يبحث اصحاب المشروعين عن غطاء ديني ذو هيبة لإقراره، وبالذات مرجعية السيد علي السيستاني. الغريب اِن حزب الفضيلة، الذي ينتمي اليه وزير العدل ومرشده الشيخ اليعقوبي، الذي ايد وبارك هذين المشروعين، لا يعتبر السيستاني هو المرجع الاعلم والاعلى للجعفرية ، بل يرى فيه مجرد احد المراجع الكبار. كان الاحرى بحزب الفضيلة ان يبحث عن موارد اخرى لتحسين سمعته المهدومة بعد ان سيطر على مجلس محافظة البصرة بعد اول انتخابات بعد 2003 حين اطلق عليه البصاروة اسم حزب (….) . معلوم ان الشيعة الجعفرية في العراق لا تقر جميعها بمرجعية السيستاني وبعضها لا يقر اصلا مرجعية النجف ولها مرجعيتها الخاصة كما في الطائفة الشيخية، غير الاخبارين الذين لا يوجد تصور عن اعدادهم وغيرهم من الخالصين واقسام كبيرة من الصدرين والمهدوين وجماعات الصرخي وغيرهم.
ان مشروع القضاء الجعفري هو الغاء لاستقلالية القضاء المدني والغاء للدولة العصرية ويخلق سلطة اخرى موازية لسلطات الدولة العراقية، بحجة المذهب الجعفري. ما ان علق المشروعين حتى بدأت بعض المقالات تنتهك اسم السيستاني وحرمته الى حد اقرب الى الشتيمة ان لم تكن كذلك، امام صمت اولئك الذين يرفعون السيد السيستاني الى موقع المقدس حين يكون الامر في صالحهم، ويحمل ممثلوا حزب الفضلية في تصريحاتهم الصحفية السيد السيستاني مسوؤلية تعليق اقرار المشروع.
كي يكتسب الامر بعض الملموسية أتطرق الى بعض النصوص من مشروع الاحوال الشخصية الجعفري. القراءة السريعة للمشروع تصل بالقارئ للعديد من المواقف التي تشير ان المشروع هو عودة الى ما قبل القرون الوسطى، فما بالك في قراءة اهل الخبرة في القانون. بداية ان تسمية قانون الاحوال الشخصية هي تسمية حديثة دخلت العراق مع دخول القوات البريطانية في الحرب العالمية الاولى 1914 واتخذت صيغاً عديدة الى ان اكتملت الصياغة الاخيرة في تسمية قانون الاحوال الشخصية رقم 188 في 1959. المتعارف علية في الفقه الاسلامي سابقا هو فقه النكاح، فقه المعاملات وغيرها.
يتميز مشروع قانون الاحوال الشخصية الجعغري عموما بما يلي:
* لا توجد اي اشارة الى اسماء الاشخاص او اللجنة التي قدمت المشروعين سواء من ناحية كفاءاتهم العلمية ( القانونية) والعملية او الفقهيه، حتى يجد القانون من يرد او يشرح او يدافع عنه.
* اعطاء رجال الدين الشيعة الجعفرية و بالاستناد الى الاجتهادات الدور الاكبر في حسم القضايا المطروحة، مقابل تضييق دور القاضي وشل دوره تقريبا. حتى ان الاعراف والتقاليد احيانا لها الدور الحاسم دون ان يكون هناك دور للقاضي، كما في المادة128: ( المعيار في تقدير النفقة هو ما تحتاج اليه الزوجة في تقويم حياتها من الطعام والشراب والكساء والمسكن واثاث المنزل بما يليق بشانها ووفقا للسائد بحسب الامكنة والازمنة والاعراف والتقاليد).
* يتجاهل المشروع أي شكل من اشكال التسجيل القانوني الرسمي كما في الباب الاول – الوصية- او الباب الثاني، عقد النكاح ( الزواج). عكس ما موجود في قانون 188. يعرف العراقيون بلاء الزواج عند رجل الدين دون تسجيله رسميا والمصائب التي حلت على من سار في هذا الدرب سواء داخل الوطن او خارجه وبالذات النساء والاطفال. كما يتجاهل المشروع وبكل شكل كامل ومتعمد اي دور للتقاريرالطبية سواء فيما يخص الصحة الجسدية او النفسية او دور الطب والعلم عموما في اثبات العديد من القضايا كالجنون والعقم وتحديد نسب الطفل للاب وغيرها، بينما هذا الجانب واضح في قانون 188 لسنة 1959 وله دور هام الى جانب الاثباتات الاخرى.
