12 أبريل، 2024 5:08 م
Search
Close this search box.

نظام رئاسي بمقاس شرقي

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا أعرف كيف استطاع الطواغيت خنقنا بالسكوت والحرمان، وكيف تم ترويض انسانيتنا وتدجينها ،وكيف عشنا بعبثية الاذلال وتحت وطأة اللامعقول على مر السنين، لقد نزف العراق الجريح الكثير من الدماء الزكية وهو يهرول نحو الحرية، ليطبع الابتسامة والبشاشة على وجوه قاطنيه ،فعندما سلبنا الحرية سلبنا حقنا الفطري، الحق في ديمومة الحياة.

واليوم يحاول البعض إغراق هذه الحقيقة في آبارالنسيان، ويلفقوا أسطورة جديدة، لم تعد مستساغة حتى في كتب الطرائف والنوادر، ليوهموا بها بعض الطيبين والبسطاء ،مستثمرين البلبلة السياسية والفكرية التي تمر بها البلاد، ومتذرعين بفشل هم صانعوه،ومغترين بعافية بنوها من السحت ،ليعودوا بالعراق إلى عهد الحكومات الاستبدادية، أو ما يسمونه بالنظام الرئاسي بمقاس شرقي، وهو النظام الذي لا يخضع فيه الحاكم للقانون،ولايكون لسلطانه حد أو قيد، بل إن قوته وإرادته هي قوة وإرادة القانون، مطلق التصرف يعمل ما يحلوا له، وأن كان فيه إساءة للغير، مبررا ذلك بمصالح البلاد العليا، وكذلك ترجيح واجبات الفرد على حقوقه، وهذه الحقوق لا تستخدم إلا على النحو الذي يقتضيه الصالح العام.

سوف يكون الرئيس هو مصدر القانون بإدارة الدولة، أو أن القانون يكون من صنعه ،وهو غير مسؤول ولا يخطئ حتى وإن قتل وزيرا فالمسؤولية تقع على الوزير لا عليه.

وفي الظاهر طبعا صورة النظام الرئاسي ليست هكذا فالدولة يوجد فيها دستور، ويوجد برلمان ولكن الرئيس ينتخب بشكل مباشر من غالبية الشعب، كما هو في الولايات المتحدة، بدلا من انتخاب البرلمان لرئيس الوزراء، وكذلك في النظام الرئاسي لا وجود لمجلس الوزراء، فالسلطة التنفيذية بالكامل بيد رئيس الدولة، وهو يختار الوزراء دون تدخل من السلطات الأخرى.

وقبل أن أدخل بموضوعة الأمراض المزمنة في الشرق العجيب، أقول أن النظام الرئاسي يعتمد على الفصل التام بين السلطات، أي أن السلطة التشريعية تمتلك سلطات كثيرة منها السلطة المالية (هذه لا تعجبكم )،لذلك يجب أن يكون توافق تام جداً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، أي بحاجة إلى حكومة (ملائكية )،فأي مسألة مالية تتقدم بها الحكومة إلى البرلمان فسوف تلاقي معارضة قوية داخل البرلمان، ويكون التصويت لغير صالح الحكومة، وهذا التنسيق صعب جدا في العراق، بسبب التنافس والتنافر الحزبي، لذلك سوف يتولد الجمود ويصعب عمل الحكومة، والأمر الآخر سهولة التهرب من المسؤولية، لأنه لا يحق للبرلمان استجواب الوزراء ولا التحقيق معهم، فضلا عن حجب الثقة عنهم ،وهناك سبب طبيعي يحدث في أعرق الديمقراطيات في العالم، وهو ليس بالضرورة أن يأتي الرئيس من الأغلبية البرلمانية، فاحيانا يأتي بنفوذه الشخصي، ولربما يفوز مرشح المعارضة، لأن انتخابات رئيس الدولة تجرى بشكل منفرد عن الانتخابات البرلمانية، فتصبح أغلبية البرلمان معارضة له، ليس كما يحدث في النظام البرلماني رئيس الوزراء يجب ان يأتي من الأغلبية البرلمانية.

وكل هذا لا يقلقني بقدر واقعنا المرير، فنحن لا زلنا دولة متخلفة، وإذا أردنا أن نجمل الأمور نقول أننا من دول العالم الثالث، وصعب جدا تداول السلطة بشكل سلمي، فمن الملاحظ أن الرئيس دائما يتمتع بشعبية كبيرة، بسبب هيبة ورمزية منصب رئيس الدولة ،اضافة للولاءات الحزبية ولوبيات المصالح، وغير ذلك ما يتمتع به الرئيس من صلاحيات واسعة يسخرها بالكامل لإعادة انتخابه لأكثر من مرة،وينتج عن ذلك تحويل النظام الجمهوري الرئاسي إلى جمهوري ملكي، كما حدث في كثير من دول الشرق.

وملاحظة أخيرة، ليس بالضرورة كل المستبدين اتو عن طريق الوراثة أو الانقلابات العسكرية، بل الكثير منهم تولى السلطة عن طريق حزبه، مثل هتلر فقد أتى إلى السلطة بطريق ديمقراطي، وكان يفخر انه يستند إلى رضاء شعبي واسع، وأنه يمثل أغلبية لا تدانيها أي أغلبية في الدول الديمقراطية.

وأرجو أن لا يفهم من حديثي هذا أنني راض عن كل تفاصيل النظام البرلماني في العراق، بغض النظر عن الأداء الحكومي، أي أتحدث عن النظام بما هو نظام، فأقول أن كلا من النظامين الرئاسي والبرلماني فيها عوامل قوة وضعف، وقد مرا بمراحل تطور متعددة فبدلا من تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي، نقوم بعملية مراجعة وتقيم ونعالج نقاط الضعف والخلل، وهي من وجهة نظري اوجزها بالنقاط التالية؛:

1- تغول السلطة التنفيذية مما أضعف العامل الرقابي وتفشي الفساد.

2 -تعثر القضاء بسبب خضوعه لتوجيهات السلطة التنفيذية

3 -فشل البرلمان في تشريع الكثير من القوانين أهمها قانون النفط والغاز وكذلك قانون الأحزاب ،واقترح أن يكون النظام في قانون الأحزاب نظام الحزبين وان كان هذا مستبعد في ظل المشهد السياسي، ولكنه أحد وسائل الخلاص من الطائفية والاثنية .

4 -مسألة تمثيل الدولة بالخارج يجب ان تحسم، فهذه الإشكالية اضرت بسمعة العراق ومكانته الدولية.

5 – القيادة العامة للقوات المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة، وإلغاء كل القوانين التي تشرعن لإنشاء المليشيات سواء كانت كردية أو سنية أو شيعية.

(اسف على الإطالة وكان بودي الاختصار )

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب