18 ديسمبر، 2024 8:43 م

نظرة في تطبيقات استقالة النائب في النظم البرلمانية.

نظرة في تطبيقات استقالة النائب في النظم البرلمانية.

منذ انتشار افكار الثورة الفرنسية عام 1789 نجد أن نظرية الوكالة او الانابة التي نادى بها كل من المفكر الفرنسي جان جاك روسو في عقده الاجتماعي أو المفكر مونتسكيو والقائمة على فكرة عدم إمكانية تطبيق الديمقراطية المباشرة ، وانما يتم التطبيق بعملية انتخابية يتم بموجبها توكيل المرشح الفائز عن دائرته بتمثيل مصالح ناخبيه وتحقيق مطالب دائرته ، ولكن نتيجة للتطور الذي طرأ على العملية الديمقراطية ، فان النائب لم يعد يمثل دائرته ومنتخبيه ، إنما صار بحكم وحدة اهداف البرلمان صار النائب يمثل عموم الناخبين ، والوكالة كما حددتها الثورة الفرنسية ، هي وكالة جماعية بمعنى أنها ليست ذات صلة فردية صادرة عن أفراد لأفراد ، بل إنها من الأمة كوحدة جماعية للمجلس بمجموعه ، وان النواب يمثلون الأمة جميعها باعتبار أن سيادة الأمة كل لا يتجزأ ، بالتالي فان النواب بهيئتهم الانتخابية يمثلون مجموع الكيان الوطني، أي صاروا يمثلون الشعب بأكمله ، ولا يمتلك النائب الحرية في الخروج عن متطلبات هذا التمثيل ، لأن هذا الخروج يعد خروجا على القوانين ، لأن الحرية ،، حسب تعريف شارل مونتسكيو ، هي حق الإنسان في عمل ما تجيزه القوانين ، كما وان الانتخابات كما جاء في كتيب أصدرته مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ، تدعم شرعية الحكومات والقادة السياسيين وفي ظل احترام معايير حقوق الإنسان ، وتساعد الانتخابات على بناء دول وحكومات قوية ومشروعة لأنها تكن الاحترام لشعوبها وتمكنها من التعبير عن ارادتها،، باختيار من يمثلها.،
أن النائب المنتخب يحمل وكالة ( أنابة عامة ) وهو وان كان مرشح حزب أو كتلة ، فإنه بعد فوزه بالمقعد يغادر من الناحية القانونية إطار الحزب أو الكتلة إلى فضاء أرحب هو فضاء الشعب ، لأن فوزه لم يكن بأصوات حزبه فقط وانما بأصوات أخرى ربما لم تكن إلا اصوات من يرون فيه الكفاءة والقدرة على تمثيلهم ، بالتالي فان النائب لم يعد نائب الحزب أو نائب لمنطقة ، بل نائب كل الناس ، وهذا ما ذهبت إليه المادة ٤٩ من دستور العراق لعام ٢٠٠٥ والتي مفادها أن النواب يمثلون الشعب العراقي بأكمله ، وان قانون الانتخابات رقم ٩ لسنة ٢٠٢٠ ، يهدف في اولا من المادة الثانية منه إلى مشاركة الناخبين في اختيار ممثليهم في مجلس النواب ، هذا وقد أخذ الدستور اللبناني في المادة ٢٧ بهذا المبدأ إذ نص على أن عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ،
أن ما يقصده المشرع في كل دول العالم الديمقراطي المتمدن هو أن الناخب ضمن القائمة الحزبية أراد من خلال هذه القائمة أن يفوز النائب الذي يؤمن بقدرته وما الحزب أو الكتلة إلا وسيلة منظمة سياسيا ومجازة قانونا لترتيب أولويات الانتخاب لا احتكار النتائج ، أو التلاعب بالمخرجات ،
