23 ديسمبر، 2024 5:01 ص

نعم للفدرالية…لا …للتجزئة والتقسيم

نعم للفدرالية…لا …للتجزئة والتقسيم

بعد الاجتياح الاحمق لدولة الكويت من قبل النظام البائد وما اعقبه من انتفاضة الشعب العراقي في الشمال والجنوب على النظام الجائر .ونتيجة للتعاطف الدولي الذي حصل عليه اكراد العراق بفعل الظلم والتهميش الذي تعرضوا له من قبل حكام العراق السابقين مُنحت منطقة اقليم كردستان حمايه امنيه دوليه من قبل قوات التحالف الثلاثيني آلتي اشتركت بحرب الخليج الثانية لتصبح منطقه امنه لا يحق للقوات الحكومة العراقية وموظفيها دخول حدودها .حيث مهد هذا الأمان الطريق للأكراد إن يقيموا حكومتهم ويشكلوا برلمانهم بمعزل عن الحكومة العراقية وادارتها وبدأت نبرات الفدرالية تطفو على السطح فلم يعد الحكم الذاتي المتطور الذي منحته حكومة البعث لهم في 1970 بمجدي نفعا لهذا قرر برلمان كردستان العراق في 4 تشرين اول 1992 إن تكون الفدرالية نظاما دستوريا لإقليم كردستان العراق .وتناغمت مع هذا الطرح اغلب الاحزاب الشيعية المعارضة للنظام السابق , لأنها وجدت فيه تعبيرا يعكس معاناتها وآلامها من الأنظمة الحكومية التي توالت على حكم العراق في الحقب الزمنية المختلفة لذلك ارتأت في النظام الفدرالي الذي ينادي به الاكراد خير مخرج وحل لمشاكلها ونزاعاتها مع الحكومات المركزية العراقية التي همشت المناطق الجنوبية والوسطى ذات الأغلية الشيعية وحصرت كل المناصب والوظائف العليا في الدولة لأهل السنه والمناطق الغربية تحديدا وكأنهم من مواطني الدرجة الثانية وليس من مواطني العراق الاصلاء . فكان شعورها بالحيف والغبن الذي لحقها لسنين طويله وهي التي تطفو على ثروات العراق النفطية دون إن تسخر تلك الثروات والموارد لصالح مناطقهم وسكانهم بل كانت تحت تصرف الحكومات الطائفية ولا يصيبها الا الفتات من تلك الثروات. هذا الشعور بالقصور والإحباط من قبل الشيعة في المعارضة دفعهم إلى إن يقفوا مع الاكراد في تقرير مصيرهم .

ففي مؤتمر المعارضة العراقية الموسع الذي عُقد في صلاح الدين نهاية تشرن اول 1992 كان الاكراد يصرون على إن يقرر المؤتمر الوطني منحهم الحكم الفدرالي في اطار الجمهورية العراقية الا إن المؤتمر تعرض لضغوطات وتدخلات من قبل الدول الإقليمية بعدم اتخاذ مثل هذا القرار الخطير في الوقت الحاضر بحجة إن المعارضين لا يمثلون الشعب العراقي واطيافه وهذا القرار المصيري ليس من حقهم وإنما يتم به الرجوع إلى الشعب العراقي وممثليه بعد سقوط النظام ولخشية إن يتخذه النظام الحاكم آنذاك كذريعة ليشوه بها وجه المعارضة ويتهمها بالعمالة والعمل على تقسيم العراق وتفتيته .لذا تم ارجاء هذا القرار بموافقة الاكراد وقادتهم .واستبدلت كلمة يقرر المؤتمر إلى يحترم المؤتمر حق الاكراد بتقرير مصيرهم.

