يعبر في بعض الانتماءات المهنية بمفهوم ( العقيدة ) كما نجد ذلك في ( العقيدة العسكرية ) ، و الاعتقاد:هي مرحلة عالية من الانتماء إلى فكرة أو تصور ما ، يُراد في بعض الأعمال أن تتحقق هذه المرحلة من الانتماء ، فالعمل العسكري الذي يرتبط به مصير أرواح الناس ، لا تكفي المعرفة أو الاحتراف و الخبرة ، و إنما يُعدُّ رجال العسكر و الأمن كما يعد الرهبان و الأولياء في إندماجهم وألتزامهم الأوامر و النواهي ، و على الرغم من أن صيغة ( العقد ) قد تبدو للوهلة الأولى في مفهوم العقيدة ، إلا أن معنى قدسية التعاقد هي النقطة الجوهرية في هذا المفهوم ، و لا حاجة لإعادة الأمثلة التي نتحدث عنها دائما في تجارب المؤسسات من هذا النوع ، ومنها مثال ( المؤسسة العسكرية ) ، و من جملة مميزات المؤسسات من هذا الطور ، هو تفشي العادات و التقاليد و الممارسات و السلوكيات المميزة ، بمعنى يلاحظ طريقة التحية و الكلام بين أفراد المؤسسة العسكرية فضلا عن التفاصيل الكثيرة في السلوك و الممارسات المهنية و الحياتية حتى … هذه الخصائص المميزة ليست أفعال متكلفة بل هي معاني عن تميز هذا الواقع الذي نتحدث عنه …
ونحن تحدثنا في سلسلة هذه المقالات عن بعض المفردات المميزة التي أشرنا لها في السلطة القضائية ، و تحديدا في المحكمة الاتحادية العليا أثناء متابعتنا لجلساتها الاستثنائية بخصوص جلستي مجلس النواب العراقي المثيرتين للجدل المنعقدتين في يومي الرابع عشر و السادس و العشرين من نيسان ، و منها طبيعة العلاقة بين قضاة هيئة المحكمة ، و شكل القاعة و كيفية التعاطي مع المرافعة و الجدل و الخلافات ، إلا أننا في هذه المرة نريد التركيز على مفهوم ( النظر ) الذي يستعمل في المحاكم في العادة ، أو بإمكاننا تسميته ( النظر بالمعجم القضائي ) ، فعادة ما يسمع هذا القول ( لتنظر المحكمة ، محل نظر المحكمة ، تحت نظر المحكمة ، و الخ ) ، و النظر هنا هو تعبير عن مفهوم الصورة الكاملة أو الادراك المتناهي ، أي أن الحقيقة كما في الدراسات القيمية ، و العدالة في المفهوم القضائي ، لا تحرز و لا يمكن تحققها ، إلا عن طريق تغطية النظر إلى زوايا الصورة كافة ، و هناك معنى إشتقاقي تعبيري يمكن لي أن أقدمه من ملاحظتي لجلسات المحكمة الاتحادية خاصة في القضية سالفة الذكر : فقد عملت المحكمة و كجزء من مساعي شفافيتها أن تحقق معنى ( النظر ) حتى عند أطراف الدعوى ، و المراقبين و المتابعين كافة ، و ليس لديها فحسب ؛ و هذا تجسد عن طريق إتاحة المجال لكل المشاركات و التعليقات و المداخلات داخل قاعة المحكمة ، فضلا عن التعاطي المميز مع الاراء و المقترحات المقدمة من قبل الاطراف لهيئة المحكمة ، مؤكدا أن فلسفة ذلك يرتبط بإدراك المحكمة لخصوصية المرحلة فضلا عن إستيعابها طبيعة هكذا قضية وفقا للسياقات الحاصلة في المشهد السياسي و الجماهيري العراقي .