لا سيما أصدقائنا في الخارج والذين يعللون إستحالة عودتهم الى البلاد بعدم أهلية بغداد للعيش فيها فثمة فرق شاسع بين المدن التي يقطنون وبغداد ، وكنا الى عهد قريب نلومهم لعدم مساهمتهم في البناء وإعادة الاعمار وضربنا لهم مثلاً أبناء الخارج الذين تصدوا لمسرح السياسة وادارة الدولة فهم يحسون بحلاوة العيش المنَعّم والمرفّه في بغداد والبعض مصرٌ وبقوة على لحس إناء هذه الحلاوة حتى النهاية ، وبعد ظهور نتيجة أسوأ المدن لن نلوم أحداً لأن الوقائع تثبت بما لا يقبل الشك رداءة كل شي فيها ، أرضها وسمائها وحركتها وبكل ما تحويه هذه الاشياء ، فلماذا يزعل البعض إذا صُنفت بغداد كذلك ؟ إليك إذاً بعض ملامح بغداد وقرّرْ فقد ترتقي بغداد برأيك إلى مرتبة أسمرة أو مقديشو ، ولكن يمكن أن نجيب أولاً عن سؤالين : مستوى الحفاظ على حياتك مقارنة بمدن أخرى كم هو؟ مستوى الخدمات المختلفة والتي تخص العيش اليومي كم هو ؟ بين هذين السؤالين تكمن الاجابة الشافية للجميع ، فشخص مثلي غير آمن إطلاقا لأنه بلا حماية أو سلاح شخصي ولا سلطة يحتمي بها عند الحاجة وهذا هو حال الملايين في الشارع وخاصة أمام أرتال المسؤولين والشركات الأمنية وعصابات الأحداث وهي بالمئات أما الخدمات فهي كارثية تبدأ بعصب الحياة الكهرباء المفقودة في أفضل حالاتها بمعدل ثماني عشرة ساعة مقابل ست ساعات بالمنّ في الشتاء فكيف بالصيف اللاهب في بغداد صحراوية جرداء من الشجر والظل ؟ وسط غبار وأتربة الشوارع غير المعبدة والمحفرة ودخان وضجيج المولدات والاستخدام الصاعق لمكبرات الصوت بلا مناسبة ومنظر القمامة الممتدة على طول البصر والحواجز والاسلاك والشوارع المغلقة التي تختزن خلفها القاذورات والأعفان والتجاوزات نتيجة خنق الأهالي والمحال التجارية وديكورات الأرصفة المتكسرة والمقلوعة بسبب تجاوزات مجنزرات الاحتلال والخرق اللانظامي وإن وجدتَ أحدها صالحا فلا تستطيع السير فيه لأنه محجوز من قبل صاحب المنزل أو المحل بفرمان غريب موعود به لا يوجد في كل العالم وهو فرمان الضمير ، فكل شيء يقبله الضمير في بغداد اليوم . لا يهم ما تعني لنا كل هذه الاشياء لأننا نعيشها ونتعايش معها ولا يعني هذا أننا راضون بالواقع وهو غريب بالتأكيد على زائر بغداد من خارج البلاد فليس ثمة مكان للترفيه يستطيع ابن بغداد أن يقضي فيه يوما بل متنزه أو اثنتين يريدها المسؤولون أن تستوعب ستة ملايين مع سكان المحافظات زوار العاصمة في كل مناسبة وهذا من المستحيلات السبعة على ما أظن .. أخطر ما حصل وبشهادة أهل بغداد أن ثقافة المجتمع العامة تغيرت وبشكل لافت وملموس في رفض أي تجديد أو لحاق بأمم سبقتنا ولكن ما يشد إنتباهي أن ثمة شيئا غريبا يحصل وقد تتحول بغداد الى قرية أو بادية من بوادي العراق في كل مقاييسها فحين إستيقاظي من نومي صباحاً يوقظني نهيق حمار منذ سنوات بدلا من ديك كنت أسمع صياحه من المكان ذاته سابقاً ولم أتوصل الى تفسير لذلك حتى الآن فكيف انقلب الديك الى حمار؟ لا أعلم .. كل ذلك يحصل في بغداد ، نعم في بغداد عاصمة العراق .