يعد قطاع التعليم ولجميع مراحله الدراسية واحد من اهم القطاعات في أي بلد كان ، سواء في بلدان دول المركز او في دول الاطراف ناهيك من ان الدول الاشتراكية الاتحاد السوفيتي انموذجا اعطى اهمية كبيرة لهذا القطاع الحيوي والمهم وهذا تم من خلال التخصصات المالية الكبيرة لهذا القطاع، ففي الاتحاد السوفيتي مثلاً كانت السلطة السوفيتية تخصص سنوياً نحو 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بهدف تطوير هذا القطاع الحيوي في المجتمع، فهو الذي يعد كافة الاختصاصات العلمية والمهنية ومن مختلف الاختصاصات العلمية التي يحتاجها الاقتصاد الوطني من كوادر علمية وفق خطط اقتصادية طويلة الأمد متوسطة الامد وقصيرة الامد ،وجميع المراحل الدراسية مجانية للجميع وبدون تمييز ، ومبدأ المنافسة العلمية بين الطلبة هو المعيار الرئيس لذلك بدليل في الاتحاد السوفيتي في عام 1960 كان عدد العالمين في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي نحو 354،2 الف كادر علمي زاد الى 1373،3 كادر علمي في عام 1980 وفي عام1984 وصل العدد الى 1462،4 كادر علمي. التعليم للجميع ومجانية التعليم لجميع المراحل الدراسية ولا يوجد قطاع خاص مافيوي في قطاع التعليم ولجميع مراحله الدراسية.
##خطر نهج التبعيث في قطاع التعليم
يلاحظ ان التعليم العالي ولجميع مراحله الدراسية في زمن حكم حزب البعث للمدة من اواسط السبعينيات من القرن الماضي ولغاية الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 خضع الى اسوأ مبدأ او نهج الا وهو سياسة التبعيث لجميع المراحل الدراسية وخاص المعاهد والجامعات كمبدأ عام ، وتم غلق حصر بعض المعاهد والكليات لا اعضاء الحزب الحاكم اما الكلية العسكرية وكلية الشرطة والامن الوطني فهي مغلقة 100 بالمئة لاعضاء الحزب الحاكم حصرياً. اما بخصوص الكليات والمعاهد العراقية فبعضها تم حصرها لاعضاء الحزب الحاكم ومنها معاهد تخريج المعلمين والمعلمات وبعض الكليات ومنها كلية التربية التي تخرج مدرسين وكان هؤلاء الطلبة هم من اصحاب (( الجروخ)) اطلق عليهم اي اصحاب المعدلات الواطئة 50-55 بالمئة وهم اشبه بالفاشلين علميا وكان نجاحهم مضمون في الكلية، الهدف الرئيس من هذا النهج هو الهيمنة والاستحواذ الكامل على قطاع التعليم ولجميع مراحله الدراسية وفق منهج تبعيث التعليم، وكانت النتائج كارثية من الناحية العملية في اعداد الكوادر العلمية، اضافة الى ذلك فان الحزب الحاكم وخلال الفترة من اواسط السبعينيات حتى سقوط النظام تم حصر الدراسات العليا سواء في الداخل اوالخارج لاعضاء الحزب الحاكم بنسبة 98 بالمئة وتم الانحطاط الكبير لقطاع التعليم من الثمانينات من القرن الماضي ولغاية سقوطه، كما وقام النظام السابق بابعاد المعلمين والمعلمات، المدرسين والمدرسات وأساتذة الجامعات والمعاهد العراقية وخاصة العناصر التقدمية واليسارية والشيوعية وخاصة من الجامعات واعتبروا هؤلاء عناصر هدامة وتم وصفهم (( بالزنابير)) التي تسمم الفكر وهذا تم في وجود ما يسمى( بالجبحة اللاوطنية ) وتم نقل اليساريين والشيوعيين اما الى الوزارات او الاحالة على التقاعد للتخلص منهم. اما بخصوص المستوى العلمي للخريجين او مستوى الرسائل والاطروحات فكان اغلب هذه الاعمال العلمية دون المستوى العلمي المطلوب في شكلها ومضمونها وانعكس هذا سلباً على قطاع التعليم ولجميع مراحله بشكل كارثي ومأساوي وخاصة بعد الثمانينات من القرن الماضي ولغاية عام 2003 ، وهذه حقيقة موضوعية لا يمكن انكارها وكانت سياسة التبعيث، او نهج التبعيث قد استهجن من المعارضة السياسية العراقية بشكل عام والشيعة بشكل خاص. الشيئ الوحيد والايجابي في النظام السابق هو لم يسمح للقطاع الخاص المافيوي من العمل في هذا القطاع الهام الا بحدود معينة وخاصة في الفترة الأخيرة من الحكم.
