حين تنهدم بناية ما ، أو يتهاوى سد ما ، او يحدث زلزال في زمان ما ، او في مكان ما ، فإن أهم من يبدر لتناول الموضوع والتعليق عليه ، هم ثلاثة اصناف من الناس .
فالصنف الاول ، هو الصنف الكسول أو الخامل ، والذي يرجئ الحوادث الى (الغيبيات) ، ويلبسها رداء الحكمة والارادة الالهية ، ويضعها في بودقة (القدر) أو (الاستحقاق) ، لكي يستريح من عناء (إعمال العقل) والتفكير ، وهؤلاء هم أحد أسباب تقهقر وتخلف الأمم ، واستلاب قدرتها على التقدم والتطور ومواكبة روح العصر والتغيير والحداثة .
أما الصنف الثاني ، فهم (الأذكياء) ، ذوو العقول من المحققين الناشطين الباحثين عن الحقيقة ، والذين يجمعون الاسباب ، ويقرأن النتائج ، لكي يصلوا الى (المسببات) ، سعياً وراء تجنب هذه الاسباب ، وكبح جماح الاخطار المترتبة عليها ، وهؤلاء هم أحد أهم أسباب تقدم الامم وحضارتها ، وهم المعوّل عليهم ليكونوا مفاتيح البحث والتقصي من أجل رسم خطط للمستقبل على وفق خارطة البحث والتشبث بالمنظومة المعرفية .
من بين هذين الصنفين ، يبدر صنف ثالث (كسول) أو (متواطئ) مع الاسباب والمسببات ، وهو الصنف الذي يقف بازاء الصنف الثاني ، ويتهمه بالانزياح نحو (نظرية المؤامرة) ، وهذا الصنف ليس لديه مشكلة مع الصنف الاول ، بل من المتوقع ان تكون تفسيرات الصنف الاول (الغيبية) هي من موارد القبول لدى الصنف الثالث ، حتى لو كان هذا الصنف – الثالث – ممن يسخر من الطروحات (الميتافيزيقية) ، أو ممن لا يؤمن – أساساً – بالغيبيات ، ولا يقيم لها وزناً .
إن مشكلة الصنف الثالث تكمن مع الصنف الثاني ، ومع كل من يحاول تحليل الحوادث وقراءة نتائجها للوصول الى (مقدماتها) ومسبباتها ، وذلك بما يمتلكه الصنف الثالث من شعور (محتاط) بأن قراءة الاحداث ونتائجها ومعرفة اسبابها ومسبباتها ، قد يشكل خطراً على مسيرة وخطوات ومفردات الاجندات السياسية والاقتصادية التي يتوافق معها ، أو يعمل لصالحها ، بما تسببه من (وعي) جديد لدى أفراد المجتمع ، وإحساسه بالخطر الناجم عنها ، مما يحمله على التصدي لهذه الأجندات والمشاريع ، ويفتح جبهة غير مرغوب بها في الصراع من أجل (مصالح الكبار) .
ولذلك ، فهم غالباً من المتشدقين بـإرجاء واتهام وإزاحة عمليات التفكير والتحليل والفرز والقراءة والبحث لدى ذوي العقول الواعية الى (نظرية المؤامرة) ، لكي يقوموا بـ (فرملة) الوعي المجتمعي ، ويحيلوا عمليات التحليل والتفكير الى جريمة اخلاقية تسمى بــ الانزياح نحو (نظرية المؤامرة) .
فعلى سبيل المثال ، لو اخذنا (top view) لحادثة من الحوادث ، ولتكن مما يحصل بين الحشد الشعبي من جهة ، و (داعش) من جهة ، وتابعنا الطائرات الامريكية وهي (تلقي المساعدات والاغذية والاسلحة على الدواعش بطريق الخطأ) ، ثم تقوم بعمليات (قصف قطعات الحشد الشعبي عن طريق الخطأ) ، فسنجد بأن ردود الافعال تتفاوت بين الاصناف الثلاثة الى مستويات ثلاثة .
