منذ بداية الازمة الاقتصادية العالمية وهبوط اسعار النفط تعالت اصوات الطبقة السياسية في العراق داعية المواطن العراقي الى التضحية من اجل الوطن ومن اجل ادامة زخم الحرب ضد التنظيمات الارهابية منادية باعلى الاصوات بان على المواطنين ان يتناسوا كل مطالبهم وكل معاناتهم وان يتوحدوا صفا واحدا في سبيل محاربة الارهاب ودعم الاقتصاد الوطني وفي سبيل توفير العدة والعتاد للقوات المسلحة وللحشد الشعبي ومتهمة كل صوت يعلوا لمحاربة الفساد او للمطالبة بتوفير الخدمات بانه يعمل على اضعاف الصف الوطني لمصلحة العصابات الارهابية .
مع الاعلان عن كتلة الاصلاحات الموعودة الاولى والثانية والثالثة والعاشرة كانت تدور في جزء كبير منها على تخفيض الرواتب والامتيازات التي تتمتع بها الطبقة السياسية كمقدمة لاقناع المواطن البسيط بقبول استقطاع جزء من رواتبه ولكن ماتم هو ان الاستقطاع شمل المواطن الاعتيادي فقط ولم يصل الى الكتل السياسية نتيجة لمناورات لعبت على حبال القانون حتى تمكنت من الاحتفاظ بكافة الامتيازات وان كانت قد تم تغليفها بكلمات تجعلها مقبوله للمواطن المتعطش لكلمة اصلاح . لذلك بعد ان تم الاعلا ن عن تخفيض الرواتب بالنسبة للسادة النواب نرى ان رئيس المجلس قد اصدر قرار يخفض الرواتب الشهرية بنسبة 40% ثم يضاعف المتبقي اي بحساب بسيط استقطاع 40% واضافة 100% وحسب الشهادة التي يحملها النائب دون تحديد ان كانت تلك الشهادة معترف بها ام لا مما ادى الى تفشي ظاهرة الدكاكين الاكاديمية التي تمنح شهادات الدكتوراه والماجستير واصبح معظم النواب يحلون اسمائهم بحرف (دال) ليحصلوا على امتيازات اكثر ممن اضاع الليالي ساهرا بين الكتب ليحصل على لقب الدكتوراه العزيز .
اما من رفض الشعب انتخابهم مرة ثانية فقد تم تعويضهم بمنحهم مناصب على راس الهيئات المستقلة او منحهم منصب مستشار في احدى الوزارات او ديوان رئاسة الوزراء او رئاسة الجمهورية او رئاسة مجلس النواب مع الادعاء بانهم لايتقاضون رواتب عن عملهم هذا في محاولة لاستغفال الشعب ليتناسى بانهم منحوا انفسهم رواتب تقاعدية من عضوية مجلس النواب تعادل راتب وامتيازات وزير وحسب قانون مجلس النواب لسنة 2007 وهم يفعلون ذلك ليس لانهم تعودوا على العمل وانهم يرغبون في الاستمرارا في تادية خدمة مقابل مايتقاضوه ولكن لتحقيق هدفين الاول استمرار احتفاظهم بامتيازات الدخول الى المنطقة الخضراء والسكن مجانا في الشقق والمنازل داخل تلك المنطقة مع الحمايات والعجلات المدرعة والهدف الاهم هو ان ذلك يجعلهم يكملون الخدمة التي ينص عليها في مسودة قانون التقاعد التي يتم تأجيل البت بها لحين اكمال اولئك السادة السيدات الفترة الصغرى المطلوبة وهي 15 سنة خدمة فعلية وهنا تم اللعب على الكلمات ايضا فقد اعتبرت الفترة التي يقضيها النائب في المجلس خدمة فعلية مضاعفة اي ان النائب الذي يبقى لفترة واحدة لمدة اربعة سنوات سوف تعتبر له الخدمة الفعلية 8 سنوات ويضاف لها خدمة مضاعفة بصفة مستشار لمدة اربعة سنوات اخرى ليخرج بعدها بخدمة فعلية مقدارها ستة عشر سنة في حين انه في الحقيقة لم يبقى في المجلس سوى اربعة سنوات يخرج بعدها براتب تقاعدي بدرجة وزير مع كافة الامتيازات والمنافع التي ترتبط بمنصب الوزير .
