لم تعد قضيّة نزوح الناس العوائل والافراد وهجرتها (الاضطرارية) او (القسرية) من مدينة الى مدينة او من بلد الى بلد آخر بالامر الجديد، فهذه المسألة كثيرا ما حدثت ولازالت تحدث في الكثير من البلدان ومع الكثير من شعوب العالم، و مهمىً كان السبب في النزوح سواء اكان طبيعيا او بفعل فاعل فهو في كل الاحوال يعتبر أمرا اجباريا ويكون بصورة مفاجئة.
الامثلة والشواهد على ذلك (اسباب النزوح) كثيرة مازلنا نشاهدها كل يوم، منها؛ الكوارث الطبيعية الزلازل والاعاصير والبراكين والفيضانات..الخ، والاخرى التي بـ (فعل فاعل) الحروب بكل اشكالها سواء اكانت ذات الشكل العسكري او كانت ذات الطابع السياسي او الاقتصادي وحتى الاجتماعي، مثل اضطهاد الانظمة لشعوبها واستبدادها وقهرها لها وغيره الكثير من الامثلة.
كذلك لا ينحصر النزوح والهجرة بالانسان وحده وحسب بل وحتى باقي المخلوقات الحيوانات الدارجة والطائرة مشمولة به وتتعرّض له، لكن الفارق الوحيد الغالب بين الحالتَين بين الانسان وبين المخلوقات الاخرى بأن (هجرة) الاخيرة ليست اضطراريّة بالمعنى المفاجيء او الفوري، بل تكون هجرتها عن دراية واستعداد غريزي مسبق، وفي كل الاحوال دائما ثمّة بديل آخر وأرض اخرى لها.
في المقابل بما يخص الحالة الاولى، عندما تمر بالشعوب أي حالة من حالات النزوح والهجرة القسريّة سواء التي تكون بسبب الحروب او بسبب كوارث طبيعية فأن الانظمة والحكومات الغربية وبعض الدول الشرقية تواجه هذه التحدّيات المفاجئة بأتخاذ كل الطرق والسبل الممكنة مستلزمات التسهيل والمساعدة، من انقاذ ونقل ومشافي وعلاج وتقديم كل الامكانيات والخدمات للنازحين والمتظرّرين وتوفيرها لهم، بل وحتى تعويضهم في بعض الحالات، بل واكثر من ذلك خاصّة عندما يكون حجم الكارثة كبيرا فأنها بعض الحكومات تستنجد بالمنظمات والدول الاخرى من اجل الاسراع في انقاذ ما يمكن انقاذه او تقديم يد العون والمساعدة بصورة اسرع لشعوبها المنكوبة.
إلّا في بلدنا العراق وما يحدث مع شعب العراق، أي من هذه الامثلة والحالات الواقعية قد حصلت وطُبّقت فيه؟، بالتأكيد وممّا يؤسف له الذي يقرح العيون ويثير الشجون ويدمي القلوب، لم تقدّم حكومة العراق برمّتها بسيّاسيّيها بعناوينها ورموزها أي خدمة او مساعدة او أي شيء يذكر للعوائل النازحة الهاربة من الكوارث المفتعلة، لا للعوائل التي نزحت في السابق ولا لعوائل ونازحي الانبار في هذه الفترة، ولم تقف عند هذا الحد، فقد وضعت حكومة بغداد وسياسيي بغداد الشروط والعراقيل والحواجز المانعة حائلا دون مساعدة هذه العوائل النازحة الاطفال والشباب والنساء والشيوخ والرجال والعجائز والمرضى، بذرائع وحجج مذهبية ونعرويّة واهية ما انزل الله بها من سلطان، بدلا من انقاذهم واحتظانهم بتنفير وتسخير وتوفير كل الطاقات والامكانيات من خدمات ومساعدة… الخ. انه لأمر مخجل ومخزي ومعيب على كل العناوين المتصدّين في الساحة العراقية من ساسة ورموز اخرى دينية واجتماعية وغيرهم من كل الاطراف، وستبقى هذه المواقف المهانة الذليلة النذلة الخانعة اللا انسانية اللا اخلاقية اللا وطنية اللا شرعية وصمة خزي وعار في جبينهم جميعا وسيسجّلها التاريخ ويذكرها للانسانية و للاجيال اللاحقة.
لقد بلغ مستوى الخسّة والانحطاط والنذالة بهؤلاء الساسة أقصى درجاته و معانيه، التعمّد في أهانة وأذلال الناس والعوائل النازحة؟ حيث اقترح (بائع الكبّة) الذي ما اسرعه في التنازل عن مقترحه هذا: ان يوضع النازحون في (سجن ابي غريب) ؟، ولا نعرف هل أنتهت الخيارات..؟ هل انتهت السبل والطرق الصحيحة والسليمة لأيوائهم؟ هل عجزتم ياساسة (الصدفة) بحيث لاتوجد اي خيارات اخرى غير هذا الخيار عندكم؟.
يال العار والفضيحة وسوء العاقبة، كيف سيكون موقفكم امام الله (سبحانه) ورسوله الكريم (ص) والله معيب ومخجل، لأننا نتحدّث عن دولة وأمكانيّات دولة وصلاحيّات حكومة و دولة، ومهما كان حجم الكارثة فالحكومة والدولة ملزمة بأحتواء هذه الأزمة وملزمة استنادا لدستورها وأمكانياتها الهائلة بتهيئة وتوفير كل المستلزمات متطلّبات الحياة والعيش الكريم لشعوبها، فكيف بكم وانتم امام كارثة انسانية حقيقية توشك ان تحصل مع الناس والعوائل النازحة..؟ واذا كنتم فاشلون وعاجزون لهذه الدرجة عن تحقيق الاستقرار المشرّف لهم فأسمحواعلى الاقل بدخولهم الى المحافظات الاخرى، فأشراف العراق وأخيار العراق الناس والعشائر والاصلاء في بغداد والمحافظات الجنوبية مستعدّون لأيوائهم وأطعامهم والتكفّل بخدمتهم وتوفير أحتياجاتهم والسهر على راحتهم، الرحمة الرحمة الرحمة وليس سجن ابي غريب ياعبادي.