الا إن ذلك لم يثن الاكراد عن مواصلة عزمهم في تثبيت هذا القانون على المعارضة العراقية في الخارج ,ففي مؤتمر نيويورك في العام 1999 وبحضورهم المكثف والضاغط استطاعوا إن يثبتوه كقانون ضمن ادبيات وقرارات المعارضة العراقية وبيانها الختامي للمؤتمر واصبح هذا التوجه مفروغ منه دون إن يلاقي ردودا قويه تحجبه أو تصده لان الساحة العراقية المعارضة اغلبها شيعيه في الخارج والاصوات التي تنبري هنا وهناك لم يعد لها تأثير يذكر. وعويل النظام وصراخه من إن هذه المعاضة العميلة بانت على حقيقتها من خلال اقرارها الفدرالية للعراق وهو اشاره واضحه ومبدا اولي لتقسيم وشرذمة العراق كل ذلك لم يحول دون إن يبني الاكراد دولتهم المستقلة شمال العراق بمعزل عن الحكومة المركزية في بغداد .

ومن هذا المنطلق يشعر الأكراد اليوم أنهم بالرجوع إلى الحكومة العراقية الجديدة والعمل سوية معها بعد سقوط النظام البائد ما هو إلا تنازل من قبلهم بعد إن كانوا في زمن النظام دولة شبه مستقلة لها وارداتها و حكومتها وقواها الأمنية وبرلمانها المنتخب ولها فوق كل ذلك التعاطف الدولي الذي يسبغ عليها الهدوء والطمأنينة.

وجاء قانون ادارة الدولة المؤقت بعد سقوط النظام تعزيزا لمطالب الاكراد من إن العراق جمهوريه اتحاديه فدرالية ديمقراطية تعدديه ويجري تقاسم السلطات فيها بين الحكومة الاتحادية وبين الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية .

كما اجاز قانون ادارة الدولة المؤقت اتحاد ثلاث محافظات بإقليم على إن يجري استفتاء شعبي وان يصوت ثلثي اعضاء المحافظة أو الاقليم بالموافقة عليه. كما كفل الدستور العراقي في 2005 النظام الإداري اللامركزي للمحافظات ومنح المحافظات التي لا تنتظم بإقليم ادارتها من قبل تلك المجالس التي تم انتخابها في 31 كانون اول 2005 .

هذا النظام معمول به في جميع المحافظات العراقية عدا اقليم كردستان الذي يتمتع بصلاحيات اقليميه فدرالية لها دستورها وبرلمانها وحكومتها المحلية المنتخبة ,

واذا ما جاز لنا قبول الوضع الراهن في منطقة كردستان العراق كإقليم اتحادي حسب ما نص عليه دستور جمهوريتنا الاتحادية(( في المادة 113 ثانيا اقليم كردستان وسلطاته القائمة اقليما اتحاديا)) و نظرا للواقع الموضوعي الذي يتمتع به سواء من ناحية اللغة والطبيعة الجغرافية وخصوصية البيئة البشرية والديموغرافية للمنطقة ولمرور فتره زمنيه طويله يحكم الاقليم نفسه بنفسه بشعور ذاتي من الإرادة والاستقلال والسيادة على حدوده الإدارية بعيدا عن ارادة وسلطة الحكومة المركزية في بغداد .لهذه الاسباب مجتمعة يعتبر تطبيق الفدرالية في المنطقة الشمالية واقعا موضوعيا يتعذر علينا مناقشته والرجوع عن حيثياته .

