19 ديسمبر، 2024 12:20 ص

نظام الإدارة الصحية في العراق … مهزلة يجب تصحيحها

نظام الإدارة الصحية في العراق … مهزلة يجب تصحيحها

من المعروف أن النظام الصحي ونظام التعليم الطبي في بريطانيا يعتبران من أرقى الأنظمة في العالم. وكلنا نعرف أن النظام الصحي في العراق قد أنشئ من قبل بريطانيا أبان إحتلالها للعراق وبهذا فإن كبار الأطباء الأختصاصيين في العراق وعلى مدى عقود من الزمن هم من تخصصوا في بريطانيا حيث أصبحوا عند عودتهم للعراق عماد النظام الصحي والتعليم الطبي العراقي اللذان كانا أفضل الأنظمة وأقدمها في المنطقة العربية.

في البداية، يجب معرفة أن النظام الصحي البريطاني يمول من قبل وزارة الصحة ويدار من قبل صندوق صحي Health Trust في أي مقاطعة من مقاطعات البلاد، ولكل مستشفى من مستشفيات المقاطعة هناك أيضاً صندوق صحي فرعي يدير المستشفى Hospital Health Trust، ويدير هذا الصندوق أشخاص من جميع الإختصاصات الإدارية والمالية والصحية إلخ… وليس من الضروري أن يكون مدير صندوق المستشفى (أي ما يعادل مدير مستشفى في العراق) طبيباً، ولكن دائماً ما يكون أحد أعضاء صندوق إدارة المستشفى من الأطباء الملمين بالإدارة الصحية وكذلك بالصحة العامة، إضافة لمتخصص بالتمريض. كما أن مراقبة عمل ونظافة أي مستشفى هي مهمة القائمين على الصندوق الصحي للمستشفى من خلال شبكة من المهنيين داخل المستشفى وكل حسب إختصاصه.

يتلقى الصندوق الصحي للمستشفى الدعم المالي والتمويل من الصندوق الصحي للمقاطعة والتي بدورها، كما ذكرنا، تتلقاه من وزارة الصحة الوطنية/صندوق الصحة الوطني. علماً أن العلاج في المستشفيات الحكومية مجاني لجميع المواطنين البريطانيين وكذلك المقيمين بشكل شرعي في البلد، ومنهم الطلبة الأجانب الدارسين في الجامعات البريطانية. وكذلك ما يميز النظام الصحي في بريطانيا هو خدمة سيارات الإسعاف المجانية على العكس من العديد من الدول المتقدمة التي يدفع المريض أجوراً لنقله بواسطة سيارة الإسعاف إلى المستشفى لغرض العلاج الطارئ (في هذه الحالة يدفع التأمين الصحي للمواطن أجور نقل المريض بواسطة سيارة الإسعاف)، ناهيك عن وجود شبكة واسعة من سيارات نقل كبار السن والمعاقين إلى المستشفيات لغرض تلقيهم العلاج، وهذه مجاناً أيضاً.

في الدول المتقدمة، وحتى بعض دول العالم الثالث، ومنها العراق، هناك دراسات أكاديمية تعني بمنح شهادة البكلوريوس في إدارة المستشفيات والمؤسسات الصحية، وهناك الكثير من الخريجين من حصلوا على شهادات الماجستير والدكتوراه والكثير منهم أصبحوا بمراكز أكاديمية عالية حتى وصلوا لحمل درجة الأستاذية في موضوع إدارة المستشفيات والمؤسسات الصحية. وهذا يعني أن هناك أبحاث تجرى بإستمرار في مجال إدارة المستشفيات والمؤسسات الصحية غايتها تطوير وتحسين هذه المهنة الإنسانية.… إلا في العراق. ففي العراق، وحسب علمي، هناك دراسة دبلوم في إدارة المستشفيات فقط ولم يتبادر لسمعي أن أي خريج من خريجي هذا الفرع الإداري الصحي المهم قد وصل لمسؤولية إدارة مستشفى من مستشفيات العراق، حيث المعروف في العراق أن المستشفيات تدار فقط من قبل أطباء رغم عدم أهليتهم لذلك، فالإدارة علم ومهنة الطب علم آخرمختلف.

والطامة الأخرى في أنظمة وزارة الصحة العراقية وطريقة إدارتها الفاشلة، هو أن جميع المدراء العامون ومسؤولي الشعب في ديوان الوزارة هم فقط من الأطباء. ولا أدري ما الغاية من أن يؤخذ طبيب ممارس من إختصاصه الطبي الذي تحتاجه المستشفيات في العراق لكي يعين مثلا مدير عام الدائرة القانونية أو الإدارية، بل وحتى الدائرة الإعلامية في حين أن العراق مليئبالأختصاصيين في هذه المجالاات ومنهم الكثير من العاطلين عن العمل.

وزارة الصحة العراقية مليئة بأطباء يمارسون عملا ليس من إختصاصهم الطبي على الإطلاق ... متى توقف هذه المهزلة ويعاد هؤلاء الأطباء إلى المستشفيات لممارسة مهنة الطب حيث هناك شحة كبيرة في عدد الأطباء في مستشفيات العراق؟

ومن جانب آخر، أرى أنه من المهم جداً العمل على تشريع قوانين إصلاح النظام الصحي في العراق ليشمل تطوير النظم والخدمات الصحية والإدارة العامة. وإضافة لذلك، وكما هو معمول به في العديد من دول العالم وحتى بعض دول العالم الثالث، يجب تشريع قانون لتشكيل هيئة رقابية شديدة الفعالية في تنفيذ برنامجها الرقابي الصحي بحيث لا تتدخل وزارة الصحة بشؤونها من أجل أن يحظى المواطن المريض بحقوقه التي تضمنها له كل الإتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان ووفق ما أقرته منظمة الصحة العالمية برعاية صحية متميزة من قبل الهيئات/المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والأهلية إضافة للأطباء الأهليين. وحيث يجب أن يكون لتلك الهيئة صلاحية إصدار تعليمات وتوجيهات لصالح المواطن إضافة لصلاحية غلق مؤسسات صحية وعيادات خاصة إن لم تفي بالشروط الصحية الإنسانية العادلة.  

* بروفسور ومستشار بإدارة المؤسسات الصحية