## خطر اسلمة التعليم بعد الاحتلال الامريكي للعراق ولغاية اليوم.
يلاحظ ان قادة نظام المحاصصة السياسي والطائفي والقومي والمدعوم اقليميا ودولياً قد اتبع اخطر من اسلوب التبعيث في قطاع التعليم ولجميع مراحله الدراسية بعد ان كان قادة نظام المحاصصة ينتقدون سياسة التبعيث في قطاع التعليم ولجميع مراحله الدراسية، فهم احتكروا الدراسات العليا للأحزاب السياسية المتنفذة اليوم في الحكم سواء في القبول للدراسات العليا ماجستير، دكتوراه او في البعثات، الدراسات في الخارج اضافة الى ذلك غياب المعايير العلمية في القبول للدراسات العليا وكما يلاحظ ايضاً ان الجامعات والمعاهد العراقية تخرج الاف الطلبة والطالبات سنوياً وبدون تخطيط وفق حاجة الاقتصاد والمجتمع للاختصاصات العلمية ،كما وتم تشريع قوانين تهدف الى ابعاد الكفاءات الوطنية بقصد سياسي ومنها تحديد سن التقاعد مثلاً وتم استخدامه سلاح ذو حدين لا يختلف عن سلوك النظام السابق.
ان من اخطر افرازت نظام المحاصصة المقيت في مجال قطاع التعليم ولجميع مراحله الدراسية هو فتح الباب واسعاً امام القطاع الخاص ، فبدأ المتنفذون في السلطة بفتح المدارس والمعاهد والجامعات العراقية وبدون ضوابط دقيقة، انه قطاع هدام وتخريبي لان هدف القطاع الخاص المافيوي والطفيلي والفاشل في قطاع التعليم ولجميع مراحله الدراسية هو الربح وتعظيم الربح وليس تطوير التعليم اصلاً، المؤشر الرئيس هو الربح الخيالي والمرعب الذي يدخل الى جيوب المتنفذين في السلطة الحاكمة وان هذه المؤسسات التعليمية تعود لقادة الاحزاب والكتل والتيارات السياسية المتنفذة اليوم في الحكم واصبح النهج المتبع في هذا القطاع العام وفق المعادلة التالية ::( نقد — سلعة — نقد اضافي) نقصد بذلك ان المتنفذين في السلطة حصلوا على اموال وهي في الغالب غير شرعية، اي التراكم الراسمالي الذي اشار اليه ماركس انه رأسمال اجرامي غير شرعي فهم يملكون المال + السلطة + السلطة التشريعية والتنفيذية تسهل لهم الاستثمار المضمون في التعليم فهنا حولوا هؤلاء الطفيليون الطالب سلعة يباع ويستخدم لاغراضهم الخاصة بهدف الحصول على الربح اما الجانب العلمي ومستوى الطالب العلمي لا يهم هؤلاء السماسرة اصلاً ، ومن هنا ينشأ الخطر الحقيقي على مستقبل الشعب العراقي، وعلى العراق، فهم يهدفون الى تكريس التخلف والجهل في الواقع الموضوعي والعلمي اذا يلاحظ ان الغالبية العظمى من الخريجين سواء من المعاهد والجامعات العراقية حكومية، خاصة فهم اشباه اميين ليس الا. اما بخصوص النجاح فهو مضمون في المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة فالطالب مجرد يعد سنوات يحصل على شهادة البكالوريوس مثلاً وكذلك لطلاب الدراسات العليا. الطلبة والطالبات الاوائل واصحاب الكفاءات العلمية لا يتم قبولهم في الدراسات العليا لان ليس لديهم واسطة او انتماء حزبي، هنا لا اقصد التعميم هناك 5-10 بالمئة يستحقون الدراسة في الكليات والمعاهد العراقية وفي الدراسات في كل كلية لا يستحق الا 5-10 طالب سنوياً للقبول في الدراسات العليا.
