في هذا البلد الغريب بكل مفرداته منذ نشوء اول حضارة على ارضه ادعى فيها ملوكها بأنهم الهة تحيي وتميت ، الى زمن العولمة وحكم الاغلبية فيه والتي تعطي نفطها للاخرين ومدنها عبارة عن خرائب ومدارسها من الطين والجريد .. مرورا بتاريخ فوضوي صبغ بالدم والمؤامرات أبتدأ بسيف ابن ملجم الذي هوى على رأس العدل والحق والانصاف فيه وانتهى بمجزرة حلبجة وجريمة المقابر الجماعية التي وسمت بها مدن الوسط والجنوب .. اكتشف النفط في العراق عام 1912 ومن ذلك الوقت وشعبه لم يقطف ثماره او يذق خيراته ،ومن المفارقات التاريخية الغريبة ان اول من قام بسرقته هم الاتراك تحت شعار الاستثمار حين كانت الشركات التركية تستخرج نفطه لتبيعه في الاسواق العالمية ويذهب ريعه الى الباب العالي في اسطنبول وشعبه يأكل الحصرم ، ثم جاء الانكليز ليكملوا مسلسل السرقة لثروته ، حتى جاء صدام ليوظفه لخدمه طموحاته الشخصية الجنونية عبر حروب عبثية قادت العراق الى الويلات وتدمير بناه التحتية ،وقيامه باستخدام النفط لتحريك عجلته الاعلامية والدعائية لاشباع غرور، كفضيحة كابونات النفط التي كان يمنحها بالمجان لشخصيات سياسية واعلامية وفنانين عرب واجانب وبعد مخاض طويل للتمسك بكرسي السلطة ، سلم العراق الى الاميركان في 2003، والذين كان العراق يمثل لهم حلم من احلام اليقضة ،وما ان دخلت جيوشهم الفاتحة ارض العراق حتى اصدر البيت الابيض فرمانه لقواته الغازية بترك كل شيئ فيه يستباح ويسرق ويحرق الا وزارة النفط التي رابطت دباباتها من حولها لحمايتها من اي عبث او سرقة ، ليعاود بعد فترة قصيرة انتاج وتصدير النفط مرة اخرى وتبقى البصرة البقرة الحلوب والام الحنون التي تطعم العراق باكمله من نفطها وسكانها يشربون الماء الاسن (انها لقسمة ضيزى )..منذ احد عشر سنة والكورد الذين هم اخوتنا في الوطن وشركائنا في محنة الحكم البعثي ياخذون حصتهم من واردات نفط الجنوب فوق استحقاقهم التي تفرضه عوامل التعداد السكاني ، ايمانا من ابناء الوسط والجنوب بوحدة القضية والمصير ، وحفاظاً على الوحدة الوطنية التي بدت للعيان ان القادة الكورد غير معنيين او اّبهين بها وما ان تنولد ازمة بين المركز والاقليم حتى يبدء الساسة الكورد بأطلاق التهديدات بالانفصال وعلان دولتهم المستقلة حتى وصلت الامور الى تحشيد قواتهم على مشارف محافظة كركوك عام 2012 بخطوة لايمكن تبريرها بأي شكل من الاشكال اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار بأن الخلاف الذي قاد الامور الى هذا المنعطف الخطير هو خلاف بين مركز واقليم تابع له ، وليس خلاف بين دولتين ،اعتقد ان سعي الكورد لأقامة دولة مستقلة لهم أمر شرعي ومنطقي وليس فيه اي غرابة فهم يمتلكون مقومات الانفصال واقامة كيان مستقل لهم ،وأستطاعوا خلال الفترة الماضية التي تلت حرب الخليج الثانية عام 1991 وتحت مظلة الحضر الجوي الغربي على اجوائهم من اقامة هذا الكيان وترسيخ مقوماته ..لكن بشرط ان لاتتعدى حدود هذه الدولة عن ماكانت عليه حدود الاقليم قبل التاسع من حزيران 2014 ..واذا كان في النية فعلا اعلان مثل هذه الدولة فأن الكثير من الظروف السياسية المحيطة بهم على المستوى الاقليمي والدولي وحتى الداخلي مهيئ للاقدام على هذه الخطوة ، فعلاقات القادة الكورد مع الاتراك في أوج صفائها وهاهو نفط الاقليم يغادر اراضي العراق علنا الى محفظة الباب العالي الجديد في تركيا السيد اوردوغان بخطوة تركية تجاوزت فيها كل القوانين والاعراف الدولية حتى وصل الى اسرائيل ،والحكومة عاجزة حتى على الحوار مع القادة الكورد ،أصدقاء الامس القريب وشركائها في النضال ضد حكم البعث ، والكثير من ساسة العراق الجدد يقيمون اليوم في اربيل ويباركون للكورد خطوة التهام كركوك ..اذن في ظل هذه الاشكاليات الشائكة والمستعصية يجب على الكل ان يتحملوا مسؤلياتهم التاريخية امام الله والمواطن الذي هو اول الخاسرين في صراع الارادات القائم حاليا بين قادة العراق الجدد ، وأن يكونوا واقعيين في التعامل مع هذا الواقع ومواجهة الحقيقة وان كانت صعبة التقبل ، فالذي يريد مغادرة الانتماء لهذا الوطن بأرادته ما علينا سوى توديعة وعناقه من على حدود دولته الجديدة والدعاء لله بأن يكون جاراَ ’جنب لنا ، علينا أتجاهه ، حق الجار والدين وحق المصاهرة ،وان لاينسى كلانا بأننا نزفنا يوما دمائنا من اجل العراق.