7 أبريل، 2024 2:43 م
Search
Close this search box.

نفاد الوقت وضياع الرسالة

Facebook
Twitter
LinkedIn

استهل الانسان تطوره الذهني منذ انطلاق دورته الحياتية الاخيرة التي بدأها ابان آدم عليه السلام والتي انهت ازمانا غابرة من حياة الغاب التي عاشها انسان النايدرتال او ما يعرف بالانسان القديم الذي يطلق عليه اسم بشر، حتى اصبح انسانا بمعنى المفاهيم السامية التي انزلها الباري جل وعلا مع آدم خليفته في الارض برغم  وجود محاولات لتحسين حياة ذلك البشر، الا انها بقيت ضمن نطاق ضيق الى ان تفجرت ثورة الانسان الحديث في العصر النبوي الاول.

استهل هذا الانسان حياته بتحويل عمره الدنيوي الى رسالة تطويرية تشبه الى حد كبير لعبة ماراثون البريد، اي بمعنى ان الانسان يسلم ما توصل اليه في حياته الى الجيل الذي يعقبه وهكذا الى ان تتم العملية التطويرية اللا متناهية وصولا الى اقرب نقطة ممكنة في حيز العقل البشري الذي لو كشف عنه الحجاب واستخدمت طاقاته لشهدنا حالة غير منطقية على وفق مقاسات ما وصلنا اليه بعجلة التطور حتى الان .

ما تقدم يشير الى حقيقة لا غبار عليها تقودنا الى نتائج حتمية، وهي ان الدورة الحياتية التطويرية تكون خاضعة لنظام التدرج وليس القفزات، اي ان بلوغ اي هدف علميا كان ام اجتماعيا او اخلاقيا لا بد له ان يكون بشكل جزئي وتدريجي لا انقلابي لان الاخير سيخلق حالة من الفوضى العقلية التي تقود لاحقا الى الانهيار الذهني ثم المجتمعي بعد حين، وربما نشهد ذلك جليا في النهضة القرآنية المقدسة التي درجت عملية ايصال المفاهيم الاخلاقية الى المؤمنين ولم تعطهم تعاليم السماء دفعة واحدة لان التحول الى النظام الانساني المتطور الذي حملته شريعة الرسول الاكرم (ص) لا يمكن ان يستوعبه الانسان دفعة واحدة، ولان الوقت كان محدودا لدرجة ان الرسالة المقدسة لا بد لها ان تختم عبر عقدين او عقدين ونيف من الزمان تم ايصالها بهذه المدة الزمنية القصيرة، غير ان المنهج العلمي في الايصال تم نقله الى اصحاب الحكمة والقرار بعد مغادرة الرسول محمد (ص) لهذه الدنيا، الا ان اجتهاد البعض من قادة الرأي ممن تسلموا المسؤولية في ذلك الحين بنية صادقة للاصلاح صاحبها عدم ادراكهم لخطورة هذا الامر نتيجة للفارق الذهني بينهم وبين الرسول (ص) دفع بهم الى المبادرة في نشر الرسالة بالسرعة القصوى هنا او هناك في ارجاء المعمورة، ما ادى الى انبثاق اثار تركت لغاية الان تصدعات ربما هي شاخصة للعيان ولا نستطيع الخوض بها لكي لا نحسب على احد الاطراف التي تهيئ ادراكاتها العقلية المحدودة حالة من النزاع المجتمعي بين هذه الفئة او تلك برغم انعدام الخلاف منطقيا لو تم التمعن بأساسياته العقلية والعلمية والدينية، مع التذكير ان جميع رموز تلك المرحلة الزمنية هم من اعلام الورع والايمان ورموز للتطور الانساني العقلي،الا ان شريحة الانبياء لا يمكن الوصول لها من الانسان الطبيعي مهما بلغت ذاته العليا من الرقي.

هذا المثل رأيناه الاكثر تأثيرا لتبيين الضرر الحاصل مجتمعيا في حال تم قطع السلسلة التطويرية وربما الامثلة الاخرى كثيرة من بينها حالة الجمود العقلي التي تعيشها بعض الدول الثرية في ما يعرف بالعالم الثالث التي تحولت شعوبها من فقر قاس الى تخمة فوق مستوى تصوراتهم، ما خلق حالة من الصدمة اللا ارادية النفسية التي ادت لاحقا الى توقف حركة الابداع واعتمادهم بشكل كامل على استيراد ما تم التوصل اليه من علوم لدى العالم الاول وهذا سيخلق بالتالي استنساخا لتجارب امم اخرى بسلبياتها وايجابياتها، وبالتالي سلخ هوياتهم الذاتية التي تحمل رسائل سامية وصولا الى خلق مجتمع هجين بين ارث حضاري وواقع مستورد يصعب معه ايجاد الذات وتطويرها بالشكل الذي يكون نواة لبلاد متطورة، وهذا الشيء تم الانتباه اليه واستغلاله من القوى العالمية التي تسعى للسيطرة على بعض الشعوب واراضيها .

خلاصة ما تقدم هو ان اي جيل في هذا البلد او ذاك هو حلقة ضمن سلسلة انسانية متطورة وصاحب رسالة الهية مقدسة ربما هي الاساس في نيل رضا الباري جل وعلا او غضبه، هذه الرسالة الاصلاحية التطويرية في المجالات العلمية والاخلاقية والمجتمعية التي تعد اساسا لبناء المجتمعات السليمة لا بد من صونها بالشكل الذي يجعلنا ايجابيين من خلال عدم اضاعة الوقت الذي اعطانا اياه ربنا تباركت قدرته في هذه الدنيا، والعمل الجاد والدؤوب ضمن مجال اختصاص الفرد المعني على تطويره من خلال عمل جماعي مشترك ضمن هذا المجال، عندها نكون قد طورنا ما كان عليه الامر عند تسلمنا  مفاصله وجعله افضل عند مغادرته، وضمن اعتقادنا ان اداء هذه المهمة حتى ولو بدرجة نسبية على وفق ما متاح سيخلق انسانا صالحا حريصا كفوءا بعيدا كل البعد عن فساد الدنيا ومغرياتها، لان قدسية الباري ستتجسد بين ثنيات نفسه التي ستتحول الى نفس كريمة من دون ان يشعر هو بذلك.

لذلك فأن ضياع الوقت بتوافه الامور التي يعكف الشباب عليها في الفترات الزمنية الاخيرة، وتحولهم من شباب منتج الى شباب سلبي تقوده المغريات والتمتع الدنيوي في حال تم انتشار هذا السلوك ليكون جمعيا، فأن المجتمع امام توقف خطير بعجلة السلسلة التطويرية التي تحدثنا عنها سلفا ما سينتج فشلا تاما في نهضة البلاد ولعقود وربما قرون طويلة كما اسلفنا في سابق الامثلة، لذلك فنحن امام مسؤولية تاريخية ومهمة غاية في الخطورة علينا الانتباه لها والتوقف عندها لمعرفة دورنا الانساني الذي سيؤدي حتما الى قيمتنا عند الله تعالى ومقياسه تجاهنا.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب