المفردات التي يتدوالها المواطنين فيما بينهم في سيارات النقل العام … تصيب المستمع بالحيرة .. وتدخله في موجة تسأولات عديدة.. ويبقى المستمع ينؤ تحت مدلولات فلك السخرية والرقي الحكيم … فالجميع يروم دخول عالم السياسة وكهنوتها العجيب .. ويوحي لك قسرا بأنه محلل سياسي بارع ..ومتيقن تماما مما يقول .. وانه له قدرة سحرية على فك الغاز العمل السياسي .. وبيان مواطن الخلل المتمرس خلفها …… ويبدأ على اثرها ايجاد نظرية عمل سياسي بديلة .. ويعتقد انه منظر سياسي فذ .. ولا يكتفي بالتنظير وحسب .. بل يدعو الى تعميم نظريته العجيبة على جميع ابناء الشعب العراقي .. وضرورة العمل بها .. ونهم سيرون الخير العميم .. ويتفادون الكوارث السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية …… وليس هناك من شيء غريب ابدا حين تسمع احد اصحاب النظريات الرنانة او من احد المحللين السياسين الشعبيين … من ان يروج لافكار طوباوية تصل احيانا الى حد المهزلة .. فيرفق معها بعض المفردات او المصطلحات حتى تكون نكهتها جميلة .. ولاشعار الاخرين بانه على سعة واطلاع .. وانه يعرف ما يقول .. فيمرر اثناء حديثه عبارات مثل … الشرعنة , الشخصنة ,الشفافية , الديمقراطية المكتظة , ( انا شخصيا لا اعرف هذا المصطلح .. ربما هناك من يشرح مضمونه لنا ان وجد ) والباقي الاقوى , السلطة الرابعة , الاغلبية الصامتة … وما الى ذلك ………… وحين يوشك الانتهاء من شرح نظريته الشعبية الغراء .. يختتمها دون تلميح او استعانة بأي مفردة من مفردات اللغة البيضاء.. بل يضعك امام مفردة .. لا تتوقف الا بالاجابة عليها …فيقول لك ( خوش حجي ) ويبقى ينتظر الاجابة من الاخرين …الراكبين معه في نفس ( الكيا ) وعلى اثرها سيقيس مقدار رضا الاخرين من نظريته من عدمه … ربما نجد من يقول ( والله هذا الكلام الصحيح ) ويبدأ بكيل اللوم والشتائم على كل السياسين ومعاونيهم …. وربما نجد من يختلف معه قليلا … ليبدأ بطرح نظريته السياسية الجديدة ويتحول الامر الى جدال واراء متضاربة ونقاش محتدم ……. لا تنتهي الى ان نصل الى نهاية خط السير … والكل يدافع عن نظرياته … بقسوة وشغف وجهل ….
يبدو ان ما يصدر من افواه الناس .. وان كان تلقائيا وعفويا .. الا انه بالتالي ناتج عن ازمات سياسية معقدة .. وجهل سياسي مركب … من علية القوم السياسي .. تقع اسقاطاته على عامة الناس .. وتبقى الالسن تلوك بالكلمات بالدعوة الى ايجاد حل او بديل الى تلك الازمات القاتلة ..الخانقة للمشروع الوطني … والمانعة لكل فوائد التنمية البشرية او الاقتصادية … لذا فأن مثل هذا الامر يبقى كابوسا لعامة الناس ويصبح هو الشغل الشاغل لكل احاديثم اليومية ..
ان الاستقرار السياسي والاقتصادي في بلدان العالم المتقدم .. جعل المواطنين ينأون عن الانخراط بالنقاشات والحوارات السياسية .. او اكتساب المهارات الاضافية لها .. ويتركون الامر الى المختصين بها .. ويعتقدون ان مثل هذا الامر يصبيهم بالضجر والملل .. والجميع هناك مسكونين بالبحث عن جمال الحياة .. وعن كيفية قضاء عطلة نهاية الاسبوع واين …ربما يتداولون احيانا بالجانب الاقتصادي والضرائب تلك الامور التي تخص حياتهم وحرياتهم بشكل مباشر… اما السياسة فهي مصدر ازعاج لهم ….اما نحن فالحديث بالسياسة .. فهي محط اهتمام كبير يماثل اهتمام الناس بوجبات الطعام التقليدية .. او بتعبير ادق اضطر الناس الى ركوب سروج السياسة .. نتيجة عجز السياسين من ايجاد الحلول الطبيعية لمشاكل البلد… وعلى ما يبدو ان هذا الامر قد ورثناه من زمن بعيد وكان الناس يمارسوه اما بالهمس ومحاط بسرية او بصوت عال كما يعلنوا عنه الان في الكيا …