يشكو العراق منذ سنوات الجفاف وتصحر الأرض، محافظات معظمها أصبحت خالية من الحزام الأخضر والأراضي الزراعية، حزام يحيط بمعظم من مساكن العشوائيات الغير نظامية، ناهيك عن المشاريع المتوفقة في فصل حاجتها. كنا ننتظر السماء بفارغ الصبر أن تهطل علينا الأمطار، وتزخ نعمها على أرض دمرها الجفاف، ومع او لحظة أنقطعت الكهرباء وخطوط الهاتف والأنترنيت، في وقت كنت اتحدث به مع صديق لي عن مشكلة تخصه لم اكمل الحديث.
قبلها كنت أشاهد صور من السويد، الأشجار والسيارات مجمدة في الشوارع، أعجب لهذا الشعب كيف يعيش في هذا البرد القاسي وهم لا يملكون بطاقة نفطية وليس من البلدان المتتجية للنفط وكيف لا تقطع عندهم الكهرباء.
ما إن أكملت هذه الصورة وأستغرابي تساقطت الأمطار في بغداد وما شعرت الاّ بأصوات أنفجارات المصابيح في بيتي، مع هذه اللحظة إنقطعت الكهرباء ليوم كامل، وجدت الأجهزة الكهربائية أحترقت رغم أجهزة الحماية.
نعمة كنا ننتظرهاتحتضن السماء أرض العراق، تمن علينا بخيراتها التي منعتها السياسات، وفرضت أن نعطي نفطنا مقابل الماء.
شوارع بغداد مليئة بالمياه الأسنة والأوساخ والحواجز ومكاب النفايات، مع مشاريع يُجْهَلْ سبب توقيت عملها أيام حاجتها. حتى قمت قبل يومين بالإتصال مع قسم الشكاوى في أمانة بغداد، سألت عن سبب توقف مشروع قريب، خوفاً من وقوع نفس أخطاء المشاريع في السنوات السابقة وغرق بغداد، مذكراً بوقت الإنجاز حسب قول المقاول قبل شهر ونصف، إن السقف الزمني 15 يوم، لكن الشكاوى أجابت: مشاريع حفر المجاري في بغداد متوقفة معظمها! ولم يعطى السبب!
شوارع تحولت الى مستنقعات تحمل في طياتها مأسي وصور عراق مصغر، عمال الأجر اليومي من مدن أخرى يجوبون تقاطعات الطرق بحثاً عن عمل تحت الأمطار، وأسواق بائسة المنظر بدائية التخطيط عشوائية التنظيم، ترشقهم سيارات المسؤولين المظللة البعيدة عن إدراك الواقع وأهمية هذه النعمة، وإن المياه سوف تغرق الشوارع وتسقط بيوت الصفيح وتذهب في طريقها الى البحر دون وجود سدود وخزانات للمياه.
سقوط الأمطار ضحيته الفقراء أصحاب العمل اليومي، تتساقط مظلات (جنابرهم) ، ونحن تقطع عنا خدمات الكهرباء والشوارع والأنترنيت والهواتف، لا نجني من هذه النعمة الأ نعمة واحدة هي انعدام التفجيرات حين تساقط الامطار، ربما ان أجهزة التفجير عن بعد او وسائل الاتصال الحديثة المستخدمة عند الإرهابين لا تعمل.
ما وعدتنا به وزارة الكهرباء حلم تلاشى مع سقوط او زخة مطر، عدنا الى رحمة اصحاب المولدات بعد إرتفعت عليهم الأصوات مذكرة بأيام جشعهم، ونبحث عن بطاقة النفط.
مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الصالحة للإستصلاح بحاجة الى سدود وتوفير طاقة كهربائية للمزارعين، في نفس الوقت، ما وعدتنا به وزارة الكهرباء 24 ساعة تبدد في لحظة، إنهارت منظومة الكهرباء العشوائية الخطوط، التي لا تقاوم أيّ ظروف طارئة، إنقطعنا عن العالم، وتحولت تلك النعمة من السماء الى نقمة تقطع الأرزاق وتعطل معظم الأعمال، لا نجني منها الاّ أحزان تزيد مشاكلنا التي لا تنتهي، وتولد لدينا الشعور إن بيننا وبين العالم مسافات شاسعة من الصعوبة تجاوزها، دون تخطيط ستراتيجي لمواجهة المتغيرات، وإيجاد الحلول الوقائية بأقل التكاليف، ويكون بلد الرافدين مخضر الأراضي بنعمة السماء.