كل ماسبق لم يشبع نهم الطبقة السياسية للامتيازات ليخرج علينا مجلس النواب بمسودة قانون جديد لمجلس النواب تمت قراته قراة اولى في المجلس ولكن تسربه الى العلن جعل الجميع يتبرا منه امام المياكروفونات ولكن لم يتحرك احد لايقافه وكل ماظهر هو محاولات تهدأت الخواطر بالقول بانه مازال في مرحلة القرأة الاولى ولم يتم تشريعه بعد بالرغم من ان مجرد التفكير بمثل هذا القانون ومااشتمل عليه من امتيازات يجعل الجميع في دائرة الاتهام ليس من ناحية الامتيازات فقط ولكن من ناحية تجاوزه كافة الاعراف القانونية والسياسية الدستورية مع ضعف الصياغة وفقر المضمون والتي تنم على ان من كتبها وفي خضم تركيزه على الحصول على الامتيازات نسي او تناسى ابسط قواعد الصياغة القانونية التشريعية . من هذا المنطلق ساحاول تسليط الضوء على بعض النقاط السلبية التي شابت هذه المسودة .
ان اولى النقاط واهمها ان الاعراف القانونية الدستورية والتي اصبحت من اهم اساسيات الانظمة النيابية في العالم ان المجالس التشريعية يجب ان تمتنع عن تشريع قوانين تتضمن امتيازات يتم منحها للسلطة التشريعية ويتم تطبيقها على المجلس الذي اقرها اي ان المجالس النيابية اذا ارادت ان تشرع قانونا يتضمن اية امتيازات فان هذا القانون يجب ان يتم تنفيذه اعتبارا من الدورة اللاحقة لانتهاء عمل المجلس الذي شرعها وبالرغم ان هذه القاعدة غير مكتوبة الاانها من اهم الاعراف التي تناولتها الانظمة النيابية في العالم ولكن الممارسة العراقية ومنذ مجلس الحكم بعد عام 2003 كانت تركز على ان الاعضاء يمنحون انفسهم امتيازات ومنافع مما يؤكد عدم ثقتهم بان المواطن سوف يقرهم على اجرائهم عن طريق اعادة انتخابهم فهم يستبقون الغنيمة قبل فوات الاوان .
اما اذا انتقلنا الى المسودة نفسها فنرى ان المجلس وضع اعضائه فوق القانون عندما منحهم حصانه مطلقة غير مسبوقة عن اي جريمة يرتكبوها الا اذا كانت تلك الجريمة تدخل في باب الجنايات اي انهم محصنون اتجاه اي جنحة يرتكبوها حتى وان كانت بالجرم المشهود ومن المعلوم ان الجنحة في القانون العراقي هي الجريمة التي تقل عقوبتها عن خمس سنوات ويدخل في نطاقها عدد كبير من الافعال الجرمية وحتى في حالة الجناية فمهما كانت خطورة الجناية المرتكبة فان المجلس منح نفسه الحق في تعطيل عمل القضاء لحين موافقة اغلبية اعضاء مجلس النواب على رفع الحصانة عدا حالة الجناية المشهودة في حين ان الحصانة النيابية في كل دول العالم تنحصر في مايدلي به النائب من اراء اثناء دورة الانعقاد .
اما في مجال الامتيازات المادية فقد تناولتها الكثير من الاقلام والصحف والمجلات والمواقع ممايجعل الخوض فيها تكرار لما طرح سابقا ويبدو ان من قام بصياغة المسودة تناسى او غاب عن تفكيره ان المحكمة الاتحادية العليا استقرت في احكامها على ان اي تشريع فيه جنبة مالية يجب ان يتم اقراره اولا من قبل مجلس الوزراء قبل عرضه للتصويت كونه ماسا بموازنة الدولة التي تقوم بوضعها السلطة التنفيذية . كما ان كاتب المسودة قد تناسى ان منح 328 عضوا حاليا منصب وزير بالاضافة الى 3 اشخاص هم رئيس المجلس ونائبية مخصصات رئيس وزراء سيزيد العبء على ميزانية الدولة التي تدعو المواطن للتضحية من اجل المحافظة على الاقتصاد اي ان ما يستقطع من الفقراء المطلوب منحه للطبقة الحاكمة . كما تناسى كاتب المسودة ان العراق ومنذ عام 2003 شهد ثلاث مجالس نيابية وجمعية عمومية ومجلس حكم اي بحساب بسيط فانه يوجد في العراق حاليا اكثر من 50 شخص يتمتعون بامتيازات رئيس الجمهورية وهم تسعة اعضاء من مجلس الحكم وردفائهم وتسعة اشخاص من الحكومة الانتقالية وتسعة اشخاص من الحكومة المؤقته وعشرة
اشخاص من حكومة المالكي الاولى وعشرة اشخاص من حكومة المالكي الثانية وتسعة اشخاص من حكومة العبادي يمثلون كل من شغل منصب رئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس الوزراء ونوابه ورئيس مجلي النواب ونوابه والان يضيف لنا كاتب المسودة 328 وزير بالاضافة الى منحه امين عام المجلس منصب وزير يضافون الى جيش الوزراء والنواب في الدورات السابقة اي ان العراق سيجد نفسه خلال سنوات امام جيش من الوزراء والرؤساء المتقاعدين الذين سيطالبون بامتيازاتهم التي كفلها لهم القانون .