أن ما قامت به الكتلة الصدرية في الدورة الحالية لمجلس النواب يعد خروجا على المألوف سياسيا وجدير بالدراسة أكاديميا ، فبالرغم من كونها الكتلة الاكثر عددا والتي تنطبق عليها احكام الفقرة اولا من المادة ٧٦ من الدستور النافذ لولا التفسير الخاطئ للمحكمة الاتحادية لعام ٢٠١٠ ، والذي جاء مخالفا لكل ما استقر عليه الفقه الدستوري ، أو ما اخذت به الديمقراطيات العريقة من أن الفائز للتو ( للوهلة الأولى) هو من له حق تشكيل الحكومة ، ولان الكتلة تمثل نسبة نيابية عالية تصل إلى ٢٢,٥ ٪ ، من عدد أعضاء مجلس النواب البالغ ٣٢٩ نائبا ، فإن القبول الهيين لهذه الاستقالة يعد استهانة بأصوات عموم الناخبين العراقيين ، وأنه بعد خروجا عن المألوف برلمانيا ، إذ أن الأمر يتطلب دعوة مجلس النواب الى جلسة استثنائية وتقبل الاستقالة الجماعية بالتصويت ، كما وان تضحية الكتلة بهذا العدد الكبير تعد سابقة لا يمكن الأخذ بها لأنها تحمل بطياتها بذور التخلي عن الأصوات الصحيحة ، كما وان التعويض من المرشحين الخاسرين لم يكن ليرقى إلى مستوى التصرف الديمقراطي الصحيح لكثرة العدد المستقبل ولأهمية المقعد النيابي ، كما وان البدلاء عن النواب المستقلين هم أعلى الخاسرين في دوائرهم الانتخابية وفقا لقرار المحكمة الاتحادية المرقم ١٤٤ / اتحادية . في ٢٠٢١/١١/١٤ ، هم نواب قرار خاطئ اخر للمحكمة الاتحادية ،
أن تعويض النواب المتوفين أو المستقيلين أو المقالين لأي سبب كان في الديمقراطيات العريقة ، يتأتئ عن طريق إجراء انتخابات فرعية محدودة في الدائرة الانتخابية التي كان يمثلها النائب ، وهذا ما أشارت اليه الفقرة رابعا من المادة الثانية من الدستور الأمريكي لعام ١٧٨٩ المعدل ، حيث نصت عندما يشغر مقعد أو أكثر من مقاعد النواب في أي ولاية ، تدعو السلطة التنفيذية فيها إلى إجراء انتخابات لمل، هذا المقعد أو المقاعد الشاغرة ، ولانتخاب بديل للنائب المتوفي أو المستقبل في مصر ، عملا بالمادة ١٠٨ من الدستور المصري لعام ٢٠١٤ المعدل عام ٢٠١٩ ، تجرى انتخابات تكميلية لسد الشاعر ، وفي بريطانيا عندما يموت النائب السابق لإحدى الدوائر ، أو يفقد عضويته بالاستقالة او عندما ينعم عليه بلقب من القاب النبلاء فيصبح اهلا لعضوية مجلس اللوردات. يتم إجراء انتخابات فرعية لمل، الفراغ النيابي. أي أن سد الشاعر الواحد أو الاثنين ديمقراطيا بالانتخاب لا باختيار الخاسر في انتخابات تعد منتهية بحكم النتائج الانتخابية .
عليه وانطلاقا من قاعدة كون النائب يمثل عموم المواطنين فإن استقالته تعد مخالفة صريحة لإرادته التي أولاها لهذا النائب أو ذاك ، وان روح الديمقراطية تعني انتقال الولاية إلى النائب بمجرد فوزه بالانتخاب فإن هذه الروح تتطلب العودة إلى الأصل في أي تصرف قانوني أو سلوك سياسي ، وهذه العودة تكمن في إعادة الانتخابات بعد أن كانت الانتخابات السابقة غير مجزية . والمطلوب بعد ما قدمناه أن يحل البرلمان نفسه ، وأن تتم الدعوة لانتخابات مبكرة بعد هذا الجمود السياسي ( الانسداد السياسي) الذي سببته نتائج انتخابات ٢٠٢١ ، وما افتت به المحكمة الاتحادية من فتاوي كانت وراء تعميق هذا الانسداد ، وكان الأجدر بالجميع دراسة تجارب الشعوب واستلهام ما ذهب إليه علم النظم السياسية…