17 نوفمبر، 2024 11:20 م
Search
Close this search box.

نفاق سياسي عالمي واستحمار محلي

نفاق سياسي عالمي واستحمار محلي

عند مطلع ثمانينات القرن الماضي، وتحديدا عام 1981 اطلق الرئيس الامريكي السابق (ريغان) مصطلح (الحرب على الارهاب)، حيث شنت الدوائر الاعلامية والماكنات المخابراتية حملة ضد الشيوعية السوفيتية في امريكا الجنوبية ، للحد من انتشارها ولايجاد ذرائع وحجج لتغيير الانظمة الغير موالية للعم سام، واتخذت الحوادث المتلاحقة والاعمال الارهابية المتوالية سلسلة من المخطط الامريكي لغزو تلك المنطقة، وبالطبيعي فأن شعوب تلك البلدان وبنيتها التحتية كانت الضحية .
وتحضرني هنا محادثة بسيطة ، حيث يروي القديس اوغسطين قصة قرصان وقع في اسر الاسكندر الكبير، الذي سأله ، كيف تجرؤ على ازعاج البحر ، فأجاب القرصان ((لأنني افعل ذلك بسفينة صغيرة فحسب، أدعى لصاً ، وأنت ، الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم تدُعى امبراطوراً)).
تأمل في جواب القرصان على الرغم من بساطته ولكنه يحمل معاني كثيرة، حيث يستنكر الاسكندر الكبير على هذا (القرصان) اللصوصية والقيام بأعمال النهب والسرقة، في حين ان الاسكندر نفسه يقوم بذلك، ولكون القرصان ذو مكانة محدودة وليس قوى عظمى لا يجوز له ذلك، ويجوز لمالك القوى والقدرة ، بل انه لا يلام على عمل اللصوصية، حيث يدعى بـ “الامبراطور”.
ولتوضيح الامر بدلائل اخرى، لنفترض جدلاً، أن قوة ايرانية محمولة بحراً هاجمت ثلاث سفن امريكية في ميناء حيفاء الاسرائيلي واغرقت واحدة منها والحقت اضراراً بالاخريين ، مستعملة صواريخ من صنع كوريا الشمالية، لا حاجة لي للتعليق على حجم ونوعية الرد الامريكي.
ولكن في العالم الحقيقي ففي الخامس من حزيران عام 1986 وحسب الصحف البريطانية فأن قوة جنوب افريقية محمولة بحراً هاجمت ثلاث سفن روسية في ميناء ناميب في جنوب (انغولا) فأغرقت واحدة منها، مستعملة صواريخ سكوربيون (غبرئيئل) من صنع اسرائيل.
وللاسف فأن الشعوب تنساق وراء الدعاية و (البربكندا) بدون تفكير وتدبر، من دون تحليل واستقصاء، بل ان وسائل الاعلام اصبحت المصدر الوحيد و (الموثوق) عند الاعم الاغلب من عامة الناس، بغض النظر عن توجه وتبعية هذه الوسيلة الاعلامية او تلك، واضحت هذه الوسائل تتحكم بولائنا وطرائق تفكيرنا، بل اصبحنا متلقين كـ “الانسان الالي” يفعل ما يقال له.
صفة الاستكبار الغربية لشعوب الشرق الاوسط لم ولن تتغير، وكما قال السيد الشهيد الصدر الثاني “انهم يرون انفسهم انهم الفرد الاكمل وعلى الجميع طاعتهم” ، وانهم يرون الامور وفق منظارهم المحدود بمصالحهم فقط لا غير. ولنا على ذلك امثلة لا تعد ولا تحصى.
ومن الامثلة على (النفاق الغربي) الحالة السعودية الايرانية، امريكا تنظر الى السعودية ، او بشكل صحيح حكومة آل سعود الذين يحكمون ارض نجد والحجاز، تنظر حكومة العم سام الى حكم آل سعود على انه حكم معتدل ديمقراطي وتسعى لتقوية نظامه وحكمه والدليل على دعمها لهذا النظام وجود قواعد امريكية في اغلب اراضي نجد والحجاز، وبالرغم من حكام آل سعود يحاربون ابسط حقوق الانسان، فلا انتخابات (صورية او ديمقراطية) تحجيم دور النساء، يمنع على المرأة قيادة السيارة، بالرغم من كل ذلك يحظى هذا اللانظام بالدعم الامريكي والغربي المطلق.
الحالة الايرانية ، حرية مطلقة للنساء، نائب رئيس الجمهورية هي امرأة ، وزيرة ، اكاديميات ، رياضة، انتخابات، 35% من البرلمان الايراني نساء، بالرغم من ذلك ايران العدو رقم واحد لامريكا في الشرق الاوسط.
في عام 1982 هاجمت اسرائيل لبنان تحت ذريعة (حماية الجليل) ضد هجوم ارهابي (مفترض) من لبنان، وبقصد اقامة “نظام جديد” هناك تشكله عناصر تحت سيطرتها ، قتلت 200 روسي كانوا يشغلون نظام دفاع جوي (سوري) ، وقصفت بغزارة السفارة الروسية في بيروت، واخيرا احتلت السفارة لمدة يومين اثناء احتلال بيروت الغربية انتهاكا لاتفاق وقف اطلاق النار (هذا في الواقع).
ولكن لنفترض (ايضا) جدلا ان القوات الروسية هاجمت السعودية ، وقصفت الرياض وقتلت 200 امريكي يشغلون انظمة الدفاع الجوي السعودي، واحتلت السفارة الامريكية في الرياض… ما هو رد الفعل الغربي ؟؟؟!
ولتفويت الفرصة على نهوض الشعوب، فأن الغرب المستكبر يضع الشعوب امام اختيارين لا ثالث لهما، اما الفوضى او التبعية، ولنا على ذلك امثلة ، الحالة اللبنانية والحالة الليبية ، مع اختلاف الوسائل وطرق الارهاب المستخدم، الحالة العراقية، فقد اوجدت امريكا نظاما قمعيا مستبدا اوصل العراق شعبا واقتصادا وجيشا الى الهاوية، ازالت هذا النظام من الوجود، كزعامة مع بقاء ادواته، وجاءت بشخوص تدربوا على الحياة الغربية وبعيدين كل البعد عن الواقع العراقي ماضيا وحاضرا، وللسخرية بقاء هؤلاء الشخوص مع كل حكومة ودورة برلمانية، مع اختلاف المواقع والمناصب، وهذا دليل على استحمار واضح للشعب.
واختم قولي بايراد اسطر من وصية الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما الصلاة والسلام) لهشام :
يا هشام !.. لاتمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.

أحدث المقالات