هناك تشابهات كثيرة بين الحيوان والإنسان كالسمع والبصر والشم الخ، لكن الشيء الوحيد الذي يميز الإنسان عن الحيوان هو العقل، الذي يتطور عبر مراحل عمر الإنسان، ويجمع خلال رحلته في ثنايا الحياة في بنك معلوماته غير المحسوس مفردات الحياة بكل أشكالها المجردة والمحسوسة، وخاصة ما يتعلق بمعرفة الصح من الخطأ، الجيد من السيئ، الحق من الباطل، البراءة من الجريمة، الاستقامة من الفساد الخ. بينما الدماغ هو المركز الملموس الذي يوجد في الرأس. يقول لنا العلماء، أنه يتكون من مائة مليار خلية عصبية. لكن لكل جزء من هذه الخليلة وظيفة محددة يقوم بها كي تساعد أي عضو معني في الجسم على الحركة وأداء واجبه على أكمل وجه. الذي أريد أن أقوله هنا، أن العقل البشري يتأثر ببيئته، بما يجري حوله سلباً وإيجابا؟ مثلاً، لا يمكن أن تزرع طماطم يعطيك تفاح.
بلا شك يعرف القارئ اللبيب حين جاء الإسلام في شبه جزيرة العرب كانوا مجتمعاً بدوياً قاسياً لا يعرف شيئاً من الحضارة الإنسانية، جل حياتهم كانت الغزو والقتل والسرقة وأخذ الثأر، حتى لم يرحم الأخ أخاه، ولا الأب وليدته، من أجل هذه الخشونة المفرطة في الحياة نهرهم القرآن و وصفهم وصفاً قاسياً حين قال: الأعراب أشد كفرا ونفاقا.. . وفي سورة الفتح قال عنهم: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا.. . هنا ذمهم القرآن، لكن بلغة العصر يقال انتقدهم وذلك بسبب ما هم فيه من جهل وتخلف واللامبالاة. كانت هذه هي حياة غالبية العرب، حتى أن القرآن في آيات أخرى ناشدهم بلغة فيها شيء من الزجر عندما قال لهم في سورة يوسف: إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون. عزيزي المتابع، أن العرب بهذه المواصفات.. الذي أشرنا لجزء يسير منها خرجوا من شبه جزيرتهم الجرداء لنشر العقيدة الإسلامية إلا أنهم حين رأوا الخير الوفير في تلك البلدان نهبوا خيراتها وأذلوا أهلها أشد إذلال واستوطنوها ولم يعودوا إلى ديارهم. للعلم أن الكورد أول الشعوب التي دخلت الإسلام بحد السيف بعد العرب في شبه جزيرتهم.. وذلك في عام 18 للهجرة. إن أعمال العنف والإرهاب الذي نشاهده اليوم في بلداننا من قبل الحكومات العربية أو التنظيمات الإرهابية العربية الذين يقومون بها هم أحفاد أولئك الأعراب الأوائل الذين قدموا إلى وطن الكورد كوردستان عبر نهري فرات ودجلة.
لا توجد فرقة أو فرق سمت نفسها شعوبية التي زعم العرب أنها تبغض العرب وتحط من شأنهم وتفضل العجم عليهم، بلا شك أنها ليست هكذا، مصطلح عنصري أوجده العرب ضد الشعوب التي أرادت من العرب المسلمين أن لا تضعهم في مرتبة دنيا في سلم العلاقات الاجتماعية والدينية على سبيل
المثال وليس الحصر، إن إمام مسجد غير عربي في زمن سلطة العباسيين لم يسمح له أن يؤم العربي المسلم بالصلاة؟. أضف لهذه، فئة أخرى من المغضوب عليهم سموا الموالي، لقد ظهرت هذه الجماعة إلى الوجود نتيجة السبي الذي قاموا بها ضد غير العرب، وهؤلاء أيضاً أقل مرتبة من العربي، حيث لا يسمح له الانضمام إلى الجيش المؤلف من العرب، لكن عند الاحتياج لهم قبلوهم كمحاربين مشاة لا يسمح لهم امتطاء الجياد؟؟!!. لقد عاش الموالي في ظل الحكم العروبي الأموي والعباسي حالة متردية وفرضت عليهم دفع مبالغ كبيرة كضرائب وغيرها. بينما العروبيون كانوا يتمتعون برغد العيش، لأن مفاصل دولة الإسلامية كانت بأيدهم. بسبب تعرض هؤلاء