لكن كيف نفسر هذه الدعوات التي تنطلق حاليا بإصرار من لدن القيادة الكردية واحزابها بالدعوة للاستقلال وانشاء دوله كرديه بمعزل عن شعب العراق ووحدة ترابه وتفتيت لحمته واواصره التي جبل عليها منذ قرون علما ان الاكراد كان لهم الدور الريادي المتميز في العراق الحديث والمساهمة الفاعلة في وضع دستور الدائم وبنوده وفقراته والتي جاءت كلها تصب في مصلحتهم ووفقا لإرادتهم التي فرضوها على المفاوضين العراقيين متناسين ما اسبغه النظام الجديد عليهم من امتيازات وثروات ومكانة فائقة وادارة شبه مستقله عن الحكومة الاتحادية لها جيشها وممثليها الدبلوماسيين لأكثر من 55 دوله في العالم فضلا عن حصتها البالغة 17% من مجمل واردات العراق وهم يتمتعون بما ينتجوه من استخراج النفط وبيعه لحسابهم الخاص دون الرجوع للحكومة الاتحادية وما يهربوه من ابار البترول في كركوك متحدين حكومة المركز وخارقين فقرات الدستور التي تنص على ان النفط ثروه وطنيه مشتركه لكل ابناء الشعب العراقي وبالتساوي , اضافه لواردات المنافذ الحدودية والمطارات والكمارك وما يفرضوه من ضرائب ناهيك عن المشاركة الفعلية بإدارة الدولة الاتحادية من خلال وإزرائهم ونوابهم وممثليهم في كل مرافق الدولة وادارتها و يتقاضون مستحقاتهم الشهرية من ميزانية الدولة الاتحادية وغيرها الكثير من الامتيازات.

ولكن تبقى كل هذه التبعات والافرازات التي تحدث نتيجة للثغرات والمطبات في ثنايا الدستور وتفاصيل فقراته لكونها لم تضع شروطا ملزمه لكل الاطراف والجهات التي شاركت بالعملية السياسية وصاغت ووقعت على بنود الدستور ومواده . ولا يمكن ان تطمأن النفوس وتخلد للهدوء وتستقر بعيدا عن التشكك والظنون لكل المشاركين بالعملية السياسية ولكل اقليات واطياف المجتمع العراقي. ما لم يضع المشرع حزمة من الشروط التي يتم الرجوع اليها في تفسير فقرات وبنود الدسنور تحت اي ظرف يحدث في التطبيق العملي كما هو حاصل اليوم

كأن يوضع شرط ملزم لكل الاطراف والمكونات في المجتمع العراقي في حالة تطبيق الفدرالية إن لا ينسحب أي كيان من تلك المكونات التي انشأت اقليما من الدولة العراقية الاتحادية مهما كانت الاسباب والمبررات لان ذلك يشجع على التجزئة والانفصال لباقي الكيانات مما يؤدي إلى انهيار الدولة وتفككها .

وإن يتفق على الحدود الإدارية للمحافظات والاقاليم وان تحدد وترسم بشكل لا يقبل التأويل والخلط وان تثبت في الدستور حتى لا تؤدي في المستقبل إلى المشاحنات والمنازعات الحدودية والى ظهور الاطماع والتوسع غير المشروع على الحدود الإدارية لكل اقليم.

إن تحدد الصلاحيات بشكل واضح وصريح بين حكومة الاقاليم والمركز وان لا يكون أي تداخل فيما بينها وان لا تشرع قوانين ودساتير معارضه لما ورد في الدستور الاساسي الاتحادي من قبل الاقاليم .

وإن لا يسمح بتشكيل جيش داخل الاقاليم وان تكون وزارة الدفاع اتحاديه ومركزيه تتبع لها وتحت سيطرتها كل القطعات والمؤسسات والمعاهد والكليات العسكرية وانها تخضع لسلطة القائد العام للقوات المسلحة وليس لحكومة الاقليم ولا يسمح لأي تدخل في تواجدها وتحركها ومهامها ونقل منسبيها وتغيرهم .

وإن لا يسمح بتشكيل وزارة خارجيه غير الوزارة الاتحادية وان يمنع اقامة علاقات ثنائيه مع دول اقليميه أو اجنبيه خارج اطار الخارجية العراقية .

وإن تكون خطط التنمية الاقتصادية الاستراتيجية من مهام الحكومة المركزية وتكون الثروة النفطية والغاز تحت السيطرة المركزية للحكومة الاتحادية التي تتولى التوزيع العادل والمتكافئ للموارد بين الاقاليم والمحافظات .

