منْ المحتّمِ والمؤكد انه لا يمكن إعطاء اية احكامٍ مسبقة الى ما ستؤول اليه سياسة رئيس الوزراء الجديد , وبأيّ شكلٍ من الأشكال , كما انّ هذا التفاؤل الزائد بتسنّمه لرئاسة الوزراء هو في غير مكانه ايضا , فالأسراف بالتفاؤل ” بالطبع ” قد ينقلبُ الى تشاؤمٍ او الى مفعولٍ معاكس … ومنذ ان جرى الأعلان لأول مرة عن ترشيح السيد العبادي لكابينة الوزارة , ابتدأت الغالبية العظمى من المواطنين في اطلاقِ موجاتٍ من الآراء والتحليلات والتصوّر حول شخصية العبادي وخلفياتها , وبرأيي انّ هذه ظاهرةٌ صحيّة في التعمّق في الأجتهاد والتفكّر مهما اصابت ومهما اخطأت ايضا …
يُلاحَظ – فيما يُلاحَظ – أنّ حيدر العبادي هو الأقدم في انتمائه الى حزب الدعوة من المالكي , حيث انّ الأول انتمى الى الحزب وهو في سنّ الخامسة عشر , وفترة المراهقة هذه هي الأسهل والأسرع في تعبئة الذهن بأية افكار تُملى ” ايجابياً ” على الشخص , وخصوصا اذا ما كان متحمّساً لها ومتفاعلا معها بصورةٍ ذاتية , إذ سرعان ما تتجذّر وتترسّخ في الفكر ويصعب زحزحتها مع تقادم السنين , ولا سيما اذا ما كان ” صاحب العلاقة ” مواظبا ومتفاعلاً في الأنشطة الحزبية التي تتبنّى هذه الأفكار , وهذه النظرة التحليلية المبسّطة من ناحية السيكولوجيا قد تقود الى تصوّراتٍ مسبقة الى انّ السيد العبادي سيسير على ذات نهج المالكي ” وإنْ اختلفت صيغ العمل ” . النقطةُ الأخرى في هذا الصدد وبعيداً عن ايِّ طرافةٍ محتمله , بل وبتعمّقٍ ابعد , وبعيدا ايضا عن صفة التعميم وعن كلّ الأسلاميين الآخرين من شتّى بقاع الأرض , فأنّ ” اللحية ” التي تظهر على وجه العبادي هي اكثر كثافةً نوعية ممّا لدى المالكي , وهذا أمرٌ له دلالاته عند بعض او عموم الأسلاميين , إذ يعتبره الكثيرون أن ” اللحى ” كلما كانت اكثر كثافةً وطولاً فأنّ اصحابها يُعتبرون اكثر تشدداً وتمسّكاً بنهجهم ” وفي الحقيقة فلا يوجد رأيٌ فقهيٌ جازمٌ بهذا الشأن , وربما يغدو ذلك من الأعراف السائدة بشكلٍ او بآخر < ويقال أنّ المتدينين والأسلاميين ورجال الدين يطيلون ” اللحى ” تيمّناً بما كان يفعله الرسول ” ص ” , وبالرغم من انّ ذلك يجري تقليده وإتّباعه بنيّةٍ طيبة وصادقه , إلاّ انّ الواقع التأريخي هو غير ذلك بالمطلق , فالمجتمع برمّته في زمن الجاهلية وفي زمن الرسول وبعده وكذلك كل شعوب اوربا والقارات الأخرى كانت ذو لحى .! وبكل بساطة فلم تكن هنالك تقنية شفرات الحلاقة ومستلزماتها الأخرى , ومن الناحيةِ العلمية والصحية فأنّ اللحى آنذاك كانت هدفاً لتجمّع الغبار والأتربة وما الى ذلك , ومع كلّ هذا وذاك فقد ساد وضعٌ أنّ تبنّى رجال الدين ومن مختلف الديانات إطلاق اللحى لسببٍ او لآخر .. وهنا وبالرغم من هذه الأنعطافة ” ذات الصلة النسبية ” بأساس الموضوع , فنقول أنّ اجواء الأنفتاح في بريطانيا والتي امضى فيها السيد حيدر العبادي اقامته ودراسته العليا , فأنها لم تؤثر ولم تغيّر حتى في مظهره الخارجي المتمسّك بالأعتبارات الدينية , وهذا ما يقود الى التساؤل الأستباقي او الأفتراضي عمّا اذا سينعكس ذلك في ادارته للدولة , وعمّا اذا كان تمسّكه بمنهجية حزب الدعوة ” طيلة السنوات الثمانية الماضية ” سيستمر على هذا المنوال او عدمه .! , وإذ ما برحنا هنا نتعرّض في هذا الطرح من الزاوية السيكولوجية المحددة والضيقة , فلعلّ تساؤلاً افتراضيا ومشروعاً آخراً حول التخصّص الأكاديمي للسيد حيدر العبادي في الهندسة الكهربائية وإبتعاده عن وعلى الأنفتاح على الدراسات والتخصصات الأنسانية الأخرى في مجالات الأقتصاد والآداب والقانون والعلوم الاجتماعية الأخرى , سوف يؤثر بشكلٍ او بآخر على اسلوبه وتفكيره في ادارة شؤون الدولة .!؟ ولربما أنّ الأصعب من كلّ ذلك أن يغدو رئيس الوزراء الجديد ملزما بتشكيل وزارته على ذات النهج السابق في محاصصة الأحزاب التي إئتلفت وتقاسمت المقاعد الوزارية والمناصب الأخرى , وبالتالي فلن يستطيع العبادي قيادة البلد بمفرده وسطَ تجاذباتٍ سياسيةٍ حزبية تعيق فتح ومعالجة ملفّاتٍ شائكةٍ ومعقّدةٍ اخرى . . ومن خلالِ كلّ هذا وغيره ليس أمامنا سوى الترقّب لما ستفرزه الأسابيع القليلة المقبلة والنظر الى الأولويات التي سيطرحها رئيس الوزراء الجديد , رغم أنّ كافة معضلات العراق القائمه هي في مستوى الأولويات ومن الصعبٍ تسلسلها ..!!!