في عام 1908 وفي يوم (الثامن من آذار)؛ تجمع عدد خفير من النسوة في تظاهرة حاشدة في شوارع (نيويورك – الأمريكية) حيث تجاوز أعدادهن عن خمسة عشر ألف امرأة محتجين على سوء أوضاعهم ومعاملتهن السيئة أثناء العمل؛ وانخفاض الأجور المخصصة للنساء العاملات؛ إضافة إلى إقصائهن من اعتلاء مناصب في إدارة المعامل.. والمصانع.. والنقابات.. ومنعهن من التصويت في انتخابات التي كانت تجريها نقابات العمال بين حين وأخر وهنا وهناك، لذلك حين عقد التحالف النسائي أول مؤتمر لهن بإشراف (الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي) في (باريس) عام 1945؛ وهو تحالف نسائي ضم العديد من (الأحزاب الشيوعية) في ذلك الوقت، حيث أقرت (منظمة الأمم المتحدة) لهذه المناسبة يوم (الثامن من آذار) من كل عام كـ(يوم العالمي للمرأة) .
ومنذ ذلك اليوم انبثقت الحركات النسوية إعمالهن الفكرية.. والسياسية.. والثقافية، وهن يواجهن رفض عنيف من الهيئات الذكورية، ومازالت النساء في شتى أنحاء العالم – حتى اللحظة – يواجهن مصاعب لا حدد لها ومعرقلات في تشريع قوانين تنصفهن، ولكن نضالهن هو الذي صمد بوجه هذه النزعات السلطوية الذكورية الفاشستية لسيطرة عليهن بتعسفها في الأجور.. والتعين.. وحقوق المواطنة، بما يترافق ذلك من تمييز عنصري سواء على مستوى اللون أو الدين أو الطبقة، وهو التميز – للأسف – لم يستطع العالم التخلص منه بشكل نهائي – حتى في الدول التي ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان وترفض التميز العنصري – إذ ما زالت (العنصرية) و(التمييز) من أسوأ مشاكل التي تواجهها البشرية والى يومنا هذا، ومع ذلك لم يقهر (نضال المرأة) في العالم؛ بل نمى وتصاعدت مطالبهن العادلة ليحصلن على حقوقهن بتشريع قوانين تضمن حقوقهن وإنصافهن وتساويهن مع حقوق الرجل بمساواة كاملة؛ لترضخ سلطة الرجال وتوافق على مطالبهن – ولو على مضض – بعد إن طالت العقوبة لمن يتعرض لهن .
لنرى خلال فترة قصيرة من إقرار( الأمم المتحدة ) حقوق المرأة؛ بان (المرأة) فعلا استطاعت إن تلعب دورا مهما وعلى كل أصعدة الحياة وفي تنمية المجتمع، فانخرطت في شؤون الرعاية الاجتماعية سواء على نطاق رعاية الأسرة والأطفال؛ أو في نشاط الطبقة العامل في اتخاذ قرارات تخص قطاع إعمالهن، بل ساهمن في (تمكين المرأة) للحفاظ على مكتسباتها وحقوقها؛ ليتم تعزيز الوعي وبناء العقل العلمي عند النساء بصورة عامة؛ والعمل على مشاركة امرأة في كتابة الدستور لكثير من دول العالم لتتمكن من تثبيت حقوقها في نصوصه؛ وعملت على تشجيع النساء بتلقي علومهن التعليمية لنيل شهادات عليا لتحقيق طموحاتهن بمستقيل أفضل، كما أنها عملت لتامين الرعاية الصحية لدعم صحة النفسية والاجتماعية للمرأة؛ كما سعين إلى تعليم النساء مهارات العمل وفي التقنيات المهنية والحرف اليدوية؛ كما شجعن النساء إلى الانخراط والمشاركة في المجالس المختلفة النيابية.. والمحلية.. والنقابية. والبرلمانية .
ومن خلال هذا (التمكين) للمرأة نجد – فعلا – بان هناك عدد كثير من النساء أثبتن فاعليتهن في أنشطة هذه المجالس ولجانها المختلفة؛ بل نجد بأن (المرأة) اعتلت مواقع قيادية في كل مؤسسات الدولة؛ لتأخذ دورها في بناء الحياة؛ بعد إن امتلكت حريتها وعززت مكانتها الاجتماعية.. والاقتصادية.. والسياسية؛ نتيجة الوعي والإدراك التي امتلكته؛ بعد إن سعت بكل جهد وجد تنمية قدراتها العقلية.. والثقافة.. والعلمية؛ ليكون لها مهارات إبداعية في تعزيز حريتها والإفلات من عبودية الرجل؛ الذي عمل على تهميش ومصادرة وجودها بالجهل والتخلف؛ وهو الأمر الذي خلق فوارق وإشكالية التمييز بعضها بمنطق الدونية التعسفية المرفوضة إنسانيا .
نعم لقد قطفت المرأة ثمار نضالها الطويل في تشريع قوانين لإنصافها وتحقيق طموحاتها بالمساواة والحرية؛ ليم تحسين أوضاعهن في كل مواقع تواجدها، وفعلا استطاعت وساهمت وشاركت في الأنشطة الثقافية والاجتماعية، وسعت إلى اخذ علومها في الدراسات الثانوية والإعدادية والدراسات العليا؛ وفي كافة تخصصات العلمية والأدبية، ليكون لها شرف الريادة في إصدار الصحف.. والمجلات.. والمشاركة في المؤتمرات.. وإلقاء المحاضرات في الجامعات والنقابات المختلفة.. كما شاركت بفعالية في الندوات والاجتماعات المختلفة؛ وقد تميزت بقدرتها على الحوار البناء في كل ميادين الحياة السياسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية.. والثقافية؛ فقد امتلكن – بصورة عامة – الوعي.. والإدراك.. وسرعة البديهة.. ومهارة في بناء المجتمع؛ لتولى لها مناصب مهمة في إدارة الدولة؛ بعد إن اندمجت اندماجا كاملا غير منقوص في الحياة العامة؛ ليكون لها (ثقافة) و(هوية) متميزة في كل دول العالم .
لذلك كان انطلاق (المرأة) بعد مسيرة نضالها الطويل وتمكينها واضحا ومتميزا في إظهار قدراتها العقلية.. والعلمية.. والثقافي؛ وقد نبع ذلك من وجدانها وضميرها الحي؛ ومن المسؤولية التي تبنتها في نهج الحرية التي أرادتها في مسيرة نضالها، لان ما امتلكته من وعي وإدراك كان فعله مؤثر للتغيير واقعها نحو الأفضل كـ(مواطنة) لها حقوق و واجبات دون تمييز، لان العدل.. والحرية.. والمساواة؛ هي سمات (المواطنة)، والتي يجب إن يتمتع بها كل مواطن، و(حرية الإنسان) لا يمكن فهمها دون حرية (المرأة)؛ بكونها جزء لا يتجزأ من حرية المجتمع، لان مسار لتحصيل الحقوق لا يمكن فصله عن قضية حقوق (المرأة) بمعزل عن قضية الحقوق العامة؛ لأن المجتمعات التي لا تحترم حقوق مواطنيها هي مجتمعات متخلفة، لان مسار (النضال النسوي) لا يمكن فصلة عن مسار (نضال المجتمع)، لان المسعى يجب إن يسير بتوازي بين (نضال المرأة) من اجل حريتها ومكاسبها وبين (نضال المجتمع) من اجل التغيير.. والحرية.. والاستقلال، لان (قضية المرأة) هي (قضية مجتمعية) تقترن بمستوى تحضر الدولة ومستوى تطور وتقدم المجتمع، لان هناك علاقة جدلية بين الطرفين؛ لان قضية تطوير.. ونهضة.. وتنمية المجتمع؛ لا تعني تطوير الدولة والمجتمع على ما تصل إليه من تقدم على المستوى المادي فحسب، بل تعني بنفس الوقت (تحرير المرأة)؛ لا وبل (تحرير الإنسان) بصورة عامة، بمعنى المشارك بفعالية في النضال.. والنهضة.. والتنمية بكل مسؤولياتها وايجابياتها؛ ليمارس المجتمع حريته وحقوقه السياسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية؛ وهذا الأمر لن يكون متاح لتطوير المجتمع من دون خلق (الوعي الاجتماعي) من خلال تنشيط دور مؤسسات (التربية والتعليم) في مؤسسات الدولة لتقوم بدوها التربوي تثقيف وتوعية أفراد المجتمع ليساهم الجميع في تحسين واقعهم؛ وذلك بسن قوانين وتشريعات وتعليمات اللازمة لتثبيت حقوق المرأة في دساتير بلدان العالم؛ ودورها في العمل وفي إدارة المنزل وتربية الأطفال، وقد اثبت (المرأة) بأنها قادرة على الجمع بين مهمتها العائلية.. ودورها في العمل.. والمساهمة في نهضة المجتمع، وقد نجحت نجاحا عظيمنا وحققت الكثير من التمييز والريادة في الجمع بين مهمتها (المجتمعية) و(العائلية)؛ بل في مهمتها النضالية؛ لان (التاريخ) يؤرخ أسماء كثر من النساء اللواتي برزن كمناضلات في أحداث التحرير والمطالبة بحق الأمم في تقرير المصير، فدفعن الثمن باهظا وهن يبذلن أقصى ما يمكن بذله من التضحية والفداء؛ فارتقت أرواح الكثير منهن الشهادة بل تعرضن الكثير منهن إلى الاعتقال.. والنفي.. والأسر.. ولاقين شتى أنواع الاضطهاد والاستهداف أسوة بأخيها الرجل من اجل تلك المبادئ .
فكان دور النساء أوقات المحن والشدائد مشرفا وبمستوى عال من الشجاعة وشدة البأس، فكانت تشحذ همم أولادها وإخوانها المقاتلين في جبهات القتال أينما وجدت، وشجعتهم في مواصلة القتال.. والنضال؛ وقد أظهرن النساء قدرات فائقة على الصبر والصمود وفي تقنين مصروفات منزلها خلال أوقات المحن؛ وإقدامهن على التضحية بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق هداف مجتمعاتهن، حيث قدمن حياتهن كشهيدة في ساحات النضال بعد إن ضحين بأنفسهن من أجل التغيير والخلاص من الاستبداد.. والاستغلال.. والعبودية؛ فقدمن أروع الأمثلة في مسيرة النضال؛ كما أنهن قدمن كل أنواع الدعم والإسناد للمناضلين والثوار من أبناء أمتها أينما كانوا من اجل الحرية والاستقلال .
ومن هذه الحقائق وبما بذلته (المرأة) من صور مشرقة في مسيرة النضال والكفاح من اجل تثبيت حقوقها وإظهار دورهن في نهضة وتقدم مجتمعات العالم؛ استطعن من ردم الفجوة بينها وبين الرجل في كافة الميادين الحياة سواء على مستوى التعليم العام أو الجامعي أو العمل والإدارة؛ بل واستطاعت تعزيز دورها وموقعها في الحياة العامة وفي كل مفاصل الدولة من التعليم.. والتربية.. والصحة.. والثقافة.. و في صنع القرار السياسي.. والاجتماعي.. والاقتصادي؛ لذلك أتيح لها هذا التمكين وخاصة فيما يتعلق بحقوقها الاجتماعية.. والسياسية؛ كحق الترشيح.. والانتخاب في مجالس النقابات والاتحادات المهنية؛ كنقابة المحامين.. والأطباء.. والصيادلة.. و الفنانين.. والمعلمين.. ونقابات العمال. وباقي النقابات لمهنة والمنظمات المدنية؛ وكذلك على المستوى الحزبي فقد تبوأت في الكثير من الأحزاب المتواجدة في عموم دول العالم وفي منطقتنا مواقع حزبية قيادية متقدمة؛ كما اعتلين مناصب قيادية في إدارة الدولة كمنصب رئيس الدولة .. ورئيس الوزراء.. واعتلين مناصب وزارية وسفراء.. ودخلت (المرأة) من أوسع الأبواب في السلك الدبلوماسي.. وفي التدريس الجامعي.. وفي القضاء.. والمنظومات الصحية.. وفي الشرطة والجيش.. وفي كافة المجالات الحياتية وميادين الحياة؛ وفعلا استطعن النساء بصورة عامة تحقيق دور فاعل في صنع القرار وفي قيادة المجتمع والدولة .