23 ديسمبر، 2024 8:01 م

نعم …أغار

نعم …أغار

يراودني شعور مستفز بالغيرة كلما قرأت خبرا عن تقدم يحرزه احد البلدان العربية في مجالات التعليم والصحة وغير ذلك ..ليس الغيرة منهم لاسمح الله فالغيرة شعور يؤذي صاحبه نفسيا ولايعود بالفائدة على أحد لكنها الغيرة على بلدي فهو يستحق ان يطاول السماء بتقدمه وتوفير الخدمات لابنائه في كافة القطاعات على قدر ماينتجه من نفط ومايمتلكه من ثروات على الأقل ..قبل ايام ، ارتفع مؤشر الغيرة لدي حين قرأت خبرا يقول ان قطر تصدرت قائمة الدول العشر الأكثر اهتماما بصحة مواطنيها لأن الانفاق على قطاع الصحة يعد أحد مؤشرات التنمية وتحقيق الرفاهية للشعوب ..ألا يعرف المسؤولون في بلدي ذلك أم ان تنمية البلد هي آخر مايفكرون فيه وتحقيق الرفاهية لهم ولعوائلهم اهم بكثير لديهم من تحقيق الرفاهية للبلد …

في مواقعنا العراقية للتواصل الاجتماعي ، نتداول اخبار العنف ومشاهد القتل ومظاهر الفساد في مختلف مفاصل الدولة ….ربما نستخدم الفيس بوك لننفث سم مشاعرنا (المقهورة ) وافكارنا (المرهقة ) فنتحرر بعدها قليلا من عبء الحرمان والاضطهاد حين نجد من يقاسمنا الهم حتى ولو على سبيل الاختلاف معنا ، فالعراقيون يختلفون طائفيا احيانا لكنهم يلتقون في انتقادهم لمايحصل لبلدهم من تراجع في كافة قطاعاته ..فهل فكروا بطائفية مثلا حين نقلت لهم تلك المواقع صورة المرأة العجوز المريضة المعدمة التي تنام امام ابواب احدى المستشفيات لأنها ترفض استقبالها ، أم تذكروا خلافاتهم الفكرية حين عجز اغلبهم عن دفع اجور الاطباء او ثمن وصفات الاطباء الملغومة بأدوية باهضة الثمن فاضطروا الى شراء بعضها وتأجيل

البعض الآخر ، وكأن المرض يخضع لحالة المريض المادية ويمكن علاجه –حسب التساهيل – !!

قبل اسابيع ، فضلت فتاة شابة اجريت لها عملية قيصرية مغادرة مستشفى مدينة الطب عند منتصف الليل وعلى مسؤوليتها الخاصة لأنها لم تجد سريرا يضمها وولدها وبقيت تتنقل من حجرة الى أخرى بحثا عن سرير فارغ رغم ان الكادر الطبي لم يقصر في اخراج كل مريضة لم تجر لها عملية قيصرية من المستشفى مباشرة حتى لو أجهضت طفلا أو كانت تعاني من مشكلة صحية نسائية تحتاج الى رقود في المستشفى …تقول المريضة انها غادرت المستشفى لترتاح في منزلها بسبب شحة الأسرة وتزايد عدد الصراصر والفئران حتى لو حصل لها مضاعفات خارج المستشفى..

ومريض آخر فضل خوض مغامرة خطيرة للحصول على أقامة في دولة اوروبية لعلاج مرض العجز الكلوي ،ورغم تأخر حصوله على كلية بسبب اختلاف قوانين التبرع لديهم ومعاناته من الغربة الا انه سعيد باطمئنانه وهو يغسل كليتيه بين يوم وآخر دون خوف من المضاعفات والاهمال او الرقود في مستشفى زرع الكلية في باب المعظم حيث تفيض مياه المجاري لتبلغ الممرات وينعدم وجود طبيب اختصاصي حين يصل المريض احيانا حد الاحتضار..

يعاني قطاع الصحة لدينا من اهمال وفساد كبير بينما تكون حياة المرضى على المحك في اغلب المستشفيات ويغادرنا يوميا العديد من المرضى بسبب الاهمال والاخطاء الطبية والعجز عن توفير العلاج بينما تهدر ملايين الدنانيرعلى تلميع صورالسياسيين وتوفير الرفاهية والحماية الكافية لهم ..يحق لي أن اغار وأن نغار جميعا على بلدنا مادام مقياس رفاهية الشعوب يقاس بالاهتمام بصحة مواطنيها بينما يموت مواطنونا لتنتفخ كروش المسؤولين وتزداد رفاهية عوائلهم !!