في عام 2006 كان لي لقاء مع عائلة عربية تسكن في احدى دول الخليج .. وفي الواقع كنت مدعوة لديهم في مناسبة خاصة وعندما وصلت مع ولديّ وجدت الجو في منزل تلك العائلة غير طبيعي .. فقد كان الحزن يخيم على الوضع وكان رب العائلة – زوج زميلة لي في احدى الصحف العربية- في وضع مرتبك للغاية ..
جلست مع ابني وابنتي وبعد فترة قليلة وجدت ان البقاء في منزل تلك العائلة غير مناسب اطلاقا لان الجو كان اقرب ما يكون الى جو الفاتحة او العزاء (ولا غرابة في اقامة عزاء البتة الا ان المناسبة كانت عيد ميلاد )
المهم، قررت مغادرة المكان وودعت زميلتي واطفالها .. وقررت ان احادثها في اليوم التالي لمعرفة سبب الوجوم والجو الحزين الذي كان يخيم على المكان ..
وفي اليوم التالي اتصلت بها لانها لم تحضر الى الدوام وسألتها عن الامور عندهم وسبب ما وجدناه بالامس .. قالت .. تلقى زوجي خبر مقتل اخيه الاصغر في العراق ..
كيف.. ماذا حدث؟
قالت .. انت تعلمين ان شباب بلادنا متحمس جدا للخلاص من الامريكان في العراق ( قالتها وكأن العراق جزء من بلادهم الكبيرة الغنية بالنفط والتي كانت في يوم من الايام تصدر الشباب والمساعدات للقاعدة في افغانستان وباتت تصدر الشباب والدعم المادي لشبابهم في العراق)
لذا .. اردفت .. ذهب شقيق زوجي للعراق لكي يشترك في الجهاد ضد الغزاة .. ويبدو انه كان قد التحق بمجموعة جهادية طلبت منه ان يفجر نفسه في مركبة (لوري) وهذا ما حدث .. وبعد مقتله قام شخص مجهول بالاتصال هاتفيا بوالده واعلموه بان ابنهم قد توفى ..
ذهلت .. كنت اعلم ان مجموعات القاعدة لا تفجر اللوريات عند الامريكان بل تفجرها في الاسواق والدوائر والشوارع حيث العراقي الاعزل .. العراقي المدني او العسكري المتجه الى عمله .. او العراقي المدني الذي يقدم خدمة للناس في دائرته .. هذا هو العراقي المستهدف .. فالقاعدة ومن لف لفها اجبن من ان تتجه نحو معسكرات الامريكان واخس من ان تجابه احد فيهم .. الاستهداف كان للعراقي دائما .. للشباب الذين يريدون تسجيل اسمائهم في وزارة الداخلية او النساء في الاسواق يتبضعن طعام لاسرهن الصغيرة .. للناس في المقاهي .. للناس في الحياة .. يضربون الشيعة بالسنة والسنة بالشيعة يبغونها حرب اهلية تاتي عاليها على واطيها لكي يفرشون دولتهم التي اسموها (حراما) بالدولة الاسلامية .. فكل الاسلام من القتلة براء ..
**
في وقتها لم يستطع والد زوج زميلتي ان يقيم عزاءا لابنه الذي قُتل وقَتل الناس في العراق وكانوا جميعا كمن يبلع الموس .. فلا هم يستطيعون اخراجه ولا هم يتمكنون من ابتلاعه .. فأهون الشرين مصيبة بالنسبة لهم ..
وللحق اقول ان والد المقتول بكى كثيرا .. ليس على ابنه .. بل على الذنب الذي سيحمله معه الى القبر حسب قوله .. فقتل المسلم حرام في شرع لا اله الا الله محمد رسول الله .. فكيف اذا كان القتل عشوائيا وعبر مئات الكيلوغرامات من المواد الناسفة على ظهر (لوري) ينفجر وسط مكان لا يرتاده الا الناس العزّل .. ؟؟؟
***
هذا ما تبادر الى ذهني عندما قرات ما قاله رئيس الوزراء نوري المالكي يوم الخميس وهو يتحدث عن عدد الفلسطينيين الذي فخخوا اجسادهم بالعراق بعدد 1201 فلسطينيا بينما اكتفت سوريا بتقديم 200 سوري فقط وعدد اليمنيين الذين فخخوا اجسادهم بالعراق 250 يمنيا فيما اكتفت تونس ب 44 انتحاري فقط اما مصر فقد قدمت 90 انتحاريا فيما قدمت ليبيا 40 انتحاريا ..
لم يخرج عن الحق عندما تساءل بسخرية : فهل عرفتم الان لماذا نحن امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ؟ وهل عرفتم لماذا ( خابصين انفسنا ) لاجل تحرير فلسطين حتى نخلصها من اليهود ونسلمها الى الوهابية؟ وهل عرفتم لماذا نحن الدولة الوحيدة بالعالم التي يتوحد نشيدها الوطني مع نشيد فلسطين .؟ لان الكاتب لهما واحد في وقت لايشك احد ان اعظم شعراء العرب عراقيون.
ولم استطع ان الومه ابدا عندما قال
“هاهم اخوتنا العرب وانجازاتهم وما فعلوه في الاسواق العراقية من قتل للاطفال والنساء والشيوخ العزل ترتقي الى مستوى ( ابادة جماعية )”
كل ما نريده كلنا نحن اهل العراق ان تتوقف نافورة الدم العراقي المستباح على ايدي الكل .. عرب وعراقيين ..
ان تقوم الحكومة باستيراد كلاب او روبوتات او اي شيء للقيام بالكشف الحقيقي عن السيارات المفخخة
واخيرا ان تدرك الحكومة ان عملية (دك الجدران) التي هددت بها القاعدة عندما اقتحمت سجن ابو غريب وسجن التاجي قبل فترة قصيرة لم تكن مجرد تهديدات فارغة .. وان الجدران التي اشاروا اليها هي جدران العراق الواحد وليست جدران السجون فقط ..