• هل فشلت الأسلمة السياسية في قيادة الدولة ؟
• الإنتخابات المنقوصة لاتستقيم مع دمقرطة البلاد
• ثروات وقدرات هدرت والنتيجة صفر على الشمال
في خضم مرحلة بالغة التعقيد, تتصارع فيها الإرادات مختلفة المصادر والأهداف , تبرز لنا مثابات صراعات جوهرية لامفر من النظر اليها من زاويتنا , كمجتمع شرقي يتميز بتأريخ سياسي وثقافة ديموغرافية متميزة , ويتوفر على ثروات غير متاح مايماثلها في بلدان كثيرة في المنطقة .. كثير منها ايجابي مع توفر كم هائل من سلبيات تصرفاتنا ونظرتنا الى الآخر في بلد واحد ليس لأحد فيه غلبة على الآخر !
دولة النوايا
وفي تأسيس الكيان الأول للدولة العراقية الحديثة عام 1921 , اقيمت مرتكزات تلك الدولة ,على اسس مفترضة من (نوايا) عامة للملك فيصل الأول , والرعيل المؤسس من السياسيين والعسكريين العراقيين الملتحقين ب(الثورة العربية الكبرى) , بقيادة الشريف حسين بن علي , الرافضة للحكم العثماني , والمعتمدة على الوعود البريطانية في (الإستقلال والوحدة) حيث كانت موالية للمشروع البريطاني في المنطقة .ولم يذكر لنا التأريخ شيئا موثقا عن برنامج او نظرية اعدت استهدفت بناء البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ..وبقيت عملية اصدار الدساتير والقوانين تصدر حسب الحاجة اليها من دون نظرة تأسيسية شاملة , مما أدى الى وقوع هذه القوانين في تناقضات وتقاطعات سرعان ماتفسرها تعليمات لاحقة تأخذ بالإعتبار رغبات الحاكم .
وقد شكلت مؤسسات ذات طابع ليبرالي , تتمثل في مجلسي (النواب ومجلس الأعيان تقليدا للنظم الليبرالية في بريطانيا وفرنسا , الا ان طبيعة المجتمع العراقي ,الحافل بتناقضاته مع مثل هذه المفاهيم الحديثة , ومستوى الثقافة المحلية الفقيرة الى هدف اعلاء الرأي والرأي الآخر , جعلت من تلك الممارسات بحاجة الى شفافية افتقدتها طيلة العهود الماضية .
الإنقلابات العسكرية
وبسقوط النظام الملكي في الرابع عشر من تموز 1958 , وضع العراق على اعتاب مرحلة (الإنقلابات) العسكرية , التي افتقدت في حقيقة الأمر حتى شكلية الممارسة الليبرالية او الديموقراطية , بل واتسمت في معظم مراحل حكم العسكريين وكذلك الأحزاب ببعد شاسع عن مقومات حقوق الإنسان , فكيف بأمر الليبرالية , والديوقراطية ؟
الوعي الشعبي لم يك كافيا
ولم يكن للشعب العراقي في حقيقة الأمر اية متمنيات عميقة تخص سيادة نظام ليبرالي او ديموقراطي , لإقتصار تلك المتمنيات على نخبة من ذوي الرأي والفكر , في حين قابل ذلك رغبات شعبية بتوفير المستوى المعاشي اللآئق بمواطني دولة غنية بثرواتها الطبيعية , وأيادي شعبها العاملة , وقبل ذلك بتأريخها الممتد !
وكان أن وقع العراق في سلسلة أنظمة تتحكم بها تصرفات ورغبات الضباط الذين انتقلوا من الثكنات العسكرية الى السلطة, من دون مرورهم بتجارب سياسية او تأهيل أكاديمي , او حتى انتظام في أحزاب سياسية عميقة التجربة , ولقد عاشت القوى الوطنية تجارب مريرة في الصراع فيما بينها , لم تجمعها رابطة الوطن , بل كانوا على درجة من التشتت والصراعات والولاءات التي قادت الى بروز الرأي المنفرد في قيادة السلطة ,ومثل هذا الرأي المنفرد رغم مايمكن ان يتوفر عليه من منجزات ظرفية , الا أنه في النتيجة يلغي الإجماع ,ويوفر ارضية مناسبة لقيام الديكتاتورية اللاغية للموقف الحكيم المستنير ,مما جعل العراق ضمن دوامة من الحروب التي يراها العقل السياسي ليست ذات ضرورة قومية قصوى بالإضافة الى السياسات القمعية الداخلية, وليس من الحكمة بمكان مثلا معالجة خلافات حدودية او اختلافات في الرؤى , بحروب كانت لبعض الدول الكبرى المصلحة المباشرة في اشعالها وادامتها, مما أضعف العراق الذي توفرت له مقومات الدولة الخارجة من طوق الدول النامية الى فضاء (الدول الأكثر تطورا) بنهاية خطة التنمية القومية لعام 1985..ولايمكن لنا اغفال وقوع العراق , كدولة لها الرصيد المؤشر في الخارطة (الجيو بولوتيكية) في شرك مخططات الدول الكبرى , وخاصة (الولايات المتحدة الأمريكية) باعتبار ثرواتها المعدنية والنفطية مصدرا للطاقة المغذية للآلة الصناعية والحربية الغربية ! اضافة الى اهداف النفوذ السياسي في المنطقة .