* لا يوجد فقه جعفري موحد أو محدد أو مرجعية جعفرية محددة أو موحدة يشير اليها المشروع ويمكن اللجوء اليها. كما هو معلوم فأن فقهاء الجعفرية كبقية فقهاء المذاهب الاخرى يختلفون في احكامهم في القضية الواحد من المحرم الى المكروه الى المشروع، مثلا في المادة 59: حالات تحريم النكاح بسبب المصاهرة. خامسا-( حرمة نكاح ذات البعل المزني بها حال كونها ذات بعل على الزاني حرمة دائمية ابدية، ويحق لمن علم بالحكم بعد زواجه ان يراجع احد المجتهدين الذين لا يحكمون بالحرمة المؤبدة)، كذلك المادة 20 ( اذا كان الموصي به غير جائز شرعا بحسب اجتهاد أو تقليد الموصي، ….الخ). المقلد عند الجعفرية يمكن له ان يغير مقلده خلال حياته بما يناسب تفكيره ومصلحته وهو ليس ملزم بتقليد ثابت لمقلد معين مدى الحياة، ويمكن للمقلد ان يتبع فتوى اخرى للمرجع اخر بما يناسبه.
* هناك العديد من الكلمات الهلامية والفضفاضة، التي لم يُعرفها المشروع قانونياً مثل (الصغير)، (الصغيرة) ،( القاصر) كما في( المادة 48) الجمال( المادة 89)، السكر، المهدور الدم بموجب شرعي ( قد يكون مهدور الدم عند مرجع معين ولكن مرجع اخر وبنفس المرتبة لا يعتبره مهدورا للدم ويعتبره فاسقأ او منافقا والامثلة هنا عديدة)، المجنون ( ماهو الجنون حسب العلم او حسب الفقه؟). مثلا المادة 32 ( لا يشترط في الموصى له ان يكون مسلما ، وتصح الوصية لغير المسلم مطلقا الا اذا انطبق على الوصية اعانة الظالمين ونحوه فلا تصح الوصية). لاحظ اعانة الظالمين؟ كذلك المادة 133: ثانيا( اذا كان المنفق عليه ابنا، فيشترط فيه ان لا يكون كافرا حربيا او بحكمه). هل يتفق فقهاء وعلماء الجعفرية على من هو الكافر الحربي؟.
* لا يوجد وضوح في تحديد سن البلوغ، عدا كون ما يقره المشروع، هو مناقض للدستور العراقي ومجمل القوانين العراقية في هذا الشأن، وما هو مقرور في المواثيق الدولية في هذا الشأن . يقر المشروع في المادة 16 اولا، بان سن البلوغ تسع سنوات هلالية عند الاناث وخمسة عشر سنة هلالية عند الذكور. يؤكد المشروع هذه المادة في الفصل الثاني – الموصي وفي الباب الثالث – الطلاق- ولكنه لا يتطرق ولا يشير اليها في باب النكاح. الغريب انه في نفس الفصل الثاني ان كاتب المشروع يتجاهل سن البلوغ ففي المادة 17( تصح الوصية من الصبي الذي اكمل ( 10) سنوات هلالية، بشرط أن تكون وصيته في موضعها المناسب من الناحيتين الدينية والدنيوية، وان تكون الوصية في ارحامه واقربائه ومقدارها يسيرا متعارفا).
المشروع عبارة عن موقف ظلامي اتجاه المرأة العراقية. هو احتقار وامتهان سافر لأبسط حقوق المرأة العراقية وبدون اي خجل. المشروع يتناقض مع الدستور العراقي باعتبار العراقيين متساوين ويتعارض مع المواثيق الدولية والتي يلزم العراق باحترامها في خصوص المرأة وحقوق الانسان والطفولة. ففي الباب الثاني( عقد النكاح) المادة42: ((النكاح ( الزواج) هو رابطة تنشا بين رجل وامرأة تحل له شرعا)). في النص العام لا يحدد المشروع العمر عند عقد الزواج ولا الغاية منه وذلك بما يتوافق والتفكير السياسي والعقائدي لصاحب المشروع ( قانون 181 يحدد هذه الامور ) ولا توجد هنا اي اشارة للمادة16 التي يثبتها المشروع في ابواب اخرى، ولكن نجد في المادة 43 في شروط صحة عقد الزواج في الفقرة السادسة شرط ان يكون العاقد بالغا عاقلا وهي صيغة المفرد المذكر بما يعني انها تشمل الرجل فقط. وفي المادة 48 من نفس الباب يتحدث عن زواج القاصر دون ان يحدد القانون من هو القاصر سواء تحديد عمر الذكر او الانثى ويكتفي بزواجهم عن طريق التوكيل من خلال وليهما. وتفضح المادة 50 تلاعب