من جهة اخرى فقد ضرب كاتب المسودة عرض الحائط بمبداء الفصل بين السلطات القائم على المساواة بين السلطات الثلاث عندما منح لرئيس المجلس ونائبيه اولوية على رئيس الوزراء ونوابه . ومن فقر الصياغة ان اعمال هذا النص يجعل رئيس مجلس الوزراء ادنى من نائب رئيس مجلس النواب من حيث التعامل البروتوكولي والمعنوي متناسيا ان المساواة تعني ان السلطة التشريعية تتساوى مع السلطة التنفيذية ولا تعلو عليها كما هو الحال في نظام حكم الجمعية الذي غادره العالم من وقت طويل وكان اخرى تطبيق معروف له هو نظام حكم الجمعية في تركيا بعد سقوط الدولة العثمانية عام 1923 .
بالاضافة الى الرواتب والامتيازات فقد منح كاتب المسودة للنواب مكافاة مالية غير قابلة للرد مخولا رئيس المجلس تحديد مقدارها دون اي ضوابط او حدود بدون ان ياخذ بنظر الاعتبار الظرف المادي الذي يمر به البلد . بالاضافة الى العلاج المجاني والذي استخدم فيه كاتب المسودة تعبير يدل على عدم التركيز في طبيعة القانون الذي يتعامل معه فقد استخدم عبارة (اثناء الخدمة ومن جرائها ) وهو تعبير يستخدم في العادة مع القوانين العسكرية عند الحديث عن الخدمة العسكرية .
اما اكثر الامتيازات اثارة للضحك فهي ماورد في المادة (12) من القانون الخاصة بمنح النائب وافراد عائلته جواز سفر دبلوماسي ويحتفظ به لمدة ثمان سنوات بعد انتهاء الدورة التشريعية. فمن المعروف ان جواز السفر الدبلوماسي يمنح للاشخاص الذين تتطلب طبيعة عملهم سهولة الانتقال بين الدول لتمثيل الدولة والحكومة في مهمات رسمية تمنحهم بعض الامتيازات من حيث تخصيص ممر خاص لهم وعدم تفتيش حقائبهم في المطارات او نقاط الدخول الى الدول الاخرى وان هذا الامتياز يزول بمجرد انتهاء عمل الشخص الا ان الحكومات العراقية المتعاقبة من عام 2003 دائبت على منح هذا الجواز لاشخاص لايدخلون ضمن هذا التوصيف بل شملت حتى عوائلهم وان كانت طبيعة عمل النائب تتطلب اثناء وجوده في المجلس ان يحظى بمثل هذا الامتياز فما الداعي للاحتفاظ به بعد انتهاء الدورة النيابية وخروجه من المجلس لمدة ثماني سنوات وان كان النائب يمثل الدولة فما الداعي لمنح هذا الامتياز لعوائلهم حتى اصبح الاطفال يتلاعبون بوثيقة تعد من اخطر الوثائق التي تمنحها الحكومة لممثليها وان كان التحجج بان مثل هذا الامتياز يمنح لعوائل الدبلوماسيين فالغرض منه فقط تسهيل مرافقة تلك العوائل لمحل عمل رب الاسرة مع وضع قاعدة لاحصانة لدبلوماسي في بلده اما في العراق فيستخدم هذا الجواز لمنح الطبقة السياسية امتيازات تعلو على بقية المواطنين حتى اصبح جواز السفر الدبلوماسي العراقي لاقيمة له في الخارج .
مما تقدم يتضخ بان من تقدم بهذه المسودة كان بعيدا كل البعد عن التفكير في مصلحة العراق او مستقبله وان تفكيره كان منحصرا في الحصول على امتيازات له ولعائلته على حساب الشعب الذي يطلب منه التضحيه في سبيل ان تتمتع الطبقة الحاكمة بالامتيازات .