18 ديسمبر، 2024 5:58 م

نظرية عربية للنقد

نظرية عربية للنقد

إن التطور الذي شهدته الكتابة على مستوى التقنيات.. وانزياح الحدود بين الأجناس الأدبية والفنية يجعل الحديث عن نظرية نقدية عربية خارج التفاعل مع المنجز النقدي الغربي أمرا عسيرا.

ما إن يخفت الحديث عن النظرية النقدية العربية حتى نجده يتجدد مرة أخرى. دلالة هذه الاستعادة تكمن في حالة القلق التي تعيشها الذات العربية، على مستويي الهوية والعلاقة بالآخر في عالم تتقلص فيه هوامش الخصوصية مع انتشار الطابع الكوني للثقافة.

مشروعية هذا البحث تتجاوز الإشكالية الثقافية التي نعيشها في مواجهة المد الثقافي الكاسح لثقافة الآخر، وما تفترضه من سيطرة وامتلاك وتأثير. في الغرب ثمة تحولات كبيرة ومتسارعة على صعيد الإنتاج الثقافي والنظريات النقدية. كذلك ثمة تداخل في هذه النظريات بين الأدبي والثقافي، الفلسفي منه والنفسي والفكري. النقد الماركسي والنقد النفسي والتفكيكي والثقافي تجليات معروفة لإشكالية هذه العلاقة بين الثقافي والأدبي.

في مواجهة هذه الوفرة النقدية وتحولاتها وما تطرحه من إشكاليات على مستوى دراسة النص الأدبي، ماذا يعني الحديث عن نظرية نقدية عربية؟ بل ماذا يعني الحديث عن نص عربي؟ تتبدى الإشكالية هنا في بعدين اثنين، البعد الأول يتمثل في صياغة نظرية جامعة تعيد اتصالنا بموروثنا النقدي، والبعد الثاني يتعلق بالعلاقة مع التطور السريع للنظريات النقدية الغربية.

إذا كان من الصعب الحديث عن خصوصية أدبية، بعد أن شهد الأدب العربي منذ القرن التاسع حالة من التفاعل مع الأدب والثقافة الغربية، فكيف نصل إلى نظرية نقدية عربية خاصة بنا؟ غياب النص الذي يحمل هوية خاصة على المستوى البنائي والجمالي يلغي مشروعية البحث عن مثل هذه النظرية.

لذلك فإن الحديث عن نظرية نقدية عربية يمكن أن يتخذ شكلا آخر يتعلق بالإسهام العربي في تطوير النظريات النقدية الموجودة والانتقال من موقع المستهلك لهذه النظريات إلى موقع المنتج والإسهام الفاعل في الإنتاج النقدي. إن هذا التحول في العلاقة يحقق للذات حضورها كما فعلت شخصيات نقدية عربية معروفة في حقل الثقافة الغربية كإيهاب حسن وإدوارد سعيد.

إن التطور الذي شهدته الكتابة على مستوى التقنيات والحساسية والوعي الجمالي وانزياح الحدود بين الأجناس الأدبية والفنية يجعل الحديث عن نظرية نقدية عربية خارج التفاعل مع المنجز النقدي الغربي أمرا عسيرا. المنجز النقدي الراهن هو منجز إنساني. صحيح أنه يرتبط بالمركزية الثقافية الغربية وتكريس لسلطتها، لكنه في بعده الأهم يبحث في آليات قراءات النص وتحليله ومستويات تلقيه. كل هذا يأتي في سياق الأدب وجمالياته وعلاقته بالقارئ.

نظريات التلقي على سبيل المثال لا تتحدث عن قارئ غربي، بل عن قارئ مختلف باختلاف الثقافة والمكان والزمان. نظريات أخرى كالتناص مثلا مفهومها متوفر في ثراثنا فما العيب في الانفتاح الإيجابي عليها.
نقلا عن العرب