الموالي للظلم الشديد على أيدي العروبيين كانوا يزيلون عن كربهم وهمومهم بطور من الغناء الحزين، ومع مر السنين انتشر هذا الطور الشجي بين الناس وحمل اسمهم موال أو مواليا وهو طور حزين يؤديه المغني. عزيزي القارئ، بلا شك بعد الغزو العربي للبلدان غير العربية حدثت انتهاكات كثيرة وخطيرة ضد شعوب تلك البلدان وفي مقدمتها الشعب الكوردي، لأنه كما قلت قبل قليل، أن الكورد أول شعب بعد العرب دخل الإسلام بالغزو وليس بالدعوة والتبليغ؟. على أثر هذه الاعتداءات المستمرة عليهم وعلى ممتلكاتهم رددوا في وجوه أولئك الذين اضطهدوهم آية قرآنية التي تقول: يا أيها الناس إنا خلقناكم مِن ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير. بعد رفع هذه الآية بوجه العروبيين فلذا سموهم بالشعوبيين نسبة لاسم الشعوب الذي جاء في الآية المذكورة. طبعاً هناك تفاسير للآية تُعرف مصطلح الشعوب تعريفاً غير ما هو عليه اسم الشعوب اليوم؟. عزيزي القارئ، من الذين قتلوا غدراً واتهم بأنه شعوبي والي خراسان الذي اسمه (بهزاد) لكنهم كالعادة عربوا اسمه إلى (أبو مسلم الخراساني) وهو الذي قضى على الأمويين وجاء بالعباسيين إلى سدة الحكم، لكن أبو جعفر المنصور ذلك العروبي.. ابن الحسب والنسب قتله غيلة بعد أن استضافه في قصره!! لاحظ عزيزي، (الشعوبي) المتهم بأنه لا قيم له يلبي دعوة العروبي ويأتي من خراسان التي تبعد عن بغداد آلاف الكيلومترات ملبياً دعوته وحاملاً الهدايا الثمينة له، لكن الخليفة العروبي يغدر بضيفه الشعوبي الذي جاء به وبعائلته إلى سدة الخلافة وهو باستضافته في قصره وجالس على مائدته؟؟!!. لم يكتف العروبي أبو جعفر بارتكاب هذه الجريمة النكراء بل جاء بعد قتل الشعوبي الذي قلنا أن له الفضل عليه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه بشويعر أسود اجتر شعراً ركيكاً شتم فيه المغدور أبو مسلم وشعبه الكوردي!!.
دعونا نلقي نظرة على جرائم العروبيين ضد من سموا بالشعوبيين في العصر الحديث لنرى من منهم يحمل قيم ومبادئ إنسانية ومن منهم ليس سوى حيوان مفترس بجلد إنسان؟. ثانياً: بعد المغدور بهزاد، كان ملك (محمود الأول) الذي ذهب عام 1917 مع 1500 من القوات الكوردية إلى البصرة لمقاتلة الإنجليز (الكفار) دفاعاً عن إخوانه المسلمين واستقبله أهالي المنطقة بهوسة معروفة: ثلثين الجنة لهادينا ثلث الكاكه أحمد وأكراده.. .لكن كالعادة بعد عدة سنوات قليلة هجم أولئك الأعراب مع الجيش الإنجليزي على مملكة ملك محمود وقتلوا العديد من الكورد الأبرياء الخ. لا أعلق على القارئ هو يعرف البون الشاسع بين الاثنين؟. ثالثاً:الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اتهم بأنه شعوبي، طبعاً هناك كلام في أوساط العراقيين عن انتمائه القومي منهم من قال أنه كوردي، ومنهم من قال أن والدته كوردية لأن الكورد يسمون بناتهم باسم كيفية لكن صيغته الكوردية كافيه جارة لنا في مندلي اسمها كافيه، إنها والدة المناضل الكوردي الذي حمل اسم والدته محمد كافية، وكذلك كافية اسم امرأة قريبة لنا. إبان حكم قاسم اعتقل العروبي عبد السلام محمد عارف وحكم عليه المهداوي في محكمة الشعب حكماً بالإعدام إلا أن الشعوبي عبد الكريم قاسم عفا عنه وذهب بنفسه إلى السجن ومسكه من يده حتى أوصله إلى داره. لكن حين قام عبد السلام بالانقلاب الإسود مع البعثيين ضد عبد الكريم وسلم نفسه لهم لم