الكلام الذي قاله رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي وهو يستقبل شرطيّي المرور اللذين اعتدى عليهما في ساحة عدن ببغداد مرافقو مسؤول في الدولة، هو كلام طيب وجميل وممتاز ومسؤول … إلى آخر قائمة النعوت الحسنة، لكنّه في نهاية المطاف لن يعدو كونه نفخاً في قربة مثقوبة أو “هواء في شبك”!
التجاوز على القوانين والأنظمة، وعلى مؤسسات الدولة والعاملين فيها، وعلى المواطنين وحقوقهم من مؤسسات الدولة والعاملين فيها، ظاهرة عامة شاملة في بلدنا الآن، بلغت نطاقاً ومستوى غير مسبوقين على الإطلاق حتى في عهد دكتاتورية البعث وصدام، ولا تناظرها ظاهرة خطيرة غير ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي لم تترك ركناً أو زاوية في الدولة والمجتمع إلا اجتاجتها وعصفت بها. والظاهرتان، الى جانب نظام المحاصصة، ممّا يفسّر هذا الفشل المتفاقم للسلطات الثلاث في إدارة الدولة والمجتمع وتأمين السلم والاستقرار والتنمية لهما.
لن ينفع أن يستقبل رئيس الوزراء، وسواه من كبار المسؤولين، الشرطيين الضحية وأن “يطبطب” على أكتافهما ويطيّب خاطرهما، فالمشهد المهين على نحو سافر للدولة، ممثلةً في شرطيي المرور، لن يتوقّف تكراره في ساحة آخرى وشارع آخر ومدينة أخرى .. إنه يحصل على مدار الساعة في مختلف أنحاء البلاد بألف شكل وشكل، وليس من المنطقي والعملي أن يقابل رئيس الوزارء، أو غيره، في كل مرة ومع كل حادث من هذا النوع، الضحايا ليطبطب على أكتافهم ويُسمعهم كلاماً إنشائياً، تطييباً لخواطرهم في رسائل لا تصل إلى عناوينها الصحيحة.
المشكلة أصلها ومردّها في الاستهانة بالقوانين والانظمة النافذة، وبخاصة من المسؤولين في الدولة، وعلى الأخص الكبار منهم الذين يرون أنفسهم في حِلّ من كلّ قانون ونظام، ويظنّون أن القوانين والأنظمة لم تشرّع في الأساس لكي يلتزموا بها هم ويمتثلوا لأحكامها مثل سواهم من سائر مواطني الدولة.
حَلّ هذه المشكلة بسيط للغاية، لا يكلّف الموازنة العامة مالاً ولا يتطلّب من رئيس الوزراء وسواه أن يعطّلوا أعمالهم لاستقبال ضحايا التجاوزات والطبطبة على أكتافهم وإسماعهم الكلام الطيّب.
فرض القانون بالشدّة أو بالحسنى، أو بالاثنين معاً، هو الحل .. بل هو حلّ سحري للغاية. أيّ خطة لفرض القانون يتعيّن أن تبدأ بفرض الالتزام بنظام المرور وتطبيق قانون المرور. هذا المدخل هو لفرض احترام سائر القوانين والأنظمة. قوة الدولة وهيبتها من قوّة الالتزام بالقوانين والأنظمة التي تشرّعها، ولا قوّة للدولة ولا هيبة مادام لا أحد يتقيّد بنظام المرور أو يلتزم بقانون المرور في الشارع.
من الشارع يبدأ احترام الدولة وهيبتها وقوانينها وأنظمتها، وفي الشارع ينتهي احترام الدولة وهيبتها وقوانينها وأنظمتها.
كل كلام آخر محض هواء في شبك ونفخ في قربة مثقوبة.