(أسمعت عن هذا القصاص
شعب يسعر في جهنم
ثم يطفأ بالرصاص !!!)
المبدع :موفق محمد
في لثغ الطفولة النزقة بين خرائب الزمن الماضي والحاضر المحاط بالأسلاك الشائكة والأصفاد تنتزع الكلمات مثل الشظايا من جسد غائب عن الوعي في صالة العمليات، بلا مخدر دون أي إحساس بتمزق اللحم الآدمي ونزيف الدم الذي يصبغ الشر اشف البيضاء ويسيل فوق الرخام .
تحاول ان تشارك الأظافر التي تنبش الركام بحثا عن رئة لازالت تحت الأنقاض لم يملئها التراب بينما تنفخ عبثا في أفواه أكلها البارود والاسمنت والدود لعل فيها بقايا روح …بينما السماء تعبق برائحة الجيف الآدمية و الأجساد المحترقة في الفجر.وأنت تهم بكتابه شيء عن الغواية السلطوية وسطر لم يكتب عن بغداد التي تضاجع شهريار وهي تتلوى وجعا في تلك الظهيرة من نيسان.
تمسك عقارب الزمن رغم انها تلسع أصابعك ووجهك الشاحب لمنع وقوع الكارثة لكن القادم منها يبدو أكثر بشاعة ووحشيه وسعيرا من كل صفحاتها المطوية…..في تلك اللحظة عجز راسك الصغير عن فهم المعلم وهو يحكي عن الوصي( ابا تراب )الذي أشار الى شسع نعله المغبر الذي تراكمت فوقه الرقع وغدر الساسة والمؤامرات والناكثين ونحيب البتول مشبها إياه… بالسلطة!! بينما يمتد خلفه من النهر وان الى هور رجب قوافل من الأضاحي الآدمية ورؤؤس الحواريين ترفع على الرماح ويتدفق نهر ثالث من الرقاب التي اجتزت لتكون رزنامه لأيامنا وأعيادنا وهويات ميلادنا الفسفورية الحارقة والتي كان من الممكن الافتراضي تغييرها لو تعاملنا بمكر السياسة مقابل (مكر التاريخ )في الرؤيا الهيغليه.
غالبا ما توهمنا قدره الإنسان على ان يكسب الحدث السياسي ولو لمجرد وهلة من الوهلات طابعا خاصا غير قابل لالتواء بينما التاريخ ليس عملا روائيا يصنعه الابطال بعضلاتهم وسيوفهم وتكويناتهم السيكولوجية او انهم يعيشون في فضاء روائي يحركه المؤلف بل ان الإحداث هي في الغالب تعبير دقيق عن مرحله تاريخيه تحكمها قوانين اجتماعيه تولد من رحمها الشخصيات التاريخية والإبطال مثلما عبر عنها ببراعة الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي .
ومما لاشك فيه ان المسالة الوطنية في العراق خضعت للعوامل الخارجية كالعلاقة مع الاستعمار والأممية والوحدة العربية وفلسطين على حساب الأولويات الداخلية والتي كانت العامل الذي يبدو محركا للصراع الداخلي بسبب حضورها في الوعي العام بينما كان العامل الخارجي ولازال مثل (الوسيط الكيماوي الذي يحدد النتائج النهائية للتفاعل) حسب وصف المفكر اليساري نزار نيوف .
لم تدرك حينها حكمه الوصي وخليفة خاتم السفر من المرسلين علي ابن ابي طالب حتى صعقك مشهد( ابا تحسين) وهو ينهال بنعله على 35 عاما من الاستبداد مع انين وبكاء مختنق اختزل أهات الملايين وهو يخاطب صوره الرئيس في محاكمه لم تستغرق سوى لحظات اصدر فيها قرار الادانه بحق القائد !!!…. رغم انه كان حتى صبيحة 9 نيسان 2003 غير قادر على التطلع لصوره الرئيس المعلقة فوق الجدران دون ان يرتعد خوفا وهو يراقب دورته الدموية ويحصي أنفاسه ويترصد أحلامه …هذا ان كان لديه أحلام آنذاك سوى البقاء بعد ان ترسب الخوف والتردد والخيبة والصدأ في أعماق خارطته الجينية.وما بين فخذيه.!!
بين نعال ابا تراب …ونعال ابا تحسين…برسم تاريخ أمه وشعب بالمسطرة والسوط… ويوضع بين قوسين احدهما للنصر.. واخر للهزيمة. رغم ان صاحب وصف النعال الاول السلطوي يجزم بان وشم الذلة يبقى في جبين الذين يفتحون الأبواب للغرباء محررين كانوا او( فاتحين) بغض النضر عن ذرائعيه الساسة مادام قائلها معصوما وثائرا واول فدائي و رائد مرجعيه الميدان … لم يقف ابدا بنفس المسافة بين الباطل والحق بحجه الحياد لأنه أدرك ان خط الاستواء خط وهمي لاوجود له وانه لايوجد نصف شريف ونصف خائن او نصف وطني … فإما هذا اوذاك !!
لم تدم فرحه ابا تحسين طويلا بعد ان هبطت الحرية مع طائرات الb52 التي ناشد سعدي يوسف رئيس وزراء بريطانيا توني بلير ارسالتها لإنقاذ شعب لم يعد إمامه من طريق للخلاص…. ففي ذات اللحظة التاريخية المفتعلة في ساحه الفردوس خرجت أسراب الخفافيش والضباع الادميه من الاقييه والسراديب ومن تحت زقورات القمامه وبيوت التنك وأوكار اجهزه المخابرات العربيه والاجنبيه لتمارس ابشع عمليه اغتصاب لعاصمة الرشيد لم يفرق بينها التتار المحليون والغرباء بين جسد ألدوله والسلطة بساديه كرست صوره الفرهود ضد يهود العراق والإيرانيين المسفرين بابشع مما تفعله الوحوش الكاسرة .
انها المرة الأولى في التاريخ التي يشارك فيها شعب الغرباء باغتصاب محارمهم فيما ترك بطل الحواسم للقادمين من وراء الحدود حسم كل شيء …الخارطة …والثروة… والقرار والمصير… و قصوره الرئاسية وتماثيله، والبند السابع…. لينتهي في حفره .. ولا ينتهي أبدا لأنه لازال يقبع تحت جلودنا وفي ذاتنا السلطوية وحلم القفز الى وليمه العشاء حتى لوكأن الأخير مع الاسخريوطي الذي غسلنا قدميه وفديناه بالروح والدم في الاعظميه في ليله عيد الفصح وكنا ولازلنا نحن لا غيرنا يهود التاريخ !!
في زمن ألامعقول.. والا منطقي.. والانظريه.. ولا ايديولوجيا .. نبحث عن الطهارة العقائديه مثل نزاهه الانتخابات في مواسير المياه الثقيلة وحفاضات العادة السياسية وتكتسي الاشياء والتحالفات معاني كثيره توقع حتى الحكماء في الضلالة .
فأحيانا ترى العين ما لا تراه البصيره خاصة اذا كنا قد حاكمنا الإحداث بمنطق القدر واستحالة أزاحه القائد المستبد ومؤسساته القمعيه بانتفاضه وطنيه .والمهم هنا ان التاريخ العراقي مابعد ساحة الفردوس كشف عن عدم قدرتنا عن النظر الى أشعه الشمس اوحسم خيارنا طوعا واتخاذ قرار موحد بالسير وفق مرجعيه العم جفرسون او تحويل بغداد الى هانوي العرب اوالسير ببركه ايات الله او هيئه علماء المسلمين!!! بعد ان أغلقت اغلب الدكاكين الثورية ومنصات المعتزلة السياسيين والماركسيين والقوميين بل أصبح الكل يبحث عن نعال السلطة الذي أمسى بلا وريث شرعي رغم ان الشعب توهم للحظات انه عاد إليه لأول مره في التاريخ .
.بينما حسم سكان الكهوف في طورا بورا وهضاب قندهار ومسلحي الهرات والبشتون قرارهم بمعادله بسيطه حتى حامد قرضاي بات يصب غضبه على الأمريكيين ربما ساعدهم االافيون النقي عليها برفض الخضوع لقوانين العولمه وخطوط الناتو واختاروا ثقافه الموت والبشر المفخخين والانتحار الجماعي.الذي يصلنا شراره ووحشيته بفعل مقلديهم المحليين الذين رفعوا المصاحف والكلاشنكوفات وتحزموا بالنص المقدس لتنهال السواطير على جسد الشعب والوطن بلا رحمه وليحاكم التاريخ الحاضر ويسمل عيون المستقبل .
.
لكن كان واضحا لدى الكثيرين من الذين لم يسقطوا في السراب ان خيوط أللعبه العنكبوتيه تتجاوز حدود النشوة بإقامة دوله فردوسيه قائمه على القانون والعدالة بين لحظه وما تلاها… .والكارثة الكبرى هنا لا تكمن فقط بالاحتلال التحرري بل لأنها ايقضت وحشا نائما في أعمق بئرفي ما بين النهرين في شخصيه غالبا ما تقاذفتها اللواءات والانتماءات. لم يلمس الوردي سوى طرف واحد منها وبقي الأخطر تلك الجذور الملتصقة بالوطن والعشيرة والطائفة والقومية والزعيم والمرجع المقدس التي حاولت إرضائها وتحقيق التوافق العبثي والمستحيل بينها لتسيطر عليها عقده الذنب مثلما يرى العالم عبد الجليل الطاهر صاحب نظريه(القلق والقوقعة).
لم يفعل الأمريكيون شيئا سوى أنهم أزاحوا شرانق الأكاذيب وطبقه الاسمنت والطلاء المتآكل الذي أخفى شروخا عميقة في كيان الدولة التي حافظت على خارطتها بالقمع والدبابات والمقابر( الاشتراكية) وتأجيل الاستحقاقات وفشلت رغم مرور اكثر من 80 عاما في تكريس مبدأ الهوية الوطنية وإلغاء الخصوصية العرقية والطائفية باستثناء فتره وجيزة في ظل الجمهورية الأولى التي غدرت .
.وعاد التساؤل الملح في زمن الاباشي والفدرالية والمحاصصه عن حقيقة أسباب الفشل في صهر المكونات الاثنيه وفق قوانين ألدوله ألحديثه.. وهل ان العراق أمه أم جزء من أمه عربيه أم دوله في مرحله انشطار مثل يوغسلافيا سابقا رغم ان سجلات التاريخ توكد انه الأقدم على الأرض رغم ما تعرض له من عمليات الغزو والنهب والطوفان والإبادة المتلاحقة التي جعلت إنسانه خاضعا لإشكاليه القوه وتقديسه لها سواء كانت داخليه او خارجية. ونعت الذي لايبطش جبارا حتى لوكان اماما (بابو الخرق) والنكوص الى انتماءات ماقبل الدوله ألحديثه للاحتفاظ بالسلطة والثروة وتقسيم العراق الى غالبيه وأقليات قوميه ومذهبيه وبعضهم ينتسب لسرجون الاكدي بدلا عن ثنائيه اليسار واليمين والتقدمي والرجعي التي حكمت تاريخنا طويلا وهويتنا التي اختزلها صدام حسين بالانتماء للبعث فقط .لابل إننا عدنا الى الموتى لتبرير الدكتاتورية الجديدة وسلمناهم بدهاء مفرط قدرنا وباتوا يتحكمون بنا من لحودهم تبعا لاشتراطات الصراع السلطوي .
بعد عرضين محبطين لخدعه الإصبع البنفسجي تتحول الجمهورية الى( جمهوريتين )فيما لا ترى زرقاء أليمامه في البيت الابيض سوى نذر الموت والدمار بعد عرس البنفسج في السابع من اذار.. كان كل شيء خاضع لحسابات لا تخطيء ابدا فهي منذ حرب فيتنام وثوره آيات الله في طهران وخروج مارد الإسلام السياسي من مختبرات منهاتن تشعر بالزهو من النجاحات المتلاحقة في( الخاصرة الرخوة) الشرق الأوسط وسرته العراق.. فحين سينسحب الأمريكيون سيكون لعوامل التناقض والصراع الداخلي دور أساس في تفتيت الكيان العراقي ذاتيا وفق لنظريه جو بايدن وستكون النسور التي تقف على التل بانتظار الانقضاض على ما تبقى من الفطيسة .
لم يعد يشعرنا التخلص من الدكتاتورية بذلك الزهو الذي كنا نحلم به قبل سنوات حتى عرابي ما قبل الفردوس او غالبيتهم نفضوا أيديهم من المجزرة .وارتفع صوت كنعان مكيه في طبعته الانجليزيه ل(جمهوريه الخوف)ليصف الجمهورية الرابعة بأنها جمهوريه السرقة والتشرذم!!!
وذا كانت المؤسسة العسكرية في العراق قد شكلت أول أساس حديث لها فان( خامس جيش في العالم) تفكك ليحل محله: جيش ألطائفه المنصورة ،وجيش أهل ألسنه، وكتائب ثوره العشرين ،وجيش المهدي، وفرسان التوحيد ،وكتائب المرابطين، وعصائب الحق ،وكتائب الاهوال ، وجيش الطريقه النقشبنديه، وفيلق بدر، وجيش عمر ، وجيش ابي بكر الصديق!!
واستبدلت شخصيات ورموز العمل السياسي وزعمائه في كتله التاريخ الوطني بالبغدادي، وابو درع ،وابومهدي، واسعد الهاشمي، والضاري …ومن رحم هذه البربرية والمحرقة خرج ابو عمر الكردي منفذ اخطر 38 عمليه ارهابيه راح ضحيتها الآلاف من العراقيين العزل … ولم يكن غريبا ان لايشعر( زيد قيس صالح الهلالي) ابن العشرين عاما الملقب( بسفاح الدوره ) باي ندم واصفا بدم بارد كيف اجهز على 1000 مواطن برىء.!!!
هذا هو التاريخ المحاصر بين مقصلتين … والوطن والمواطن السجين بين محبسين …محبس زعماء الطوائف الذين لم يعد لديهم حياء بالبحث عن دعم خارج الحدود قبل الاتفاق على تشكيل الحكومة في عواصم بعضها كارتونية او مشايخ لا تكاد ترى بالمجهر الجيوبولتكي على غرار مايفعله اللبنانيون وقاده الفصائل المتمردة… ومحبس اللصوص ومتقاسمي الغنيمة ومزوري القرار والانتخابات والأدوية والأطعمة الفاسدة مثل الخطاب السياسي المتعفن ببكتريا القومية والطائفة والتباغض. .
بعد سبع سنوات اختلط فيها حابل الأمل بنابل الحزام الناسف يقف 655 إلف شهيد عراقي بين يدي صاحب العرش السماوي بعضهم يحملون رؤؤسهم المقطوعة بين أيديهم وآخرون هم مجرد أشلاء فيما تفحم عشرات الآلاف وضجت ملائكة الرحمن بالبكاء والعويل .شفقه ووجعا علينا .
في الأسطورة الشهيرة لهانس كرستيان اندرسون (ملابس الإمبراطور)يهتف الطفل البريء( الملك عار)ولم يتردد إفراد الحاشية الراشدون الذين شكل جهاز الدعاية الرسمية وعيهم فيهتفون الملك عار ..الملك عار ..وفي الأسطورة فان الملك يفاجئ الشعب وليس ثمة ثياب على جسده ..لكن المستشارين يبدءون بتبرير الموقف رغم انه لا يجوز تمزيق شرانق الأكاذيب ويخترعون تبريرا جديدا للعري وهو انه.. كساء وجوده موضع خلاف !!!
من ألان فصاعدا ليس الطفل البريء بل كل هؤلاء الذين هرولوا خلف الدبابات الغازية التي صعدت على جسر الجمهورية وظهورنا، والذين مسخت الدعاية وعيهم سيرددون بان ما حدث في ساحة الفردوس هو احتلال….. لكنه موضع خلاف !!!
بوخارست