شتمنِي كثيرٌ من الأدعياء والأغبياء والمتخلفينَ على صفحات موقع ( الفيس بوك ) ، من خلال تعليقات كثيرة ، بسبب مقالتِي الأخيرة التي نشرتها في تلك الصفحات ، واستخدم بعضهم كلماتٍ نابية خارجة عن حدود الأدب والذوق والأخلاق ، ولمْ أردَّ على واحد منهم ولو بكلمة واحدة ، ولم أحذف أيَّ تعليق منها ، لأمرينِ اثنينِ لا ثالثَ لهما . أولهما : ثقتي بنفسي واحترامي لها واعتدادي برأيي ، أكبر من أنْ أنزل إلى مستوى هؤلاء المتدنِّي أصلاً ، فبمجرَّد حواري مع أحدهم بنفس طريقته أو حتى حذفي لتعليقه ، سيرفع شأنه ويعلي قدره ؛ وثانيهما : إنَّني متعوِّد على السباب والشتائم بسبب آرائي وكتاباتِي ، لذا فأنا أردُّ على النقد ولا أردُّ على الشتائم .
بالغ أحدهم في السباب وغالى في الشتائم وأسرف في التعدِّي عليَّ وعلى صديقٍ لي ، هو الذي اتفق معي أو راقه رأيي وأعجبته فكرتي وفرضيَّتي فأثنى على نظرتي ونظريَّتي ؛ لكنَّ هذا التافه الأرعن – وهو في غمرة انفعاله هذا وهيجانه ذاك – وجَّه إليَّ سؤلاً مهماً وخطيراً جداً ، أجزم أنَّه هو نفسه لا يعرف لا أهميته ولا خطورته ، لأنَّه كتبه بأسلوبٍ عشوائي وبعربيةٍ ركيكةٍ وبطريقةٍ شاذةٍ ، بالتأكيد لنْ انقله لكم كما وصل إليَّ ، لكنَّي سأكتبه بطريقة مؤدَّبة تمكنني من التعليق عليه ، سأل الولدُ : لماذا تكتب بجانب اسمك يا رمزي العبيدي ( كاتب وناقد ) ؟ ، وكحل سؤاله بشتيمة وشتائم ! ، ضحكتُ وتقهقهْتُ وأشفقتُ عليه ، وأجبْتُ نفسي ولم أجبه : لأنَّني كاتبٌ وناقِدٌ ؛ بعدها فكَّرْتُ أنْ أطلع عليكم بنظرتي إلى النقد ونصيحتي إلى الكُتَّاب ، وهي :
إنَّ هناك جملة أمور يحتاجها كاتب النقد : الأدبي والاجتماعي ، لتعينه وتساعده أثناء تصدِّيه للكتابة النقديَّة في الأدب والاجتماع ، منها أنْ يوجه الكاتب لنفسه سؤالاً عن الجديد والمختلف في موضوعه ، والتوقيت ليس شرطاً لهذا الاستفسار ، بمعنى أنْ الكاتب يستطيع توجيهه لنفسه قبل الكتابة أو أثناءها أو بعدها ، وهو الرابح هنا بكلِّ هذا وحده في جميع الأحوال .
وتسألنِي كيفَ ؟ ؛ أجيبك فوراً : إنَّ مجرَّد طرحك على نفسك مثل هذا الاستفهام سيجعلُ تفكيرك يتوجَّه يميناً وشمالاً أو شرقاً وغرباً ، ممَّا يساعدكَ على توليد الأفكار والمعاني التي عليك صوغها بأسلوبك القوي الرَّصين الخالي من الزلات اللغوية والأخطاء النحوية والعثرات الصرفية والسقطات الإملائية ؛ ولا تنسَ أنْ تتجنب التكرار الممقوت في الكلمات ، المكروه في الحروف ، المذموم في المعاني ، عندها ستتمكن من القول وفنِّه ، وستستطيع التلاعب بالحرف والكلمة ، وبالكلمة والحرف ، وبالتالي بالألفاظ عموماً ؛ بعدها يمكنك أنْ تنظِّر وتطرح أفكارك وتوجِّه سهام نقدك كما تشاء ؛ ولا تلفِتْ إلى أدعياء الثقافة وأنصاف الكُتَّاب الذين ما عندهم سوى البذاءة من سلاح ؛ واعلم أنَّ اختلاف الجمهور المثقف معك ومخالفتهم رأيك لا يعيبه – ولا يعيبهم أيضاً – بلْ يدعمه ويقوِّيه بأنْ يجعل حوله حركة نقاش وساحة تبادل للآراء والثقافات والمعارف ، بغض النظر عمَّن سيتفوق ويثبت صحَّة استنتاجاته وتخريجاته أنتَ أم قرينُكَ .
