باحثة في الإعلام
شكل جسد المرأة، عبر التاريخ، مسرحًا للقيود والدلالات الاجتماعية، حيث تحكمه نظم الرقابة الأبوية التي تفرض عليه قيمًا ومعايير خارجية. لم يعد الجسد ملكًا للمرأة، بل أصبح وسيلة لإعادة إنتاج أدوار وسلوكات قهرية، تتجلى من خلال طقوس وممارسات تحدد سلوكياتها، مثل الامتناع عن الكلام بصوت عالٍ أو ملازمة الأماكن السفلية. يُعتبر الجسد الأنثوي “منشأ اجتماعيًا” محكومًا بمعايير ثقافية، مما يجعله موضوعًا للرقابة والتقييم. الملابس، وخاصة الدينية منها، تُستخدم كأدوات للسيطرة، حيث تُعزز من مفاهيم الحشمة وتقييد حرية الحركة، مما يخلق شعورًا بالخوف والقلق تجاه طبيعة الجسد ورغباته.
كيف كافحت النساء من أجل الحرية المالية، والقيود الاجتماعية والسياسية التي حالت دون تحقيق المساواة؟ جميع النساء؟ هل أحدثن تغييرًا دائمًا في الأنظمة الذكورية المتجذرة؟ وماذا ستكون عليه المجتمعات التي تمتلك فيها النساء السلطة الحقيقية؟
مثير للجدل أن نتحدث عن نظرية الجسد النسوي التي تختلف عن نظرية الجسد بشكل عام في عدة جوانب رئيسية ،نتناول فهم الجسد بوصفه وسيلة للتعبير عن الهوية والمشاعر، حيث يعكس تفاعل الجسد مع العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية، كما تلعب الفلسفة دورًا في دراسة العلاقة بين الجسد والعقل، مما يعكس تعقيد التجربة الإنسانية. تُظهر هذه النظرية كيف يشكل الجسد فهمنا للذات والعالم من حولنا ،وإذا ركزنا على نظرية الجسد النسوي في سياق الهوية النسائية، فنجده رمزًا للمعاناة والمقاومة التي تعكس الجهود التي تبذلها النساء لمواجهة هذه المعاناة، مما يعزز من هويتهن ويدعو إلى التغيير، وتتداخل العلاقة بين المفهومين حيث يمكن أن تحفز المعاناة المقاومة، مما يجعل الجسد النسوي مساحة حيوية للتعبير والتمكين. كما تركز النظرية النسوية على التجارب الجسدية الخاصة بالنساء، مثل الحمل والتمييز الجندري ، ومن خلال استراتيجيات مثل النشاط السياسي والتعبير الفني.
وفي ما يلي بعض المؤلفات التي تناولت قضايا متنوعة مرتبطة بالنسوية والأبوية. تتضمن هذه الكتب مواضيع مثل حقوق الإنجاب، التحديات التي تواجه النساء العاملات في مصر، وتأثير الليبرالية السجنية على النساء، فضلاً عن نقد فكرة المساواة كـ “وهم”. تقدم هذه الأعمال رؤى قيمة تساعد على فهم أعمق لمفهوم النسوية في سياقات متعددة، مما يجعلها قراءة مهمة لكل من يهتم بهذه القضايا.
في كتاب “حياة المرأة هي حياة إنسان“، تقدم المؤرخة فيليسا كورنبلاه القصة غير المروية للناشطين اليوميين الذين عرّفوا هذه الحقوق وحققوها، في السنوات التي سبقت وبعد حكم “رو ضد وايد” الذي جعل الإجهاض قانونيًا بموجب القانون الفيدرالي في هذا الكتاب الذي يتناول حركتين في نيويورك غيّرتا السياسة المتعلقة بحقوق الإنجاب: النضال من أجل تقنين الإجهاض والنضال ضد إساءة التعقيم، التي كانت تحدث بشكل غير متناسب في المجتمعات الملونة، وكانت جزءًا مركزيًا من نشاط يتمحور حول الحق في إنجاب الأطفال، بالإضافة إلى الحق في عدم إنجابهم ،وكل مبادرة حققت انتصارات مهمة اعتمدت على قوة الناس وليس على المحاكم الفيدرالية. تسلط تاريخ هذه الحركات الضوء على قضية “رو” والحقوق الدستورية، وعلى صعوبة وأهمية تحقيق نسوية شاملة حقًا، وعلى السياسة الإنجابية اليوم.
على مدى أكثر من قرن، كافحت النساء من أجل المساواة. ومع ذلك، مرارًا وتكرارًا، كانت معاركهن ناقصة. حتى الحقوق المتساوية المحمية دستوريًا يمكن سحبها من قبل القضاة وتقويضها من قبل المشرعين. لكن المشكلة الأكبر تكمن في مفهوم المساواة ذاته.
