مالايختلف عليه اثنان، أن الخطة الاقتصادية التي يسير وفقها العراق تعد مقامرة او مغامرة محفوفة بالمخاطر، وقد يصح لنا إطلاق مصطلح اللاخطة على هذه الخطة. إذ أن القائمين عليها وضعوا جميع بيض البلد في سلة واحدة، فالنفط أولا والنفط ثانيا والنفط ثالثا وعاشرا هو المتحكم الأول والأخير في واردات البلد، وفي حال كهذه يكون مستقبل البلد على شفا حفرة من ضياع، تبتلع كل مابناه الجدود من حضارة، وما حاضر اقتصاد البلد إلا نذير بمستقبل سيئ بل سيئ جدا، حيث انعدام أي ضمان للمواطن في جوانب عيشه كافة، وهو يفترش أرض بلده من دون غطاء يحميه غير غطاء المخزون النفطي، وهو قطعا آيل للنفاد والنضوب عاجلا او آجلا. وفي بلد يعتمد جُلّ اقتصاده على النفط، ينحصر الحديث عن ضمان حقوق مواطنيه بين سعر برميل النفط، والمطروح منه في سوقه، وبين مطرقة دول الأوبك، وسندان دول الأوابك، فتصبح إذاك ضمانات المواطن في عراقه أشبه بشعرة معاوية، وحينها يقف المواطن العراقي على صراطين، أحدهما العرض وثانيهما الطلب، وبين هذا وذاك يفقد الوشيجة التي تربطه بهويته وجنسيته العراقية، بعد أن ينأى انتماؤه عنهما، ويلتصق بوحدة القياس (برميل/ يوم).
ومعلوم ان الفرد لايشعر باستقرار في بلده إلا إذا توافرت له جملة حيثيات أهمها الضمانات، وهذه بدورها تندرج تحت مسميات عدة منها وأهمها أيضا؛ ضمان الحقوق المادية، وبتوفيرها له على الدوام ومن دون غبن، يشعر الفرد بالتصاقه بتربة وطنه، حيث ان الضمان يحقق له كيانا ووجودا وشعورا بان له حضورا دائما لدى حاكميه ومسؤوليه، ومن غير ذاك الضمان يحتسبهم جلاديه وسجانيه. فضمان حقوق المواطن حق على الحكومة ان ترعاه، ليرعى بالمثل الواجبات المناطة على عاتقه تجاهها. وحديث المواطن عن النفط ووارداته كان في عهد النظام السابق محظورا، وثمنه قد يكون حياة المتكلم به، اما اليوم فالأحاديث باتت مباحة حتى وإن كان النفط من أدواتها، إذ أن الديمقراطية المزعومة التي توزعت على العراقيين جميعهم بعد عام 2003 أباحت المحظورات وحللت المحرمات وفسحت المجال للممنوعات للتداول جهارا نهارا، سواء بالحديث أم بالفعل! وهذا الجانب استغله سياسيو الفرصة بعد أن كانوا يرسمون له من قبل، فدخل مفهوم الديمقراطية مجمل أقوالهم فضلا عن أعمالهم، فاستحال الكذب في التصريحات أداة مشروعة لاغنى عنها لديهم، وراحوا يستخدمونها على أوسع نطاق لتأتي لهم بالصيد الوافر، وتقرب اليهم مآربهم وتحقق أحلامهم بصرف النظر عن مشروعيتها وأحقيتها. وليست ببعيدة عنا نبرة التصريحات التي لم يتعود العراقي سماعها سابقا، يوم ناقش مسؤولو الدولة على مستوياتهم كافة، توزيع الفائض من واردات النفط على المواطنين، ظانين أنهم يتقربون بها الى المواطن، فما زادهم ذاك إلا تباعدا فوق التباعد الذي صنعوه بامتياز مذ توليهم مفاصل القيادة في البلد. ولو علموا أن التقرب من المواطن العراقي بسيط جدا وبمتناول أيديهم، إذ أنه يتم بمجرد توفير أبسط حقوقه في العيش كحد أدنى في بلده، من دون التفريط بها ولاسيما حقوقه في ثروات بلده النفطية. أما بعثرتها بين السرقة والنهب والتبذير وسوء الإدارة والتصرف، فهذا من شأنه ضياع كثير من أواصر الشد بين المواطن وسراقه.. أقصد قادته.