28 ديسمبر، 2024 1:50 م

نعم الإرهاب هو أعلی مراحل الأصوليات الدینیة

نعم الإرهاب هو أعلی مراحل الأصوليات الدینیة

من الواضح بأن العامل الذي يحد من عملية الإبداع الفكري و يقوي سلطة الرقيب عند الفرد الشرق الأوسطي هو بذور التخلف والتردي التي يحمله الإنسان تحت طيات جلده وفي جيناته الوراثية.
الفرد الشرق الأوسطي، الذي يقضي في أغلب الأحيان طول أو نصف عمرە في بلد ما بشكل إجباري لا يتمتع بالحرية والوعي، بل يعيش الظلم والإستبداد والإرهاب الفكري الهادف الی إفساد كل معتقد أو سلوك باستخدام الوسائل والأساليب المعنوية التي تخلّ بأمن واستقرار البلد و تؤثر بشكل سلبي على المواطنين.
هكذا تولد التقوقع والنزوع الی الأصول العقیمة وبالنهاية الی التخلف من الناحيتين الثقافية والحضارية.
إن وجود عقل ناقد هو حق لكل فرد في المجتمع، فمن الضروري إعمال العقل فيما یخص النصوص المقدسة و تجدید الخطاب الديني، فهذا الأمر لایعتبر حکر علی شخص دون آخر و لا هو ملك للذین یعتبرون أنفسهم مُلّاك للحقيقة المطلقة، بسعیهم لتجرد الإنسان من عقله و قیادته کالقطيع.
الیوم و بعد أن بدأت الأصولیات تزحف منذ سبعینیات القرن الماضي في الزحف علی الأدیان یمکن أن نقول، بأن الأصولية الدینیة ماهي إلا تیار عالمي وصل الی أعلی مراحله المتجسدة في الإرهاب.
هناك منظومات أصولیة تدعم من قبل دول تعمل لیل نهار علی تدجين صاحب الرأي الآخر وتحويله الی ببغاء يردد مايقال له من كلام غير مفيد، یجعله يصلي خلف “الإمام” ، لکي يقوم و يرکع و يسجد مثله ويكرر ما يقوله ، كالروبوت (إنترنسينالسم) أو ما يسمى بالإنسان الآلي.
وهنا لا أريد أن أدخل في المٶثرات الجانبية للإرهاب الدموي اليومي المتجسد بمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتّفجير والتّخريب والتّدمير والاعتقال والإذلال والظّلم ، التي تزرع الخوف والهلع في النفوس وتجعل الإحساس المستمر بالقلق وإنعدام الأمن والأمان صاحباً ملازماً للإنسان.
إن عدم إتاحة الفرصة للتعبير عن الفكر دون تردد أو قلق يجعل التربة خصبة لنشوء كل أنواع الإرهاب بدءاً بإرهاب الدولة وإنتهاءاً بالإرهاب الاقتصادي والاجتماعي والفكري. إن المدافعة عن الهوية والثوابت أو عن الحقيقة والعقلانية والحرية بعقلية المناضلة تٶدي الی الفشل في النضال والی خسارة القضايا.
الفرد الغربي علی العكس من الفرد الشرق الأوسطي يخضع أفكاره وثوابته للدرس والتحليل، به يخلق لغات مفهومية وأطر نظرية أو مباديء إستراتيجية ، يجدد معها الوجهة والعدة أو المهمة والطريقة ، يتغير و يسهم في تغيير العالم.
أن زوال الآثار النفسيّة للإرهاب من حياة الإنسان مرتبط جوهرياً بزوال الإرهاب نفسه، لذا نری من الضروري أن تتضافر كافة الجهود للتّخلّص منه وذلك بإشاعة الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق والحريات العامة واحترام الرأي الآخر والعمل علی محو مفاهيم الاستبداد في المجتمع، التي أصبحت ثقافة سائدة في السياسة والدين ، والبيت ، والشارع ، والجامعة ، وفي كل نواحي الحياة وكذلك مكافحة المفاهيم السلبية الخاطئة في نفوس البشر ، التي تٶدي في النهاية الی قمع الإبداع الفكري والصمت على الظلم والفساد و إكراه الذي يريد العيش بكرامة و الحقد علی المثقف والمفكر بتكفیره.
علينا إذن في عصر العولمة والوسائط العمل علی إبراز مشاریع عقلانیة نهضویة و إصلاحیة قویة بدیلة تدعو الی أفکار حداثیة، کحقوق المرأة و الدستوریة والمواطنة و القیام ببناء دور ثقافیة من أجل ترسيخ مبادیء تربوية تٶدي الی التخلي من دور الإنسان المتأله أو الوصي أو صاحب الدور الرسولي النبوي، نحو الفرد البشري الذي يتعامل مع نفسه بوصفه وسيطاً لا أكثر، وذلك من منطق المسؤولية المتبادلة والشراكة في صناعة الحياة والحفاظ على المصير.
وعلینا أیضاً مراجعة حالة الوعي العام، وعمليات صناعة الأفكار وتاريخها وإعادة الاعتبار بالخصوص للسياسات الثقافية الضرورية في مواجهة الصحوات الأصولية و تثمين دور المثقف من جديد و إعادة الاعتبار لە کرمز و مصدر للأفکار والتصورات بموازاة الداعیة التنظیمي المحرض، لأن ثمة عبئاً ومسؤولية كبيرة تقع على كاهل المثقف، في هذا السياق من التشظي المعلوماتي والتشتت المعرفي، الذي تستفيد منه تنظيمات وأفكار الأصولية الصلبة.
ختاماً: “الأفكار ليست أيقونات للتعبد ولا هي متحجرات نعود بها إلى الوراء ، من ينظر الیها بهذا الشكل يساهم في إنتاج البٶس والوحشية والدمار.”