في كتابها “تحرر من القيود“، تقدم الكاتبة مارسي بيانكو حجة قوية مفادها أن مفهوم المساواة هو وهم، وهدف غير واقعي لا يمكنه معالجة أشكال التمييز والاضطهاد التاريخية. وتستعرض بيانكو تاريخ النضال من أجل حق المرأة في التصويت وما تلاه، موضحة كيف تم تصميم المساواة لإبقاء النساء والمجتمعات المهمشة في دائرة السعي وراء هدف غير قابل للتحقيق. وتشير إلى أن هذا السعي قد أدى إلى عقلية خبيثة تقيدنا ضمن ثنائية جندرية وسياسات اختزالية. تدعو إلى استعادة السلالة النسوية المنسية، مؤكدة أن الحرية وحدها يمكن أن تحرر النساء من هذه القيود، وتقترح ثلاث ممارسات للحرية تمكنهن من استعادة سلطتهن واستقلالهن الجسدي. وعلى الرغم من النضالات المستمرة لأكثر من قرن، تظل الإخفاقات متكررة، حيث يمكن سحب الحقوق الدستورية أو تقويضها، مما يبرز الحاجة الملحة لإعادة النظر في مفهوم المساواة نفسه.
كما تناقش أيضًا مفهوم “الليبرالية السجنية”، الذي يجمع بين النيوليبرالية والأبوية، ويشكل خدعة تتظاهر بالحرية بينما تُبقي العديد من النساء على الهامش، مستندة إلى تحليلات أكاديميين وناشطين يسعون لفهم الاعتقال الممارس من الدولة وكيف يؤثر على النسوية. من خلال أعمال شاعرات مثل هونيير فانون جيفرز وسولماز شريف، يبرز الكتاب الأبعاد المعقدة للأيديولوجيا الأمريكية التي تعزز الإمبريالية ومناهضة السود، مما يجعل “الليبرالية السجنية” عملاً مبتكرًا ومؤرخًا بشكل جيد.
ونجد في كتاب “مصنوع في مصر” للكاتبة ليزلي تي تشانغ واقع النساء في مصر في ظل تحديات العولمة والتقاليد، من خلال قصص ثلاث نساء: ريحام، سيدة أعمال تدير مصنع ملابس وتواجه صعوبات في المنافسة؛ رانيا، التي تعمل في خط إنتاج وتطمح للترقية رغم العقبات الشخصية؛ ودعاء، التي تسعى للحصول على التعليم والاستقلال، لكنها تضحي برؤية أطفالها للحصول على الطلاق. تشارك تشانغ تجربتها الشخصية في مصر، موضحة التمييزات التي تواجه النساء العاملات.ويغوص الكتاب أيضًا في تاريخ صناعة النسيج المصرية وتأثير الأحداث السياسية والاجتماعية على خيارات النساء. في النهاية، يقدم الكتاب رؤية عميقة عن التوازن الصعب الذي تحاول النساء تحقيقه بين العمل والحياة الشخصية.
أما الكاتبة فيكتوريا سميث فتتناول في كتابها ،“الساحرات” الأسباب التي تجعل النساء في الأربعينات وما فوق يتعرضن لنوع من الاستهجان العام. في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد سياسات الهوية، وجدت النساء في منتصف العمر أنفسهن محط حديث وكتابة ككائنات ذات قيمة أخلاقية متدنية، تُعتبر رمزًا للتعصب والأنانية، ويُنظر إليهن على أنهن جديرات بالتجاهل أو الشفقة أو الإساءة.
ويستعرض الكتاب كل فصل موضوعًا مختلفًا مثل العمل الرعائي، الجمال، العنف، التنظيم السياسي، والجنس، ويستكشف تلك المواضيع في سياق معتقدات وأجساد وتاريخ واختيارات النساء في منتصف العمر ،اكثر وضوحا في الوقت الحالي ، في قالب مشوق، عميق، فكاهي ..
تشارك الكاتبة المعروفة إليسا باسست رحلتها لاستعادة صوتها الحقيقي من خلال كتابها”هيستيريا“، في ثقافة لا تستمع إلى النساء. بين عامي 2016 و2018، زارت باسست أكثر من عشرين طبيبًا لمجموعة متنوعة من الأعراض الغامضة. عانت مما تعاني منه ملايين النساء الأمريكيات: آلام لا تتناسب مع ما يقوله الأطباء، وجسد لا يتناسب مع العلم، وعقل لا يتناسب مع البشرية. في تجربتها الشخصية، اقترح أحد المعالجين بالإبر أن بعض آلامها الجسدية قد تكون تعبيرًا عن الغضب المكبوت، وأن علاج صوتها قد يحل المشكلة. وقد نشأت باسست في بيئة تتوقع من النساء أن يتحدثن أقل.. وُصفت بأنها “درامية” و”مجنونة” عندما عبرت عن آرائها، تعرضت للإهمال أو الانتقاد، مثل الكثير من النساء عبر التاريخ، لاستخدام صوتها “بشكل غير مناسب” من خلال التعبير عن الحزن أو المعاناة أو الغضب أو الفرح.
تحدثت باسست عن كيفية تأثير هذه التوجيهات على الفتيات والنساء، مما يجعل من الصعب عليهن “التحدث” و”إحراق النظام”. لكن صمتهن كان يؤذيهما أكثر من أي شيء قد يقوله.
إنها دعوة للتمكين عبر مذكرات لصوت ضائع ومكتشف، ودليل على طرق جديدة للتفكير حول صوت المرأة – عن الأماكن التي يتم فيها كبت الصوت وأين يحتاج إلى تعزيز؛ ودعوة للقراء بعدم كبت صوتهم، والاستماع إليه فوق كل الأصوات الأخرى، واستخدامه مرة أخرى دون ندم .