23 ديسمبر، 2024 7:51 ص

نظام الاقتصاد المحجوب وبارقة الأمل

نظام الاقتصاد المحجوب وبارقة الأمل

قال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود : 1]
في البداية ينبغي أن نعلم أن الاختصاص في الإسلام ليس كالاختصاص في باقي فروع علوم الحياة الطبيعية فمثلاً من يدرس علوم الاقتصاد الوضعي فهو يدرسها مجردة, كمفاهيم مستقلة موضوعها الأرباح والفوائد وحدود الملكية بعيداً عن التربية الروحية وتقويم سلوك الفرد داخل محيطه الاجتماعي, أما الإسلام فهو ينظر إلى أحكام الاقتصاد والملكية كوسيلة أخرى من وسائل التعبد التي ينبغي للإنسان أن يقر فيها بملكية الخالق تعالى وأنه ليس إلّا مستخلف في هذا الملك وهذه الخلافة الغاية منها خدمة الإنسان نفسه عبر مجموعة من الأحكام التي تعين الحدود والحقوق كوسيلة أخرى يراد منها تهذيب البشرية وحفظ كرامة النوع الإنساني.
وعند ذلك ينبغي البحث عن مركز هذا النظام الذي غيب منذ أن أصبحت الدولة الإسلامية عبارة عن خلافة وممالك يتصرف فيها الأمراء بنمط من الحكم لا يختلف عن أنماط الملكية في الاقتصاد الوضعي غير أنهم فقط يحتاجون من يمرر لهم كل سياساتهم الجائرة في تقسيم الحقوق على أنها هي الإسلام, وهكذا فأن ذلك القانون الإلهي السامي الذي تقوم فلسفته على أساس واحد وهي حفظ إنسانية الإنسان سيبقى محجوباً بصناعة إعلامية إلى أن تأتي الساعة التي تنحسر فيها كل الحلول وتفشل كل الرؤى, فقد ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام (إن دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالى : والعاقبة للمتقين)
وينبغي أن نعلم أن هذه الأخبار لا تتحدث عن أمر معدوم الوجود وإلّا لم تكن هنالك حجة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ في قول الإمام (لئلّا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء) فإذا كانت هذه السيرة التي هي ليست إلّا أحكام ليس لها واقع نظري تشريعي إذن فمن حق أيّ شخص أن يحتج بأن هذه الإحكام لم تكن موجودة وليست في واقع الإسلام, وقد استُحدثت على يد الإمام فمن كان قبله ممن ملك الأمر معذور لعدم قيام الحجة الشرعية. وكيف يكون هذا!؟ والله تعالى يقول {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام : 149] وفي الحديث إن حلال محمد ـ صلى الله عليه واله ـ وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
إذن فما يعنيه هذا الحديث أنه لا يوجد أهل بيت قدم ملكوا قبل قيام القائم إلّا والحجة قائمة عليهم إلّا أنهم لم يسيروا بسيرة الصالحين ذلك لارتباط أنفسهم الأمارة بالسوء بالدنيا وملكها.
ونحن لا نضع للحوزة العلمية الصادقة الناطقة هذا المقام إلّا لأنها تمثل مقام الحجة بالدليل وأيّ مؤسسة دينية وقعت فيما وقع فيه الآخرون من الصراع حول الملكية والاستحواذ على القدر الأكبر منها ضمن النظام الرأسمالي العالمي والقوانين الوضعية المخلة بأدب الإنسانية لا يمكن أن نعطيها هذا المقام لأنها سينطبق عليها ما ينطبق على من خالف منهج آل البيت بل ستكون ممن ملكوا فلم يعدلوا.
فلهذا يكون التمسك بالإسلام ورسالته تابع لما تختزله الحوزة وفي سيرة شخص المرجع الحقيقي الواقعي من حكمة وعدالة, ومظلومية في نفس الوقت يُعبر عنها بلسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في قوله عليه السلام (لا رأي لمن لا يُطاع) و تتضح في سيرة وجواب المحقق الأستاذ دام ظله حول السؤال الذي وجه لسماحة وهو: هل يمكن للحوزة أن تضع مذهب اقتصادي يعود بالتنمية البلد أو البلدان التي تتخذه ويؤمن توزيع عادل للثروات فأجاب دام ظله:
بسمه تعالى: الإسلام قادر على وضع مذهب اقتصادي وقد صدر في هذا الخصوص العديد من المؤلفات، وأما عملية الطرح فتحتاج إلى سلطة تنفيذية، والعبد الفقير المسكين الراضي بقضاء الله تعالى، قد سُلب حقه فهو لا يمتلك السلطة التنفيذية القادرة على التطبيق، والله العالم.
وعلى هذا فإما أن نكون من أصحاب التجربة الفاشلة ونغمس أنفسنا في النظم الوضعية في الاقتصاد والتي لا تتناسب مع مجتمعاتنا لا تقليداً ولا موضوعياً والتي لن يكتب لها النجاح أبداً أو أن نكون دعاة فعليين لدولة الحق العادلة عبر البحث عن ما يؤمن للإنسان كرامته وحقوقه وفق رؤية وإستراتيجية واضحة تنطلق من رؤية المحقق وتشخيصه للظروف الموضوعية ومقتضياتها علها تكون بارقة أمل لحياة تسودها قيم العدالة.