17 نوفمبر، 2024 8:27 م
Search
Close this search box.

نظرة على مشكلة المثلية-الأجتماعية لدى الفرد العراقي

نظرة على مشكلة المثلية-الأجتماعية لدى الفرد العراقي

أصطلاحا المثلي-الجنس (Homo-sexual) هو الفرد (ذكر كان أم انثى) الذي يميل لتكوين علاقات مع أشخاص من نفس جنسه حصرا وينجذب اليهم دون الجنس الاخر. في المقابل هناك المغايري-الجنس (Hetro-sexual) وهم النسبة الاكبر كما متعارف عليه وهم الذين ينجذبون للجنس الاخر طبيعيا وهناك كذلك الثنائي- العلاقة الجنسية. المقال أدناه لايتعلق بمسألة المثلية الجنسية ألا بقدر أستخدامها من باب ألأستعارة المجازية ومن باب القياس لا غير, مستغلا الشبه الأصطلاحي و العلمي بينها وبين الموضوع الرئيسي للمقال الموجه بالأصل لتحليل نوع اخر من المثلية والذي يعاني منه الكثير من العراقيين وربما نسبة ليست بالقليلة من الشعوب العربية. المقصود في هذا المقال هي ظاهرة المثلية-الاجتماعية (Homo-social) أو المثلية-الفئوية (Homo-categorical) وهي علة أخطر بكثير من المثلية الجنسية المحدودة التأثير نسبيا, فالمثلية-الأجتماعية كما ستقدم بالمقال هي ظاهرة تشوه مفهوم المواطنة و أسهمت بتفكك المجتمعات كما أنتقل تاثيرها للطبقة للسياسية بسبب وجود ساسيين يعانون من نفس المرض أو أنهم أصحاء لكن عرفوا كيف يستغلون هذه الظاهرة عند عامة الجماهير.
مصطلح المثلية-الجنسية موجود في علم النبات والحيوان بل وحتى في علم الاحصاء لوصف تصرف أو استجابة بعض العمليات الرياضية والأحصائية. كما أشار اليه الدكتور علي الوردي في كتاباته و بين أنتشاره في البيئات المغلقة التي تمنع الأختلاط بين الجنسين. علما أن هناك درجات طفيفة من المثلية الجنسية لا يتخيلها الفرد العربي لكن في المجتمعات الغربية تشابك الأيدي أو التقبيل عند السلام و رقص االرجال أمام الرجال يعتبر من علامات التوجه المثلي لدى الغربيين والذي قد يوصف أحيانا بالشذوذ. لماذا شذوذ ؟ لانهم يعتبرون أن القاعدة أو الغريزة الأساسية هي الأنجذاب للشحنة المعاكسة ومحاولة التقرب أو الألتحام معها وليس العكس . وكما أن هناك قاعدة فيزيائية وبايلوجية تتحكم بالأشياء الجامدة بالأضافة لتكاثر الحيوانات والنباتات فهناك أيضا القاعدة الالهية للتعامل مع التنوع الانساني الموجود واقعا من خلال “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”. وكما أن العلاقة الجنسية المختلطة تكون مثمرة ومنتجة بايلوجيا فكذلك تكون العلاقة مع ألافراد والجمعات من أعراق وشعوب أخرى, ومن باب أولى العلاقة مع القوميات والأديان الموجودة في نفس البلد والتي تضفي تجربة غنية حسيا ومعنويا للفرد ذو التوجه المغاير-أجتماعيا الذي يسعى لأقامة علاقات أجتماعية مختلطة قوميا ودينيا.