صاحب المشروع بالصيغ العامة من اجل تمرير ما يريد وهو عدم تحديد اي عمر للزواج بما فيهم الاطفال ( الاب والجد من طرف العاقلان المسلمان لهما حصرا ولاية التزويج على الطفل الصغير والصغيرة وعلى المجنون المتصل جنونه بالبلوغ). وكذلك المادة 81 ( يترتب على الاخذ بخيار العيب فسخ عقد النكاح، فان وقع الفسخ بعد الدخول فللمرأة تمام المهر وعليها العدة، مالم تكن صغيرة أو يائسة فلا عدة عليها،…الخ). ويجري تأكيد هذه الفكرة في المادة 54، كذلك المادة 106 ( لا يثبت حق المبيت للصغيرة،…الخ). كذلك في الفصل الخامس – الفرع الثاني – النفقة- المادة 126 ثانيا ( اذا كانت الزوجة صغيرة غير قابلة لاستمتاع زوجها منها). ويؤكد المشروع الزواج من الصغيرة في عدة مواد ولكن لم يحدد عمرها. عموما يمكن الاستنتاج وبدون شك مما ورد في النصوص ان عمر الصغيرة من تسع سنوات وما دونة، دون اي تحديد لما هو دونه وربما يكون سنتين، اي عند عمر الفطام كما حدده المشروع. يوكد المشروع هذا الاستنتاج في الفصل الثاني – اقسام الطلاق- المادة 147، ثانيا، أ/ ( طلاق الصغيرة التي لم تبلغ (9) التسع من عمرها وان دخل بها عمدأً أو اشتباهاً)، كذلك في الفصل الثالث- الفرع الاول – عدة الطلاق- المادة 154، ثانيا- ( الصغيرة التي لم تكمل ( 9) سنوات هلالية من عمرها وأن دخل بها الزوج).
هل يدرك مقدم المشروع عن اي جريمة يسعى لإعطائها غطاء قانونيا؟ هل يدرك ان الزواج من الصغيرة او القاصرة ( دون الثامنة عشر في معظم بلدان العالم – حتى غير المتحضرة-) يعتبر جريمة يحاكم عليها القانون ويعتبر حالة مرضية يطلق عليها البيدوفيل. البيدوفيل في البلدان المتحضرة حتى بعد انهاء محكوميته وكذلك المشتبه به يبقى بشكل او اخر تحت مراقبة الشرطة ولا يسمح في بعض البلدان بإقامته في المدينة الا بموافقة خاصة من محافظة المدينة ويخضع للعلاج النفسي الاجباري. روسيا الاتحادية تسعى الان لاستصدار قانون بالاخصاء الكيمائي للبيدفيل المدان قضائيا. دول اوربا الغربية وغيرها من الدول الاخرى تقاطع منتجات المعامل التي تستخدم عمالة الاطفال، عدا هذا الامر فان الزواج بالصغيرة هو عبارة عن قنبلة بيولوجية ستدمر المجتمع وذلك لما يتصل بإنتاج اجيال مشوهة جسديا ونفسيا وتدمير نفسي وجسدي للزوجة الطفلة وغيرها من الاشكالات التي ليس لها حدود، ولكي لا يعتقد وزير العدل ومن كتب المشروع او ايده اني اشوه المشروع او افتري عليه ويطالب بتطبيق الفقرة 4 ارهاب بحقي، فله ان يسأل الاطباء ومختصي علم الوراثة وغيرهم. ما أعجب هذا النظام الذي يقر للبقرة والنعجة عمراً ووزناً محددا للتلقيح يعرفه اي فلاح أو مختص في علوم البيطرة أو الزراعة الا المرأة العراقية فلا يوجد عمر لتلقيحها.
بهذه الطريقة يكرم نظام المحاصصة الطائفية، المرأة العراقية لجعلها منكوبة على الدوام. اذا كان هذا النظام يقدم سمومه بهذه الطريقة للزينبيات كما يحلو له ان يطلق عليهن فلنرى ماذا يرى فيهن، كما في المادة 101: حق الزوج على الزوجة امران هما: اولا- ان تمكنه من نفسها للمقاربة وغيرها من الاستمتاعات الثابتة له بمقتضى العقد في اي وقت شاء، وان لا تمنعه الا لعذر شرعي، وان لا تفعل اي فعل ينافي حقه في الاستمتاع.
ثانيا- ان لا تخرج من بيت الزوجية الا بأذنه.
كما ان المشروع يعطي الحق للرجل البالغ ان يتزوج دون رضا الاب او الجد، لكن المرأة البالغة لا تمتلك هذا الحق وهو ما توضحه المادة 53 ( البالغة الرشيدة البكر سواء أكانت مالكة لأ مرها ومستقلة في شؤون حياتها ام لا، فليس لأبيها ولا لجدها لأبيها ان يزوجها من دون رضاها، ويحق لها ان تتزوج مع اذن أحدهما).