ومن خلال نتئج الإحتلال الأمريكي الغاشم , تنبه الشعب العراقي الى حقيقة ..ان أي شيء من تلك الوعود الأمريكية العريضة بجعل (العراق النموذج الديمقراطي) في المنطقة! , اصبحت ذرو رياح , بعد ان حقققت (الولايات المتحدة الأمريكية ) عبر شركاتها الأصيلة والمتمتعة (بتعدد الجنسايت) صفحات ارادتها في السيطرة على النفط العراقي, وتنصيب ثم رعاية حكومات ومؤسسات ادارة عراقية تنتهي في مرجعيتها ومن ثم مشورتها الى الإدارة الأمريكية ! رغم محاولتها التشدق باستقلالية القرار السياسي !
مصداقية الإنتخابات
الإشكالية المعقدة اليوم ..ان الحكومة الحالية المتناسلة عن مؤسسات (مجلس الحكم والحكومات الإنتقالية) التي اعقبته , قد جاءت بعمليات لاتخلو من مجانبة لصدقية مفاصل عديدة من الإنتخابات , منها مايعود لآلياتها , ومنها مايتصل بتدخلات مباشرة من اجل الوصول الى الأرصدة المناسبة من الأصوات الحاسمة . ولم تفلح في معالجة مشكلات جسيمة عانى منها الشعب العراقي .. وماهي الا هياكل لإدارة السلطة , ثبت بعد عشر سنوات افتقادها الى ( استراتييجية ) عمل شاملة , اذ جرى الهدر الفاحش في المال العام عبر اتجاهين رئيسيين , الأول عدم توفر المنهج والإفتقار الى الكفاءة والخبرات المطلوبة , والثاني استشراء الفساد الإداري والمالي الذي حمته الأحزاب الحاكمة او المشاركة في الحكومة او النافذة عرقيا ومذهبيا ! من دون النظر الى مصلحة المجتمع مجردة عن المصالح النفعية الحزبية !
وللدلالة على عدم سيادة النهج الليبرالي والديموقراطي في ممارسات الأحزاب السياسية السلطة وقيام البرلمان ومؤسسات الرقابة , من دون قانون للأحزاب السياسية ..فكيف يمكن قيام نظام برلماني شفاف تتبارى فيه الأحزاب السياسية من دون ان ينظم ذلك قانون يناقشه الشعب ويقره عبر استفتاء تتوفر له الحيادية ؟.
الليبرالية ..فرية لاأصل لها
التساؤل الجوهري ..هل مايجر في العراق , يمثل منهجا ليبراليا وديموقراطيا يقود الى رؤية دولة مدنية ,تشكل المتمنى للشعب ؟
الجواب من دون مقدمات ..كلا ..وما يجر ماهو الا افتراء على الليبرالية والديموقراطية ايضا ولم يتحقق منها غير الكلام ! وتحت هذه ال( كلا) تندرج اسئلة كثيرة..وهي في حقية الأمر لاتنطوي الا على اجابات سطحية او مجانبة للحقيقة من دون تلمس تلك الحقيقة واعلائها ..واظن ان وقتا طويلا سيمضي قبل رؤية العراق ,ليبراليا , ديموقراطيا ! ولانريد في هذه العجالة استعراض معيقات السير باتجاه تحقيق هذا الهدف , كون كافة الأمور في العراق اليوم مثل (شليلة وضايع راسها) لاأحد يعرف ماذا يستهدف الآخر باطنيا ؟..فيما يتحدث الجميع بالوطنية والحرص على مصالح الشعب , من دون ان يحظى هذا الشعب (المستغفل) بالمستوى المناسب من الإستقرار والأمن وتلبية متطلبات حياته المعاشية .
وبعد ان قدمت السنوات العشر احزابا وشخصيات وذيول لأحزاب شكلت طبقة سيساية مانعة لكل سعي يتجه الى دمقرطة حقيقية , تقود لقيام دولة ليبرالية ,يسود فيها القانون الوضعي الذ ي لايتجاهل الظروف الإجتماعية من دون غلو , واقصاء , أو تمذهب او تعرّق , التي لايمكن للشعوب الحياة اليوم من دونها!.
كما اثبتت السنوات العشر الماضية من دون جدال , فشلا للإسلمة السياسية في ادارة الحكم , وتأمين قوة الدولة في مقابل (دولة القوة ) , وفي ذلك تفاصيل كثيرة حفلت بها ادبيات السنوات العشر الأخيرة ..وليس من المصداقية عدم ذكر برامج الإحتلال الأجنبي الراهنة , والمعدة للمستقبل في توجيه الصراعات الداخلية بما يحقق اهداف المحتل النهائية المعروفة .
اليوم لايحتاج العراق الى حاكم يتوشح بالطائفية او المذهبية او العرقية , , ويلعب على التناقضات متعددة الألوان ,بل يحتاج الى حكم عادل يستند الى قوانين وضعية , تصاغ من دون تجاهل للأمور الشرعية وباستقامة لاتخرج عن الرؤية العامة , لعراق تأريخي واحد وشعب متعدد الديانات والأثنيات والعقائد ..وهذا أمر لايتميز بالإستثنائي او الفرادة , فكثير من دول العالم تتوفر على عديد الأعراق والإثنيات والأديان , ولكن حاكمها القانون الوضعي, الذي يمثل العمل به واحترامه قيمة وطنية عليا .. وعليه فاننا سنبقى على مواجهة مع قدرنا في السعي الى (الدولة المدنية ), عبر طريق مخضب بالدماء والتضحيات الغالية , وليس لأية ممارسات من تلك الممارسات التي عشناها ونعيشها , ستكفل لنا رؤية عراق مدني تتحقق فيه العدالة, فالغث المتراكم كبير , وليس لنا الا البحث عن ضوء في نهاية (النفق) !