لكن ما دعاني لكتابة عن الموضوع هو ملاحظتي من خلال سكني و دراستي ومن ثم عملي في مناطق مختلفة من العراق ومؤخرا تواجدي خارج العراق منذ ثلاث سنين لاحظت فيها “تقوقع” الكثير من العراقيين في علاقاتاهم الأجتماعية لدرجة أنني أجد وصف العنصرية لطيفا بالنسبة لهم ولا ينطبق علميا على هكذا فئة. لذا أذكر أدناه أهم مظاهر المثلية-الفئوية حسب مشاهداتي الشخصية وهي كالتالي:
1- المثلي المنجذب حصرا لأفراد من نفس عرقه بالمعنى العام أو قومه خصوصا ولا يشعر بالأنتماء أو الأنجذاب نحو الأشخاص و الجماعات المغايرة له بالقومية أو العرق. رغم ذلك هؤلاء الأفراد أو الجماعات هم -برأيي- الأقل خطورة, بالنسبة للتصنيف قيد البحث, وذلك لكونهم قادرين على الأنفتاح وأقامة علاقات مع أشخاص من نفس القومية ولكن من أديان و مذاهب أخرى ومن بلدان مختلفة وذلك لأنهم يضعون القومية أولا ولا يخلطوها بغيرها من الأسس. الفرد من هذا النوع ممكن أن يشخص بكونه عنصري قوميا ولكنه ليس المعني بالمثلية-الفئوية التي أقصدها.
2- المثلي المنجذب حصريا لأفراد و تجمعات من نفس الدين , أو للتخصيص من نفس المذهب في ذلك الدين. هذه الفئة أيضا أقل أهمية في التصنيف كون الشخص المنتمي لهذا الصنف من الممكن ان نطلق عليه طائفي او عنصري مذهبيا فقط ,لأنه قادر على الأنفتاح نحو أفراد من نفس المذهب أو الدين و لكن من قوميات وأعراق اخرى بل وبلدان مختلفة.
ألاشخاص من الفئتين الأولى والثانية لديهم مبرراتهم لظاهرة التخندق التي يتصرفون وفقها و ربما يسيرون بشكل واعي حسب أيدلوجية تفسر هذا الأنجذاب المثلي من جهة والتنافر مع المختلف من جهة أخرى, وهذا ما لا يتوفر في الفئة الثالثة التي أعتبرها ظاهرة أقرب للمرضية منها للتوجه الفكري المسبق.
3- المثلي المعني بهذا المقال وهو الذي لا يمكنه أن ينفتح على أي فئة من الفئات المذكورة أعلاه بشكل مطلق– لأنه عنصري قوميا وعنصري دينيا بنفس الوقت. فهو لايتعامل مع الأفراد والجماعات التي تشاركه قوميته ولكن تختلف معه في الدين أو المذهب, وفي المقابل هو لاينجذب لمن يماثله بالدين ولكن يخالفه بالقومية أو اللغة أو حتى اللجهة المحلية أحيانا. هم خليط غريب من النوعين أولا وثانيا. هذا النوع لديه دائرة ضيقة جدا لتعريف المواطنين من
الدرجة الاولى لديه, فهو يشترط أن يكونوا من نفس الدين والمذهب ومن نفس القومية واللسان ومن نفس المنطقة الجغرافية – ومؤخرا ظهر الجيل الثاني أو الثالث من هؤلاء وهو الذي يضع العشيرة المعينة عنوانا للقومية والعرق, ويجعل مدينة بذاتها عنوانا للأنتماء الجغرافي, ويعتبر توجها مذهبيا محدد (كأن يكون مذهب فقهي فرعي أو مرجعية معينة) هو عنوان الأنتماء الديني الذي على أساسه يصنف الاخرين لمماثلين و مغايرين له. وبذلك فأن دائرة المغايري-الجنس لديه تتسع لتشمل الأغلبية الساحقة من البشر. وهذا قمة في الشذوذ الأجتماعي والأنساني الذي يعطل الغاية من التنوع البشري أو على الأقل التنوع الوطني.