هل ينوي هؤلاء حقا بناء دولة عصرية؟ ولنرى كيف ينظر المشروع للعراقيات الغير مسلمات، اللائي من المفروض وفي اقل تقدير هن مساويات للعراقيات الاخريات كما نص الدستور ولا اقول مساويات للرجال فهذه المادة 63 تنص ( لا يصح نكاح المسلمة من غير المسلم مطلقا، ولا يصح نكاح المسلم نكاحا دائما من غير المسلمة والمرتدة عن الدين الاسلامي). اترك القطع الاول من النص لأنه قاعدة تقرها كل المذاهب ولكن الفقرة الثانية غريبة. قانون 188اقر الزواج من الكتابيات وحرم الزواج الغير دائم. نستنتج من الفقرة انه يحق للمسلم الزواج الغير دائم من غير المسلمة والمشروع هنا يسكت عن الزواج الغير دائم من المسلمة. اذا هناك نكاح غير دائم، فما هي شروط وماهي قواعده وقانونه؟ ثم ما هذه النظرة الدونية وباي حق يطلق المشروع هذه النظرة التحقيرية لغير المسلمات ( بما فيهم ) الكتابيات. ولماذا هن المرتع الجنسي للمسلمين. عن اية مواطنة حقة يريد هؤلاء ان يتحدثوا؟
ان الحديث عن المسلم وتحديده في المشروع غير واضح. تساؤل يطرح نفسه، مثلا اذا تعارضت فتوى بعض علماء الشيعة الكبار مع تحديد المسلم في المشروع، فلاي مجتهد سيتم الرجوع اليه. مثلا وليس حصرا ان بعض اعمدة المذهب الشيعي وكذلك قسم من السنة يعتبر اصل الاكراد من الجن ولذلك يحرم المرجع السيد محسن الحكيم وغيره الزواج من الكردي باعتبار ان اصله من الجن!
هل المسلم هو الاسلام الظاهر اي بنطق الشهادتين ام يشهد بولاية الإمام على بن أبي طالب. وهل يحق للسني ان يتزوج شيعية دون ان تكون مفسدة للمذهب كما يذهب البعض من علماء الشيعة، هذا الامر يمتد ايضا للشيوعيين والعلمانيين وعموم اليسارين، خاصة ان القانون يعتمد في كل اثباته على أمرين هما، وجود شهود عدول والبينة على من ادعى واليمين على من انكر. هل يكفي هذان الامران لكي تسقط حقوق البعض في الوراثة والنفة والزواج وغيرها من المعاملات.
هذا غيض من فيض مما قرأته. بالتاكيد ان خبراء القانون لهم الكثير في هذا الشأن وقد قال البعض قولة حق صادقة وامينة في هذا المشروع. السكوت لا يكفي حتى ولو علق المشروع. فهؤلاء لا امان لهم وانهم لا يحترمون شعبهم ولا يضعون في حسبانهم شيئاً من هذ القبيل. هذا الشعب الذي نكب نفسه بهم، هذا ما اثبته الايام منذ 2003. من الضروري ان تبقى الحملة ناشطة ضد هذا المشروع وان لا يكون هذا التعليق سيف معلق على رقاب العراقيين. من اجل ان يكون الامر كذلك ارى من الضروري ترجمة المشروعين الى اللغات العالمية وتوزيعه على المنظمات الدولية والجهات التي لها علاقة بحقوق الانسان والمرأة والاطفال والبرلمانات الاوربية وغيرها من المؤسسات المدنية والرسمية. حال توجه الحكومة العراقية لإقرار المشروع، يجري المبادرة لتقديم الشكوى في المحاكم الدولية ضد الحكومة العراقية ممئلة برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس المحكمة الاتحادية ووزير العدل وغيرهم ممن له علاقة بالأمر، ولنرى مستقبلا كيف سيتم استقبال هؤلاء في بلدان العالم وخاصة من قبل منظمات المجتمع المدني وكيف سيكون موقفهم في حالة اقرار اوامر اعتقال دولية ضدهم. هناك ايضا قسم من مسؤولي الدولة واعضاء البرلمان والذين لهم علاقة بالقانون فيما لو جرى العمل على دفعه للمناقشة والاقرار، ممن يحمل الجنسية الاوربية، يمكن هنا التفكير بإقامة الدعوة ضدهم في البلدان التي يحملون جنسياتها. هم يعرفون حساسية المجتمع العالمي وبالذات الاوربي اتجاه قضايا كهذه ويحسبون الف حساب، بذلك يتحول هذا القانون الى سيف على رقبة من يسعى لتشريعه بشكل رسمي.