وحدة البنوك المركزية والعملة والعلم العراقية من مهام وصلاحيات الحكومة الفدرالية . وان بناء النظام الفدرالي لا يأتي بالإكراه والفرض من قبل احزاب وتكتلات وتيارات متصدره ومتنفذه في العملية السياسة .ولا يأتي من تدخلات وضغوطات اقليميه ودوليه فهي اراده طوعيه شعبيه يقررها شعب العراق ومواطني الاقاليم .على إن يتم في البدا التثقيف والتوجيه واقامة الدورات المتخصصة الهادفة لمعرفة مفهوم الفدرالية واهدافها وفوائدها وشروطها وانواعها .

وان يجري استفتاء عاما في داحل الاقليم أو المحافظة التي يراد لها إن تشكل اقليما على إن ينال الموافقة بثلثي سكان الاقليم أو من يمثلوهم .كما يجب معرفة المواطنين عن نوع الفدرالية وطبيعتها والمساحة التي يفترض إن تشملها وعدد المحفظات التي تلتئم ضمنها دون إن تكون هناك صيغه جاهزة ومعلبه تفرض على المحافظات والاقاليم من قبل الاحزاب والشخصيات والتكتلات والتيارات السياسية العاملة في الاقليم عن نوعية الفدرالية وعدد المحافظات التي تشملها فهذا اسلوب مرفوض لا ينسجم اطلاقا مع المفاهيم والمبادئ الديمقراطية ويتعارض مع مبادئ واسس وفقرات الدستور العراقي التي نصت على حرية اتخاذ القرار من قبل سكان الاقاليم وذلك بإخضاعها إلى الاستفتاء الشعبي بعد اجراء الاحصاء السكاني وعلى إن تحصل الموافقة بالنسب التي اقرها الدستور العراقي في فقراته المنصوص عليها وهي ثلثي السكان من مستوطني الاقليم أو ثلثي من يمثلوهم في مجالس المحافظات .

وتبقى الفدرالية على اساس اداري جغرافي هي الانسب للواقع العراقي نظرا للتآلف والانسجام الحاصل بين مكونات الشعب العراقي واطيافه هذا الشعب الصابر الصامد الموحد رغم ما تعرض له من ظلم واضطهاد وجور وزرع للفتن والنعرات المذهبية التي كانت تحاك ضده في سبيل خلخلت نسيجه وفك عرى لحمته وتعاضده الا انها باءت بالفشل وستبوء كل المحاولات الوحشية الظالمة التي يتعرض العراق اليها الان من قبل الموجات الإرهابية المتعطشة للقتل والدمار والمثقلة بالحقد والضغينة لكل نفس انساني على وجه المعمورة وسيثبت العراق وشعبه على قدرته بالتصدي والوقوف بكل صلابة وقوه لرد كيد وعنفوان هؤلاء الوحوش القادمون من اقبية التخلف والهمجية والضلال وكسر كل المحاولات البائسة التي تريد النيل من وحدة العراق ارضا وشعبا .

وما يعزز لنا الاطمئنان والسكون من إن تلك الوحدة والتشابك النسيجي لا يفل عراه مهما حاول البعض التغلغل من خلال مفاهيم وطروحات سياسيه تتعكز على اساس مذهبي وعرقي لأنها ستصطدم بصلادة ومتانة الوشائج التي اجتمع عليها العراقيون .. وان محاولات قيام فدراليات على اساس طائفي اقليمي أو على اساس عرقي اقليمي لا يمكن لها النجاح في عراق موحد شعبا وارضا وتاريخا ولغة ودين فسوف لن تلقى لها حيزا من النجاح في قلوب ابناء العراق وستخيب كل امالها وتطلعاتها في تقسيم العراق وتجزئته على هذه الاسس.