المشكلة أن أفراد الصنف الأخير ليس لديهم أيدلوجية محددة ليستندوا أليها, فهم ليسوا بقوميين ولا بأسلامويين بشكل نقي. وأن ألتمسنا العذر لفرد بسيط عاش أغلب حياته في بلدة صغيرة وبيئة مغلقة لا تعرف التوجهات الفكرية فكيف نعذر من يأتون من العراق من خلفيات أكاديمية مرموقة نسبيا الى بلد غاية في التنوع كأستراليا ثم تراهم ما زالوا يقيمون تجمعات مثلية قميئة, وجل من يعرفهم أحدهم هم منحدرين من نفس مدينته في العراق ومن نفس مذهبه ونفس توجه السياسي. واقعا هؤلاء لديهم علاقات مع “المغايرين” لكنها شكلية فرضتها عليهم المجاورة أو زمالة الدراسة أو العمل. هؤلاء وتجمعاتهم -برأيي- هم من يستدعي الهجوم الفكري ضدهم والسعي لمعالجة “الخلل الهرموني” الذي أصابهم وجعلهم يغرقون في مستنقع المثلية, أو على الأقل مبادرتهم بالنصيحة والموعظة الحسنة.
وفي المقابل هنالك نماذج مفرحة أثبتت توجهها العابر للطوائف والقوميات وبقدرتها على خوض تجارب أنسانية ثرية و مثيرة وأقامة تجمعات مغاير-فئويا بأمتياز وقد حضرت مؤخرا أحد هذه المناسبات التي كان جميع من فيها من محافظات مختلفة من العراق ومن قوميات و مذاهب مختلفة ,لذا أنا هنا أكتب لتشجيعهم ولمدحهم من خلال نقد التوجه المناقض.
بالنسبة للأسباب ونتالئج هذه المسشكلة فهي قد تحتاج لمقال لاحق, ولكن مبدئيا تشترك مع المثلية-الجنسية في الكثير من المسببات. فكما أن هناك أسباب خارجة عن أرادة الفرد تؤدي للتوجه المثلي كالخلل الجيني أوالفسلجي (عند الولادة) أو الخلل الهرموني الذي يحصل لاحقا خلال فترة النمو. كما توجد أسباب ذاتية متعلقة بتجربة الشخص نفسه وتأثره سلبا بأحد الأبوين أو بموقف سيء أو تجربة مرعبة سببها له تعامله مع الجنس الاخر مما ولدت ضعف وعدم ثقة من الدخول لاحقا بعلاقة مع شخص مختلف جنسيا وتفضيل أفراد من نفس الجنس لما يوفره من تجاوز للمخاطر الفكرية والنفسية التي يولدها الاختلاف. كذلك يمكن وف الاشخاص المثليين-أجتماعيا بالضعفاء فكريا و أنسانيا وغير القادرين على خوض تجارب جديدة بسبب العوامل الخارجية التي أثرت عليهم عند نشأتهم (البيئة التي ولدوا فيها و الوالدين والمجتمع) أو بسبب تأثرهم السلبي بالتجارب التي مروا بها خلال حياتهم (وما أكثرها في العراق في العقد الاخير) وفي كل الأحوال هم بحاجة لأي مساعدة من النخبة القادرة على تشخيص العلة و علاجها. مبدئيا أجد أن الشخص المولود لأبوين مغايرين قوميا أو مذهبيا أقدر على التكيف.
أما بالنسبة للنتائج المترتبة على أنتشار هكذا فئات فهي كثيرة وواضحة الأثر في تعريف المواطنة لدى الفرد العراقي, وبالتالي أثرها في تشرذم المجتمع العراقي بدأ من الجيل الأول من المثليين الذي رفع شعار (أنا وأخي على أبن عمي, وأنا وأبن عمي على الغريب) الى سهولة أنسياق الفرد العراقي وراء الأجندات الطائفية قوميا ودينيا, والى ضعف قدرة الناخب العراقي على أختيار الأصلح كونه ملزم بمثليته-الفئوية ثم ألى سهولة أختراق الجماعات المسلحة (بأنواعها) للعديد من المدن العراقية وأستيطانها فيها بسهولة. نعم أن الكثير يتحمله من في السلطة, لكنهم بالتالي أما يحملون نفس جينات الخلل أو أنهم يدركون كيف يعتاشون على عللنا. لذا فأن التغيير (التطهير) يجب أن يبدأ من القاعدة, يبدأ من الجماهير.

أحدث المقالات