وكنْ كما أنا أكتبُ لنفسي قبل أنْ أكتبَ لقرَّائِي ، معنى ذلك أنَّني أكتبُ لأريح نفسيَّتي وأسعدها ، وأنشر لأرضيها وأزهو بها ، فكذا أريدك ؛ وتذكَّر أيضاً أنَّ الكتابة اليوم أصبحَتْ لا تطعم خبزاً ، إلا إذا سخَّرتها لخدمة الطغاة والمجرمينَ ممَّن تسلَّطوا على رقاب الناس في بلداننا العربية ، أو صرْتَ بها داعية إسلامياً ، وفي الحالتينِ تكون تافهاً ضحلاً لا تستحق الاحترام ، لأنَّك دُسْتَ على ضميرك وقتلتَ إنسانيَّتك وآذيتَ نفسك قبل أنْ تؤذي غيركَ .
إذا أردْتَ أنْ تنقد نصاً كتابياً لكاتبٍ ما ، يجب عليك أنْ تتجرَّد أو تجرِّد نفسك من كلِّ الأمور والخلافات الشخصية بينك وبينه ، سواء أ كنتَ تعرفه شخصياً أم لا تعرفه ، ولا تسمح أبداً للغير وقرينك معهم أو بينهم ، أنْ يجرُّوك إلى شخصنة الموضوع – أي جعله أو تحويله شخصياً بينكما – الذي أنتما بصدده ، واكتب نقدك على وفقاً لمحاور الكلمات التي طلع عليك بها خصمُكَ ، فَهَلهِلْ عبارته وادمغها ومزِّقها واسخرْ منها كما تريد ، لكن دون أنْ تتعرَّض لإنسانيَّة كاتبها أو تنتقص من كرامته بكَلِمٍ بذيء أو تعبير شاذ خارج عن حدود الأدب والذوق والأخلاق ؛ واعتذر حين يتوجَّب عليك الاعتذار ، واعترف بخطئك عندما تخطئ ، واستدرك على خطئِكَ قبل أنْ يستدركَ أحدٌ عليك ، ولا تسمح لأيِّ واحدٍ أنْ يفرض رأيه عليك ، فرأيكُ يجب أنْ يكون أغلى من حياتك .
لا تفهمني خطأً ولا تقولنِي ما لمْ أقلْ ! ، أنا لا أوصيك بالتزمُّتِ المقيتِ ، ولا التعصُّب الأعمى ، ولا العناد الفارغ ، لئلا تصبحَ طبلاً أجوفَ يَستخِفُّ به مَن هو أقلُّ منه علماً وأدنى منه ثقافة ؛ لكنَّني أوصيك بتقليد غيرك في المظهر لا الجوهر ، بمعنى أنَّك إنْ أردْتَ تقليد أحد أساتذتك الذينَ علَّموك ، قلِّده – مثلاً – في طريقته في المطالعة ، أي طريقته في اختيار ما يقرأ ، ولا تقلِّده في أسلوبه الكتابي لئلا يُنسَبَ جهدك إليهِ .
كوِّن لنفسك شخصيَّة قوية واحترمْها ، ولا تطلبْ من الآخرينَ أنْ يحترموها ، لأنَّ احترامهم لها هو تحصيل حاصل لاحترامك الأوَّل لها ؛ ودافع عنها قدر مستطاعِك مستخدماً ذكاءَكَ وعقلك الذي يجب عليك أنْ تكتب به دائماً ، وإيَّاك إيَّاك أنْ تكتب يوماً بعواطفك ؛ ولا تغترَّ بتلك الشخصيَّة التي كوَّنتها لنفسكَ حتى لا تضعفها وتقلِّل احترام الناس لها ، وإنْ اغتررْتَ فاغترَّ على نفسك لا على الآخرينَ ، واحذر أنْ يلحظوا غرورك ، فتقع من دون أنْ تحسَّ بين أنياب فكيهم ؛ كنْ معتدلاً موضوعياً وسطياً ، وبهذا ستبتعد من دون أنْ تدري عن التطرُّف والانحراف .
وليكن معلوماً لديك أنَّ أيَّ ناقدٍ أدبي متمكن من الأدب يمكنه أنْ يتحول إلى ناقد اجتماعي بسهولة ويسر وبدون عناءٍ ، والعكس غير صحيح ؛ كما الأديب اللبيب البارع في الأدب – كلُّ أديب – إذا أراد أنْ يتحوَّل إلى صحافي أو يشتغل بالصحافة ، والعكس غير صحيح عند الصحافي إذا أراد تغيير نشاطه ليمارس الأدب ، لأنَّ الأدبَ هو الحياة ، وهذا هو تفسيري لـ ( معنى كلمة أدب ) ، نعم : الأدبُ هو الحياة .. الأدبُ هو الحياة .
بقي عندي شيءٌ واحد لنْ أعلِّمكَ إيَّاه ، أو لنْ أخبرك عنه ، حتى أبقى متفوِّقاً عليك دائماً ، ولا سبيل أمامَك لأنْ تغلبنِي وتتفوَّق عليَّ إلا أنْ تحزر ما هو ؟ ! .
ـــــــ
كاتب وناقد عراقي مقيم بدمشق
[email protected]
[email protected]