18 ديسمبر، 2024 11:10 م

نظرتي الى فلسفة سينيكا

نظرتي الى فلسفة سينيكا

سينيكا يَقتَرح على الإنسان أن يرى “نهاية وجوده” قبلَ كُل شيء، بإعتبار النهاية “الموت” شيء حقيقي وطبيعي، ثُم يُخاطب الإنسان بعد ذلكَ، بأن على أحشائه أن تجد طريقةً مُختلفة في كُل مرحلة من عمره، إعمَل و كأنك مُطارَد أو مُلاحَق.

– الشاب يجب أن يعيشَ بكُل شبابيته، يُطلق عنانَ غرائزه.

– الشيخوخة، هذهِ مرحلة تجميع الحِكَم، فيها ترى كُل الأعداء الذينَ كانوا يلاحقونك، المرض، الضعف، التبول اللإرادي، ضُعف الإنتصاب، وكُل مشاكل الهرمية.

وجدت مع سينيكا ما لَم أجدهُ عند فيلسوفٍ آخر، الشيخوخة حالة نحياها منذُ الطفولة، بإعتبارها آتية لا محالة.

سينيكا يُصرِّح في الأسواق والشوارع بأن على الإنسان “أن يهتمَ بنفسه من ثمَ يدعو لإهتمام الآخرين” بإعتبار الإهتمام بالنفس هو طابع كوني خرجَ منذ أن صاحب الإنسان الطبيعة، وأصبحت صديقة عمره البيولوجي، عندَ الأسبرطيين إن من يهتم بنفسه، يصيرُ نخبوياً، كمثال الهلنسية والرومانية التي أظهرت سعةَ المُروحة في كتاباتها “راجعوا تأويل الذات” كتاب مُهم جداً للفيلسوف الحفري والصحافي الفرنسي ميشيل فوكو.

سينيكا يدعو لثقافة الإرتياح من الحياة، الذي هو نسيجُ الصداقة مع الوجود الكُلي، برأيّي علينا أن نقرأ لسينيكا من جديد، نحنُ اليوم نشعُر بالإضطراب والحيرة، لا نعرفُ ايّة فلسفة ننتمي إليها اليوم حتى، تارةً نصير مع تنقيب نيتشه ونضع حرثه عائقا لحياتنا “كأنها جزء من حادثة الجسد والعائلة” اي نصبح عدميينَ من دونَ دراية السؤال الأحوج: مالعدمية؟! وكذا الأسئلة تنطبق على الفلسفات الأُخرى.

سينيكا عالجَ عدم وضوح الناس، وبنظرة متفحصة إلى الهزيمة الذاتية، وفي سياق إحالة الحالات البشرية إلى العادة الإنسانية المرهقة للاستعداد لكارثة وهمية، يشير سينيكا على صديقه الشاب: “ما أنصحك به هو ألا تكون تعيساً قبل حلول الأزمة، لأنه يمكن للأخطار التي يشحب لونك قبلها كما لو كان تهديدها واقعا ألا تصيبك، فهي بالتأكيد لم تأتِ بعد، وبالتالي، فإن بعض الأشياء تعذبنا أكثر مما ينبغي لها أن تعذبنا، وبعضها يعذبنا قبل أن يجب وبعضها يعذبنا في حين لا يجب أن يعذبنا على الإطلاق، إننا واقعون تحت وطأة عادة المبالغة في الأسى أو تخيله وتوقعه”.

يُرجعنا فوكو، كَما عوَدنا في شخوصه الفلسفية، وطريقة إرجاعنا لتلكَ العصور القديمة ويُصور لنا كيفَ كانت تتعامل مع نفسها ومعَ الحياة تلكَ المجتمعات، فوكو كما يُسميه البعض من الأساتذة العراقيين “مسجل فيديو تأريخي”.

يذكُر أنَ في يونان القديمة، كيفَ بدأت الكيفية التي وقع فيها تثقيفُ الذات، وتوجيه مسالكها الغاوية والمُرتبطة بظروفها الخاصة والعامة، عادةً ما تنحبسُ وأُخرى ما تغترب بسبب نفسها أو بسبب السُلطة التي توجهها، حيث ينتظمُ إستعمال المُتع حول مبدأ يسميه اليونانيون “الإعتدال” أو SOPHROSUNE لكن هذا الإعتدال لا يتُم إلا من خلال شروط، فالتحكمُ بالذات ليس سهلاً كما يدعي مُمتهنو كتابة “ترويض الذات، و نظريات الفستق”.

الإعتدال مُختلف عبر كُل العصور، بإختلافه الزماني والمكاني كذلك، لكن اليونانون كانوا يأخذونهُ من جانب “التلوين التقشُفي” حيث تُكبَح الدوافع الشبقية أولاً، وكُل الشهوات المُرتبطة بـ “فيزيولوجية الجسد” هذا يتطلبُ تمريناً و تدرُباً كبيراً، ثم إظهار القُدرة على هذه الذات، أو كما يقول جان بيار فرنان “إنَ وقار السلوك وعفتهُ لهُ دلالة مؤسسية، فهُما يُعبران عن موقف أخلاقي و سايكولوجي حسِن” كما علمنا نيتشه كذلك أن نتَحذر من العواطف والأهواء، فالحُب مثلاً بروحنته الشبقية من المُمكن أن يكونَ مصدراً لأوجاع الرأس ومُمتَصاً لسلوكنا الغذائي والطبي في تمهين الذات، لأنَ الموتَ جزء من الحياة أما ما بعدَ الموت “لا يعنينا أبداً”.

أفلاطون، أحد أشهَر طَلبة سُقراط يذكُر في الكتاب الرابع من الجمهورية “فضيلة التوازُن” هذا التوازن يُعلمنا سلوك الإنسجام اللغوي اللفظي والحركي، أما المسألةُ الأعقد فهي الأعتدال أمام الدولة أو الفردانية، عدم توافق هاتين العلتين، ينتج مواطن غير قادر على تبييض سلوكهُ المُظلم.

“ثِق بالموت فهو قاضي الذات” تلك هي الرسالة السادسة لسينيكا، أعتقد أنَ يقظة الذات تبدأ عندما نتطلع لظهور الموت داخل الحياة، فهو أبُ السلوك والفظائع، ناهي كُل مُجاهدات النفس المُعبأة بالرفض والتحرُك، وهذا تمرين كذلك يعلمنا أن التقشُف الذاتي والإعتدال يبدأ عندما نفهم أنَ كُل شيء زائل ومُهدد بالإنقراض.

“على المرء أن يتَحسس كُل أعضائه، بما في ذلك إستدارة الجسم من الخلف” هكذا كانَ يقول إبن رُشد في “كتاب النفس” ثُم يكمل أنَ إعتلال الصحة البدنية يورط الدماغ بعِلة التشويش.