يرحمه ذلك العروبي الأهوج، ونسي كل الإيجابيات التي فعلها معه قاسم وأمر بتصفيته هو ورفاقه في دار الإذاعة بطريقة وحشية. أنظر كيف كان الشعوبي يعفوا والعروبي المتعطش للدماء ينسى ذلك الموقف الإنساني الكبير ويقتل الشخص الذي أحسن إليه بدم بارد. تماماً مثلما فعلوا بأبي مسلم الخراساني. حقاً أن هؤلاء شيمتهم الغدر. رابعاً: عام 1963 كان هناك مفاوضات بين حزب البعث الحاكم وقيادة الثورة الكوردية وكان وفداً كوردياً زار بغداد للتفاوض إلا أنهم انتهوا في السجن؟؟؟!!! وبعد أن شنوا حملة عسكرية بربرية على كوردستان وفشلت طالبوا الكورد بإرسال وفد إلى بغداد للتفاوض، قال لهم الكورد أن وفدنا في بغداد في إحدى سجونكم تفاوضوا معهم. هذه هي أخلاق العروبيون يقتلون الأبرياء ويغتالون ضيوفهم ويزجون من دعوهم للتفاض في غياهب السجون الخ الخ الخ. حقاً أن التاريخ يعيد نفسه. خامساً: العروبي وزير الدفاع العراقي في أواسط الستينات القرن الماضي المدعو عبد العزيز العقيلي عدو الشعب الكوردي، الذي وقف ضد بيان 29 حزيران عام 1966 الذي أعلنه في حينه رئيس الوزراء العراق عبد الرحمن البزاز دارت الأيام واعتقل العقيلي عام 1968 بعد مجيء البعث إلى السلطة وحكم عليه بالإعدام ثم خفض إلى السجن المؤبد. يقول الدكتور إبراهيم خليل العلاف الأستاذ في جامعة موصل في مقال طويل عن حياة عبد العزيز العقيلي: حين كان وزيراً للدفاع ظل يلح وجوب استعمال القوة ضد الشعب الكوردي. ثم يقول العلاف: من مفارقات القدر أن ملا مصطفى البارزاني لم يكن يحقد على العقيلي وبلغ الأمر بالبارزاني أنه أرسل رسالة إلى نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عن طريق (صالح اليوسفي) يلتمس منه العفو عن العقيلي المعتقل آنذاك مما يؤكد رجاحة عقل البارزاني. لاحظ الفرق بين العروبي الذي يريد إبادة الكورد وبين (الشعوبي) الكوردي الذي يلتمس العفو لمن قتل الآلاف من أبناء شعبه وأحرق قراهم؟؟. ليس هذا فقط، حتى شخص صدام حسين حاول اغتيال الزعيم مصطفى البارزاني أثناء شهر العسل الذي كان بين الكورد والسلطة البعثية حين أرسل له مجموعة من رجال الدين الملغمين بالمتفجرات إلا أنه نجا من القتل بأعجوبة وعندها كتب شاعر الكورد (محمد البدري) قصيدته المشهورة كي تكون كإصبع يغرسه في عين صدام حسين: نجوت أبا إدريس من شرك العدى … وأرواح كل الحاقدين لك الفدى … أرادوا كيد الدنيء لينسفوا .. بشخصك وظنوك رخوا العود مفردا الخ. سادسا: عام 1970 أو 1971 دعت الحكومة العراقية إدريس البارزاني نجل الزعيم (مصطفى البارزاني) لزيارة بغداد ولبى الدعوة إلا أن السلطة العروبية أعدت له كميناً لاغتياله لكنه نجا منه بأعجوبة. هذه هي شيمة العروبي مثل أبو جعفر يقتل ضيفه غدرا؟؟!!. سابعا: حادثة أخرى، حدثت بعد عام 2003 حيث أبعد حزب البعث من السلطة في العراق. في لقاء تلفزيوني قال المحامي بديع عارف: كان بيت وزير الدفاع العراقي عدنان خير الله الذي استعمل السلاح الكيماوي ضد الشعب الكوردي عام 1988 واقع بيد حزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد، يقول عارف: ذهبت إلى كوردستان وقابلت الرئيس (مسعود البارزاني) وأخبرته بأن دار عدنان خير الله بيد حزبه في بغداد وعائلة عدنان بدون دار، يقول: فوراً أمر بإخلاء الدار وإعادتها إلى عائلة عدنان. أتلاحظ عزيزي، عروبي يستعمل السلاح الكيماوي المحرم دولياً ويقتل آلاف الكورد الأبرياء لكن حين تغيرت الظروف قائد هذا الشعب المسالم المتهم بأنه شعوبي يعفوا عنه ويعيد داره إلى عائلته؟؟ هذه هي شيمة الكوردي. ثامناً: الآن توجد آلاف من العروبيين الذين لا يستطيعون العيش في بغداد أو عليهم أوامر إلقاء القبض من هؤلاء من ارتكب جرائم ضد الشعب الكوردي لكنهم يقيمون في كوردستان دون أن يمسهم أحد لأن عند الكورد الرحمة فوق القانون. عروبي يسقط الجنسية العراقي عن نصف مليون كوردي فيلي ويهجرهم إلى إيران بحجج واهية ويعدم شبابهم بينما الكوردي الشعوبي يستقبل برحابة صدر أولئك الذين أجرموا بحق أبنائه؟؟. وقبل هؤلاء في زمن حكم حزب البعث كانت القيادات الشيعية تقيم في الأراضي المحررة في كوردستان إلا أنهم بعد تحرير العراق وتبوئهم للمراكز القيادية تنكروا لجميل الكورد. تاسعاً: في تسعينات القرن الماضي أصدر الديكتاتور العروبي صدام حسين عفوا رئاسياً عن جميع الكورد باستثناء جلال الطالباني، لكن حين تغير الوضع وأصبح خارج السلطة وعائلته مشردة في أصقاع الأرض دعا الطالباني عائلة صدام حسين للإقامة في كوردستان. عاشرا: ذات الموقف الإنساني وقفه الطالباني مع العروبي طارق عزيز الذي كان يعادي الكورد بشراسة، لكن رئيس جمهورية العراق الشعوبي جلال الطالباني امتنع عن التوقيع على إعدامه الذي أصدرته محكمة الجنايات العراقية. أين هذا من ذاك؟؟. حادي عشر: الجيش العراقي المجرم، الذي نفذ جرائم خطيرة ضد الشعب الكوردي، لكن في حادثتين عام 1991 وعام 2003 حين استسلم هذا الجيش للشعب الكوردي في كوردستان أحسن إليه الكورد وآواهم وأطعمهم ثم أركبهم بالحافلات وبعثهم سالمين غانمين إلى ذويهم. لاحظ عزيزي القارئ، جيش عروبي محتل دنس أراضي الكورد لعشرات السنين، وفعل بهذا الشعب المسالم ما فعل من جرائم بشعة يندى لها جبين الإنسان، لكن حين استسلم له كالعادة أحسن إليه أيما إحسان. ثاني عشر: العروبي الآخر وهو طارق الهاشمي الذي وقف علناً ضد الفيدرالية وكوردستان، لكن حين أرادوا أن يضعوا حبل المشنقة في رقبته لم يجد مكان آخر آمناً كي يأويه سوى حضن كوردستان، فلجأ إليها وأصرت كوردستان على عدم تسليمه للأشياع رغم مطالبات به؟؟. هل يوجد عند العروبيون موقف بطولي مثل هذا الموقف الشعوبي؟؟. ثالث عشر: العرب المستوطنون الذين جاء بهم العروبيون إلى كركوك لتعريبها ولتغيير ديموغرافيتها الكوردية، لقد هربوا منها عام 2003 بعد التحرير إلى مدنهم وقراهم التي جيء بهم من منها في غرب وجنوب العراق، إلا أن (جلال الطالباني) دعاهم للعودة والعيش بأمان في كنف الكورد. لكن العروبي يبقى عروبيا حتى لو طوقته بالذهب، تشاهدون اليوم ماذا يفعل المحافظ المنحط بالوكالة ضد الكورد في مدينتهم كركوك. قارن بين الموقف الكوردي الإنساني والموقف العروبي الدنيء. رابع عشر: حتى أن داعش الذي في ظاهره إسلامي لكن في باطنه عروبي.. كان حين يغزو يَسْبي نساء الكورد ويبيعهن في أسواق النخاسة، لكنه حين كان يغزو المدن والقرى العربية كان يستثني نساء العرب؟؟. أرجو من القارئ أن يفهم هذا دون شرح مني؟؟. خامس عشر: فيما يخص بعض أعضاء حزب الدعوة من الكورد الشيعية حين كان يعتقل ويعدم تهجر عائلته إلى إيران، بينما عضو العربي في حزب الدعوة لم تهجر عائلته إلى إيران أو أي بلد آخر؟؟. إن لم تكن هذه عنصرية عروبية قبيحة ما ذا تعني إذاً؟؟.
السلام على من يناصر الكورد وكوردستان.