هلل الکثيرون للإنفتاح و الاعتدال المزعوم من جانب الرئيس روحاني، وراهنوا عليه و على مساعيه الاعتدالية التي يبذلها، وقد إزداد هذا التهليل أکثر عند عقد إتفاقية جنيف بين مجموعة 5+1، و النظام الايراني، وأعتقدوا بأن العقدة قد صارت في حکم المحلولة وان روحاني قد حقق الذي لم يتمکن من تحقيقه رفسنجاني و خاتمي!
إتفاقية جنيف التي تهدف اساسا لجم الطموحات النووية المشبوهة للنظام بإتجاه صنع القنبلة الذرية، کان واضحا منذ اللحظة الاولى التي وقع عليها محمد جواد ظريف وزير خارجية النظام، ان نظامه قد قبل بواحد و عشرين شرطا لمجموعة 5+1، والتي تتجه جميعها و بصورة واضحة جدا نحو إيجاد الارضية المناسبة التي تنهي الطموح النووي العسکري للنظام، لکن التصريحات الاخيرة المتتالية التي تصدر عن مسؤولين في النظام الايراني، تعکس خلاف ذلك تماما، رغم أن هناك حالة غريبة و استثنائية في هذا النظام حيث انه وفي الوقت الذي يزعمون بأنهم قد حققوا إنتصارا من خلال التوقيع على هذه الاتفاقية، فإنهم بنفسهم يعودون لإصدار تصريحات تناقض ذلك تماما و تثبت بأنهم قد وقعوا على شئ يمسکهم من تلابيبهم!
في الاول من کانون الاول/ديسمبر الجاري، أکد عباس عراقجي مساعد وزير خارجية النظام الايراني في مقابلة له مع وسائل إعلام النظام الى تأکيده على مواصلة المشروع لنووي على قدم و ساق عندما أکد:( اننا وافقنا أن لا نوسع برنامجنا من حيث الكم ولكن من حيث النوعية برنامجنا سيمضي قدما في تطويره وأن الهيكلية سيتم الاحتفاظ بها.)، والانکى من ذلك انه طرح إجتهادا ملفتا للنظر لموضوع إتفاقية جنيف حينما وصفه ببيان سياسي و ليس إتفاقا قانونيا حينما قال:( لا يمكن اعتبار نص الاتفاق بين ايران والدول 5+1 اتفاق قانوني يأتي بتعهدات ملزمة وانما هو يشبه بيانا سياسيا. في الخطوة الأولى فإن جميع الاجراءات ستكون بشكل بحيث تبقى هيكلية البرنامج النووي الايراني على حالها. ولا تراجع فيه. لدينا 19 ألف جهاز طرد مركزي من الجيل الأول، وفي الوقت الحاضر نعمل على أجهزة الطرد المركزي من الأجيال الأكثر تطورا. كان تقديرنا أن لا نوسع أجهزة الطرد المركزي ولكن نتابع العمل في أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطورا. ان برنامجنا قد وصل الى نضجه الكامل ولا تراجع له.)، من المؤکد جدا أن النظام يعلم جيدا بأن هکذا تصريح خطير و غير عادي سيتم تلاقفه من قبل وسائل الاعلام العالمية و ستصل حتما الى دوائر القرار الدولي التي قامت بتوقيع إتفاقية جنيف مع هذا النظام، وقطعا فإن النظام الايراني يبدو انه جاد کل الجدية في موقفه المثير للشبهات هذا، مما يعني أن الشکوك التي قد طرحت بشأن مصداقية نوايا النظام الايراني من توقيعه لهذا الاتفاقية قد کانت في محلها و لم تصدر إعتباطا.
موقف مساعد وزير خارجية النظام الذي يثير الکثير من التساؤلات تزامن معه تصريح آخر ملفت للنظر أيضا من جانب صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية للنظام حيث يؤکد فيه إنتهاکا واضحا للإتفاقية بقوله ان نظامه:( لن يترك مفاعل أراك للماء الثقيل. هذا خطنا الأحمر في محادثتنا بالقوى العالمية.)، وهو لايکتفي بهذا الحد وانما ينحو إتجاها تبدو فيه الحدة و التشدد و التهديد واضحا عندما يضيف:( اذا كان الغرب لا يلتزم بالاتفاق ويواجهنا فان شعبنا سيخلق ملحمة أعظم من الحرب المفروضة”يقصد الحرب العراقية الايرانية”.)، ومن دون أدنى شك يبدو جليا أن النظام ومن خلال هذين التصريحين يريد جر أقدام المجتمع الدولي الى مفترق ضبابي و غامض مبتغيا من وراء ذلك اللعب على الاتفاقية و القفز على بنودها في وضح النهار، وبديهي ان کل هذا ليس بغريب على هذا النظام بل هو أکثر من إعتيادي، لأنه ومن خلال هکذا تصريحات مشبوهة يعود الى طبعه الحقيقي الذي لايمکن أبدا أن يغلبه التطبع المزيف في نيويورك او جنيف!
[email protected]