23 ديسمبر، 2024 10:39 ص

نعم للحرب وإراقة الدماء

نعم للحرب وإراقة الدماء

منذ إعلان الساسة الأكراد تحديد 25 ايلول 2017، موعدا للاستفتاء، حتى تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، إلى ثكنات عسكرية مرعبة، وانطلقت بعد ذلك دعوات الى القتال وسفك الدماء مجددا، بعدما انهكتنا الحرب على داعش طوال 3 سنوات، راح فيها كل شيء.

ورغم ان الحوار السياسي، يكاد أن يتخذ مجراه في حل هكذا أزمة، الا أن دخول أطراف سياسية معروفة مواقفها في صناعة الأزمات، قد حال دون ذلك كثيرا، وساهمت في تأجيج الموقف، بل دعت إلى إعلان الحرب مع الأكراد ولو بشكل غير رسمي، وطردهم من العراق وقتلهم والتنكيل بجثثهم والسيطرة على مناطقهم وتشريد عوائلهم في مشارق الارض ومغاربها.

وفي الحقيقة ايضا هذه الدعوات لا تختلف اصلا عن الفعل الذي قام به داعش منذ سيطرته على الموصل وعلى عدد من المناطق في 2014، حينما استباح وقتل الناس وعذبهم وفق تفسير ديني متطرف لا يمثل غير الموت، لكن جماعتنا لايفرقون بين السياسة والشعب.

كل ما امتلأت به مواقع التواصل من تحريض وكراهية مقيتة، خلال الأيام والأشهر الماضية، تشعرك انك لا تعيش في بلد يمكن القول انه يسعى نحو الديمقراطية، بل في ثكنة عسكرية، عليك ان ترتدي خوذتك وتمر مسرعا لئلا تصيبك قذيفة عابرة.
ثمة مواقع وإعلانات ممولة وصفحات وهمية، على فيسبوك، تغذي وتدفع الناس نحو الحرب، بل تبث إشاعات وأخبارا كاذبة عما يحصل في كركوك على سبيل المثال، بل يجعل ان اي خيار سياسي غير وارد، ليس هنالك سوى الحرب وانتظار الجثث، كي ينشروها على مواقع التواصل مثلما نشروا جثث الدواعش، وبمشاهد بشعة، لن تغذي سوى الكراهية والرغبة في القتل متى سنحت الفرصة.

ليس بالغريب ان يكون المزاج الشعبي العراقي بشكل عام، يرغب بالحرب، في اي لحظة، كي يشعروا بنشوة النصر او الهزيمة، وهولاء يشكلون مادة خام لتحريك الرأي العام نحو المشكلة، ولا يهمهم بعد ذلك أعداد النازحين الذين سيهربون من الموت المحتمل.

ما ذنب الأهالي في كركوك، وهم يعيشون اليوم على صفيح ساخن من الترقب والخوف، من انطلاق اول شرارة لفتح ابواب جحيم الحرب الاهلية، وهي محاولة للتشويش على لغة الحوار، والترحيب بالتصعيد الاستفزازي التي تجعل الناس في مأزق حقيقي.

وكما يبدو فأن نسبة كبيرة من الناس ترغب في الحرب، رغم ما أصابها، وهو أسوأ خيار يمكن لأحدهم ان يختاره، وسط رغبة وشهية إقليمية واضحة في استمرار البلاد نحو الهاوية، واستغلال الفوضى والأزمات، كي يمرروا منتجاتهم ومواردهم الى العراق، وهو بذلك يشكل سوقا رائجة لبضائعهم، مما يعني إننا سنستمر سدنة للموت، الى جانب كوننا ضحايا الفساد.

إلى الآن لا نملك فرصة جادة للنهوض، فأزمة الأكراد مع المركز، تسربت الى جميع فئات الشعب العراقي وفق مزاج حاد، راغب بالقتل والموت للمعارضين له، وسط انتشار الفساد واستغلال رؤساء الأحزاب لهذه الفوضى.

واحدة من ابسط الحلول يكمن في عدم خلط الرأي العام مما يحصل، فمن غير المعقول ان يخضع القرار السياسي الى مزاج مدونين وناشطين على فيسبوك، لا احد يعرف ما هي غاياتهم، ويتأثر بهم ويؤثر على المشهد العام في العراق، الأمر ليس تكميما للأفواه، لكن هنالك فرقا واضحا بين من يحرض ويقتل وبين من يسعى الى النقد بشكل حقيقي، بهدف التصحيح.

اما ما يسعى إليه البارزاني، فهو لا يختلف عن تفكير اي مافيا او مشيخة قبلية تسعى للنفوذ والمال، ولا يمت بعمل الدولة بشيء، وليس ساعيا الى استقرارها بقدر استنزاف وصناعة أزمة كبيرة لا تنتهي إلا بفرض شروط خاصة، اقلها البقاء في المنصب اطول فترة ممكنة.

أخيرا، نحن كمواطنين، او على الأقل نسبة لا بأس بها، لسنا ضد اي جماعة بشرية تريد الاستقلال او ترغب بالاستقلال حينما تشعر انها بحاجة الى ذلك، لكن إليه وتنفيذ والسير نحو الاستقلال بذلك الشكل الاستفزازي، ومحاولة فرض أمر واقع واستخدام سياسة صدامية، أمر مرفوض تماما، الكثير من التجارب العالمية، استخدمت الحوار كطريق واحد نحو الاستقلال وليس تدمير ما تسعى إليه.