحاول التركيز على آثار الأفكار والمشاعر مشيراً إلى أن ثمة أفكار وأحكام ومنطلقات رائعة يمتلكها الآخرون، غير أنه “يجدر بنا أن نحتفظ بتوازن عقولنا كي نتحاشى الصرعات الفكرية.. أن نتحاشى التعلق بمنهج معين على أنه يناسب الظروف كافة وأن نحاول تناول العمل الأدبي بعيداً عن التصورات المسبقة المتصلبة، كلا، لا توجد قراءة بريئة بالقدر ذاته الذي لا توجد فيه عين بريئة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات