الازمة التي تمر بها البلاد وركود العملية السياسية دفع بعض الاطراف الى طرح افكار للخروج منها وتخطيها ، ومن بين هذه الافكار هناك من يدعو الى تغيير النظام البرلماني القائم الى نظام رئاسي .
والفكرة ليست جديدة ولمح اليها صراحة وعلنا الرئيس السابق لمجلس الوزراء وناقشها مع الكثير من السياسيين والمسؤولين ، ولكن ايا منهم لم يوافقه صراحة على ارائه، وهو الذي لم يكن تنقصه الصلاحيات بل انه كان ينفرد في اتخاذ القرار ، ولم يحد من سلطاته مجلس الوزراء ولا السلطة التشريعية ، وانما اراد اخفاء الصفة القانونية على وضع قائم انذاك.
الواقع ان لكل مجتمع خصوصيته وتقاليده وطبيعة العملية السياسية الجارية فيه ، وما يناسبها من نظام سياسي ، واتفقت القوى بعد الاطاحة بنظام صدام حسين على الفصل بين السلطات والاخذ بالنظام الديمقراطي البرلماني والديمقراطية التوافقية لبناء مشروع الدولة العراقية في طورها الحديث ، ولم تحبذ القوى السياسية النظام الرئاسي ، وهذا لا يعني ان هذا النظام ليس ديمقراطيا ، وانما هناك حاجة ماسة لاشراك مكونات الشعب العراقي المتعددة كلها في حكم البلاد وادارتها على اساس التكافؤ والمساواة من دون استثناء بحكم الغالبية العددية ، لاسيما ان البلاد خارجة توا من دكتاتورية مقيتة شعبنا الويل والحقت به المصائب وغمطت حقوق قومياته وطوائفه في المشاركة الحقيقية في صنع القرار وتنفيذه ، وبالتمثيل المناسب لقواه وفق صناديق الاقتراع في مؤسسات الدولة والحكومة.
غير ان هذا المسعى تحول في مجرى التطبيق الى محاصصة مؤذية ومعيقة للعملية السياسية وبالتالي الى بناء الدولة ، وذلك لانها اصبحت سلطة مكونات مذهبية وقومية وعلى حساب الكفاءة والمقدرة وتعمق الانقسام في كل بنية الدولة عموديا وافقيا وباتت اصغر الوظائف يحسب حسابها على هذا الاساس ، وازيحت المواطنة الى الخلف ، وصار اشبه بالمستحيل ان يتبوأ مهني وكفوء موقعا في الدولة مالم يكن محسوبا على التقسيم المذهبي والقومي.
ان اللجوء الى النظام الرئاسي في هذه الظروف يعني تفرد الفئة الاكثر عددا بالحكم وانتهاك صريح للدستور وضرب التوافق المجتمعي ، هذا النظام لا يناسب العراق في هذه الظروف وقبل استكمال بناء مشروع الدولة والمفارقة ان القوى المطالبة بتغيير النظام من البرلماني الى النظام الرئاسي هي ذات التي لم تعط للنظام الفرصة وتتيح له ان يأخذ مداه في التطبيق والعمل على انجاز اهدافه ، فكانت تقف على الضد من الارادة الجمعية ومن تعزيز المؤسسات العامة واحترام القانون والتقيد باحكامه .. وبذلك عرقلت بناء الدولة في طورها الحديث.
ان بلدا مثل العراق يضم قوميات متعددة تعتنق اديان ومذاهب مختلفة يحتاج الى التوافق لفترة طويلة واعادة الثقة بينهما وازالة مخاوف الشريك في هذا الوطن من الاخر الذي يشاطره فيه قبل ان ينتقل الى نظام آخر بارادة اهله وليس من خلال واقع حال مختل ورغما عن الاغلبية الساحقة من ابنائه.
واخيرا نقول ان الامور لا تستقيم بين المسعى الى شراكة واسعة وحقيقية في صنع القرار وتطبيقه ورسم النهج للبلد وبين نزوع الى الانفراد والتفرد في ادارة البلاد ، وبالمناسبة النظام الرئاسي ايضا نظام ديمقراطي لا يتيح ولا يقبل ان تكون الدولة مبنية على اساس المحاصصة الطائفية والاستئثار ، من جهة دون مشاركة الاخرين ، فالنظام له ضوابط واسس تقيد الحكام وعلى الذين يدعون اليه مراجعة ودراسة التجارب الحاكمة في العالم.