أن توحش الطبيعية البشرية، والصراع الدائم حول الماديات، جعلت من شخصية الإنسان متقلبة متغيرة، ميالة نحو الطمع، لا يحد سقف طموحاتها شيء، وفي غالبية الأشخاص تصل إلى مرحلة التمرد، فتجدهم يتسابقون نحو ملذاتهم الدنيوية على حساب حياتهم الخاصة، يتسلقون بخبث أكتاف الضعفاء للوصل لغايتهم المنشودة.
فلسفة الواقعية السياسية في أخلاقياتها، لا تختلف بل تتناسب طردياً مع تمرد الطبيعة الإنسانية، و بالتالي فإن العاملين في الحقل السياسي، هم على أتم الأستعداد لتغيير هوياتهم وأنتمائهم وعواطفهم، ليوهموا الرعية بأنهم يقفون معهم، وبعد أن يضعوا قدماً في قبة البرلمان، أو يصبحون أحد خيوط العنكبوت المكونة للحكومة، ستجدهم يتغيرون عليك كتغير صبغة سحالي الأمازون، وينكرون الجميل، متناسين أن الرعية هي الأكتاف الهشة، التي سحقوها بأقدامهم للوصول لغايتهم المعهودة.. لذلك فأن طبيعتهم السياسية متداخلة جذرياً مع البشرية، لكنها تتميز بالأنانية وحب الذات أكثر، لذلك هم يروجون للناس بأنهم رجالات دولة، ولا بديل عنهم، ليصنعوها حقيقة متأصلة في عقول الشعب، وتبدو هذه الأنانية واضحة في رغبتهم بالسيطرة والبقاء الدائم في السلطة.
وكما الحال مع ثروات الأرض المحدودة والقتال الدائم لأحتلالها، كذلك فإن مقاعد السلطة محدودة أيضا، وما أن يشتد الصراع بين المتنفذين فيها، للحصول على القدر الأكبر من الغنائم، حتى يؤثر ذلك النزاع على كيان وأستقرار المجتمع، ويشيع الفوضى في شوارع المدن، لأن الساسة هم أساس تنفيذ القوانين، وأي إخلال بالقانون يطلق العنان لطبيعتهم الإنسانية الشريرة، الميالة لحب التملك، للمحافظة على سطوتهم في الحكم، التي تتيح لهم العديد من أبواب الإستزادة من مغانم المنصب، سواء تحت البند القانوني أو ضمن مبدأ فساد السياسة، الذي ينجحون في ممارستها ببراعة.. لذلك هم يتجهون لإستخدام القوة مباشرةً في حال أستشعارهم للخطر المحدق بمناصبهم.
إستخدام القوة يكون مترابطا مع الأنظمة التي تحاول الحفاظ على مركزها في الدولة، وأي فوضى في محاصصة الحكومة، تنقلب على أرض الواقع للمواطن، ومثال ذلك ماحدث في حكومة السيد عادل عبد المهدي، عندما سلم مقاليد السلطة بيد حزبين فقط، يدعيان الإصلاح والجهاد.. كذلك عدم تعاملها بحيادية تجاه الأوضاع الإقليمية والدولية، مما دفع دول الإحتلال إلى أستغلال الإنهيار الإقتصادي للمواطن، ودفعت ببوصلة الشعارات إلى تظاهرات تكتسح الساحات الشيعية، تندد بالوضع المزري للواقع المعيشي، تبحث عن وطن مزقته أنياب الهيئات الإقتصادية.. بذرة الأحتجاجات كانت ناقوس الخطر الذي يهدد كراسيهم، لذلك أطلقوا العنان لطبيعتهم الحقيقة المتوحشة، وأستخدموا شتى الأساليب ليكونوا شركاء في التظاهر على أنفسهم.. مستغلين قواعدهم الجماهيرية وسيلة لتحقيق لذلك.
أما الشعب فهو منقسم متقسم على نفسه، لم يستطع أن يميز صفوفه، ولم تحقق صرخات الساحات سوى القليل من المطالب، التي فصلها نفس الحزبان بالشراكة مع الإخوان السنة والكرد، ليضمنوا بقائهم في السلطة، مراهنين على عدم المشاركة الفعالة للناخبين في الإنتخابات القادمة.
إن هذا يثبت أن غالبية ما يسمون برجالات الدولة العراقية، يخضعون لتجربة نظرية الأخلاق السياسية، التي لا تملك المروء والخلق النبيل، المتوحشة في التعامل مع المجتمع، لذلك فأن معيارهم الوحيد للحفاظ على السلطة هي القوة، وأنغلاقهم التام عن الشعب، ولن يحدث أي تحول في طبقة الحكم.. ما لم يبدأ التغيير من الأصابع البنفسجية، وكل الأحتجاجات في الأنظمة الديمقراطية هي هواءٌ في شبك.