فالصنف الاول سيقول ان (مشيئة الله وحكمته) اقتضت هذا (الخطأ) ، وأن ما حدث هو (بما كسبت ايدي الناس) ، ثم يبرر فهمه بما يسوقه من الآيات والروايات والاحاديث الداعمة ، والتي من شأنها أن تُخرس المتلقين ، وتضعهم أما طائلة (الخطوط الحمراء) ، لأن مجرد ذكر (حكمة ومشيئة الله) تقتضي الصمت وعدم المناقشة وعدم التفكير ، رغم أنف الايات القرآنية الكثيرة ، والتي تريد من الخلق ان (ينظرون ، ويتفكرون ، ويعقلون) …. ثم يستنتجون .
اما الصنف الثاني فسوف يبدأ بإعمال العقل ، وجمع المعطيات ، ودراسة المقارنة بين المواقف السابقة والحالية ، ويضع الاسئلة ، ويبحث عن الاجوبة ، ويلملم القرائن ، ليصل الى النتائج المتسلسلة التالية :-
– إن الجيش الأمريكي الذي يمتلك تقنيات عسكرية متقدمة جداً ، والتي تمكنه من تحديد أهدافه بدقة متناهية قد تصل إلى البوصة المربعة على الارض ، لا يمكن ان تخطئ اهدافها بشكل متكرر ، وعليه ، فالخطأ (مستبعد) هنا ، وتكرار نفس الخطأ أشد استبعاداً ، وإن تسويق هذه الأفعال على إنها من (الخطأ) فهي محض (خدعة) يراد تسويقها لكي تخفي ورائها حقيقة ، فما هي الحقيقة ؟
لو أضفنا لذلك عمليات (العلاج الطبي) التي يتلقاها (الدواعش) في مستشفيات (تل أبيب) ، لانتهينا إلى نتيجة منطقية التقصي ، يمكن أن توصلنا إلى حقيقة أن أمريكا (لا تريد) القضاء على (داعش) ، بل تريد (تمكينه) و (استمراره) ، ولكن لماذا ؟
الجواب هو … ربما لانها تريد استخدام داعش كورقة ضاغطة ، أو قل وسيلة من وسائل (الاساثمار) ، ولكن على من ؟؟ ولماذا ؟
والجواب الاستنتاجي هو …
ربما من أجل تمكين واستمرار مشروع (الربيع السلفي) الذي يسميه البعض بــ (الربيع العربي) ، والذي اتضحت نتائجة التدميرية على دول المنطقة ، أو ربما لاتخاذ داعش وسيلة من وسائل (الاساءة) إلى الشريعة المحمدية ، وإعطاء صورة (دموية) عن هذه الشريعة لدى المجتمعات المتحضرة ، ولربما اتخذت (داعش) كأداة (تهديد) ضد دول العالم من اجل (ابتزازها) مادياً ، أوكسب مواقفها السياسية .
ومن هنا ، فمن (المنطقي) أن الاحزاب ، والمليشيات ، والحكومات التي تثق بالموقف الامريكي (المعلن) الرافض للارهاب ، والتي تصدق (أكذوبة) مشاركة الجيش الأمريكي في العمليات العسكرية ضد داعش ، فهي إما ان تكون (غبية) أو (منبطحة) أو (عملية) لامريكا .
إن خطورة الوعي التحليلي والاستنتاجي لدى الصنف الثاني ، سيجر وراءه الكثير من الاسئلة والنتائج الاخرى التي من شأنها ان تغير الفهم والمواقف لدى المجتمع ، وهنا يأتي دور (المتواطئين) والعملاء الذين يتهمون ذوي الوعي والاستنتاج والتحليل بانهم خاضعون لنظرية المؤامرة ، ليقمعوا استنتاجاتهم ، ويضعوا المجتمع في حالة رفض لهؤلاء المفكرين ، ليضمنوا دعة وكسل المجتمع الضامنة لمرور مشاريع الكبار .
اما الكسالى ، فهم لا يعنيهم أمر داعش ولا الحشد الشعبي ، لأن عوائلهم تعيش في دول بعيدة عن داعش ، وارصدتهم تقبع في بنوك ومصارف لا تطالها ايدي داعش .