من البديهي جدآ أن نقول أن الدولة تدار بواسطة الدستور والانظمة والقوانين (فهي المحرك الاساسي لأدارة الدولة), وبما اننا نتحدث عن (دولة) فهذا يعني اننا نتحدث عن كيان تتوفر فيه كل مقومات الدولة ,ومن البديهي جدآ أن يكون القائمون على ادارة الدولة هم من ذوي الاختصاصات في كافة المجالات ,وخاصة القائمون على الجوانب التنفيذية في ادارة الدولة , وهذا المفهوم لأدارة الدولة هو المفهوم الساري في جميع الدول ,المتقدمة منها والمتخلفة على حد سواء مادمنا نتحدث عن كيان اسمه (دولة).
الا ان الوضع في العراق مختلف تمامآ , فعباقرة السياسة والتشريع في العراق الذين جاءوا بعد الـ2003 , قد اوجدوا لنا نظرية جديدة في فن ادارة الدولة ,نظرية لم يسبق لنا أن درسناها او سمعنا عنها حتى في قصص الخيال العلمي , فالدولة في فلسفة أولئك العباقرة الجدد لم تستند في نشأتها على النظريات المعروفة سلفاً التي اوردها كل من جون لوك, وجان جاك روسو , او مونتسكيو , فالدولة من وجهة نظرهم هي غنيمة وهبها الله لهم لكي يحكموها وفق فلسفة احزابهم الدينية (كما يدعون). وهذي الفلسفة تنبع من ايمانهم بأحقيتهم في الحكم المطلق دون رقيب او حسيب تحت عنوان فضفاض اسمه الديمقراطية , كيف لا وهم وكلاء الله في الارض وفق فلسفة احزابهم الدينية !!!
لذلك وجدنا وطيلة سنوات أدارة الدولة (الحديثة الديمقراطية) مابعد الـ2003 انها تستند في عملية اختيار القائمين على ادارة مؤسسات الدولة على نظرية الاختيار الالهي وليس على مبدأ الكفاءة والاختصاص , ومن يقوم بهذا الاختيار هم اولئك القائمون على تلك الاحزاب الدينية اصحاب الحق الالهي في الحكم , وان الحديث عن وجود تيارات علمانية او مدنية او ليبرالية في ادارة الدولة ماهو ألا محض خيال ,والدليل على ذلك هو انفراد الاحزاب الدينية بكافة وزارات الدولة المهمة وكافة المؤسسات المهمة وحتى المؤسسات الامنية اليوم تُدار من قبل اشخاص جاءت بهم تلك الاحزاب الدينية , وان عملية اختيار كل اولئك جاءت عن طريق درجة الانتساب الى تلك الاحزاب او عن طريق مستوى الولاء الى تلك الاحزاب وليس عن طريق الكفاءة والاختصاص .
وان حصة بقية الاحزاب والتيارات السياسية (غير الدينية) في ادارة مؤسسات الدولة ووزاراتها هي حصه هزيلة لاتعدو ان تكون كذر الرماد في العيون.
ولو استعرضنا كافة الوزارات السيادية وكافة الهيئات المستقلة وكافة المناصب المهمة من المستويات (وكيل وزير, مدير عام , مدير مديرية مهمة سواء مدنية او امنية ) سنجدهم من خلفيات تعود ولاءاتها الى تلك الاحزاب صاحبة الاحقية الالهية في الحكم (السنية منها والشيعية).
ان تلك الفلسفة في ادارة الدولة كانت لها انعكاساتها على الوضع الاقتصادي والخدمي والامني في العراق. فنتائج تلك الفلسفة في الحكم كانت كارثية , وها هو العراق اليوم يعاني مايعاني من وضع اقتصادي متردي ووضع خدمي متهالك ووضع امني غاية في الخطورة وكل ذلك كان سببه رداءة الاختيار في عملية انتقاء الاشخاص لأدارة مؤسسات الدولة , وهاهو المواطن العراقي اليوم يدفع ثمن تلك النظرية وتلك الفلسفة انهاراً من الدم والجوع والفقر والتهجير .