في نهج اسلمة التعليم ولجميع مراحله الدراسية انتشرت ظاهرة الشهادات المزورة ثانوية ماجستير، دكتوراه ، بدليل تشير التقديرات بوجود نحو50 الف شهادة مزورة ناهيك عن الشهادات المزورة بكالوريوس، شهادة الاعدادية….؟ كما عمل قادة نظام المحاصصة على احتكار الدراسات العليا في داخل العراق والبعثات لاحزاب المحاصصة بالدرجة الأولى وكما تم تشريع قوانين تخدم بالدرجة الأولى اعضاء احزابهم حول الدراسات العليا والبكلوريوس اضافة الى الدارسين على نفقتهم الخاصة فالغالبية العظمى من هؤلاء هم من المتمكنين مادياً سواء المبعوثين او الدراسين على حسابهم الخاص، ففي اغلب الدول توجد مافيات تعمل كوسيط بين طلبة الكليات وطلبة الدراسات العليا بخصوص تقديم الامتحانات ولكل مادة سعر خاص وبالدولار وكذلك كتابة الرسائل والاطروحات فالغالبية العظمى من هؤلاء يقضون الليالي الحمراء والشهادة بالجيب 100 بالمئة ويرجعون للبلد حاملين شهادات علمية وهم من الناحية العلمية فارغين. كما يلاحظ غياب دور المحلقيات الثقافية لمتابعة الطلاب الدارسين….؟
## احصائيات مرعبة
تفيد المعلومات بوجود نحو 70 الف طالب دراسات عليا ( ماجستير، دكتوراه) في ايران فقط وفي لبنان نحو30 الف طالب فقط وفي العراق نحو 28 الف طالب دراسات عليا ؛ علماً الطاقة الاستيعابية هي 10-11 الف طالب في عموم العراق، وبافتراض عدد طلاب الدراسات العليا في الخارج دول عربية او اجنبية من الدارسين في الكليات ومن مختلف الاختصاصات وكذلك الدراسات العليا للطلاب الذين يدرسون على نفقتهم الخاصة ، نحو 10 الاف طالب وطالبة فسيكون المجموع الكلي نحو 138 الف طالب منهم 95 بالمئة طلاب دراسات عليا؟ والاعداد في تزايد مستمر؟ هل فعلاً العراق محتاج الى هذه الاعداد من طلبة الدراسات العليا؟ اما الاعداد بمئات الالاف من خريجي الجامعات والمعاهد العراقية الحكومية والخاصة؟ هل يمكن ان يستوعب الاقتصاد العراقي هؤلاء الخريجين؟
## ما العمل؟
1- المطلوب اعداد استراتيجية واضحة الاهداف والمعالم حول اعداد الكوادر العلمية التي يحتاجها الاقتصاد العراقي فعلاً، استراتيجية تقوم بإعدادها وزارة التخطيط بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية والصناعة والزراعة لمدة لا تقل عن 20 عاماً، خطة بعيدة المدى متوسطة المدى وقصيرة المدى مع الاخذ بنظر الاعتبار معدل النمو السكاني للفترة الزمنية.
2- العمل في التوسع في فتح المعاهد الفنية والمتوسطة التي يحتاجها الاقتصاد العراقي اي اعداد الكادر الوسطي والكادر المهني التي تحتاجها القطاعات الانتاجية والخدمية وان تستوعب الجامعات والمعاهد العراقية نحو 30 بالمئة من خريجي الثانويات فقط، اما البقية من الخريجين ال70 بالمئة يتم قبولهم وفق رغباتهم في المعاهد الفنية والمهنية من مثل معهد الصناعي والزراعي، السياحة، الادارة، المحاسبة….، اي ما يحتاجه الاقتصاد الوطني من كوادر مهنية بالدرجة الأولى.
3- العمل على الغاء بعض الجامعات والمعاهد العراقية الخاصة ان لم نقل جميعها لانها لم تسعى الا لتحقيق الربح وتعظيمه من حيث المبدأ وكذلك العمل على اغلاق المدارس والثانويات الخاصة الاهلية لانها تشكل كارثة على المجتمع وهي ايضاً تهدف الى الربح بالدرجة الاولى ومنع التدريس الخصوصي مقابل ذلك وضع سلم للرواتب العاملين في قطاع التربية والتعليم العالي بشكل مقبول والعمل بمجانية التعليم ولجميع مراحله الدراسية، بما فيها الدراسات العليا واعتماد مبدأ الكفاءة العلمية في القبول في الكليات والمعاهد العراقية وقبول 30 بالمئة ووضع ضوابط علمية محددة للقبول في الدراسات العليا داخل و خارج العراق بعيداً عن تدخل الاحزاب السياسية في ذلك.
4- التدخل المباشر من قبل الدولة في قطاع التربية والتعليم العالي بشكل مباشر ومن خلال زيادة التخصيصات المالية بما لا يقل عن 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وان الخطأ في اعداد الكادر العلمي الدراسات العليا والذي يحتاج 22-25 عاماً والعمل على تصحيح الخطأ يحتاج لنفس الفترة 22-25 عاماً، علماً ان العلم يتطور في الساعة واليوم والشهر؟