وفق أكثر من رواية ، منها المؤسطر ومنها القرآني ومنها التوراتي ومنها ما يتناقلهُ عرب الأهوار ( المعدان ) من حكاياتٍ شفاهية حول مقام النبي العزير قرب ضفاف دجلة وفي مدينة حملت أسمه بمرتبتها الإدارية ( ناحية العزير ) ، وكان من بعض الحكايات ذات الاصل التوراتي أن العزير هو الحكيم عزرا الكاتب الذي جاء مع يهود السبي البابلي ايام نبوخذ نصر ، وذات يوم اراد الذهاب الى اتباعه ورعيته من يهود مملكة عيلام الواقعة في المنطقة التي تقابل مملكة ميسان من جهة جلات والطيب والشيب وقلعة صالح ، وأنه توفي اثناء المسير ودفن في المكان الذي يرقد فيه اليوم.
وحتى الترحيل اليهودي المعاصر عن ارض العراق في خمسينيات القرن الماضي ، كان ولم يزل المكان من اقدس مزارات اليهود العراقيين والايرانيين في الجنوب العراقي ويزوره تبركا وشفاعة وحجا ايضا يهود الهند والطاجيك والاوزبك وغيرهم من بلاد الخزر.
وهناك ايضا رواية القرآن عن النبي العزير وهي معروفة. وللمعدان حكايات عن النبي القديس تجمع في رؤاها بين الاثنين ولكن ببساطة المعتقد والتشفع والقداسة ، فأنا في ايام الحرب الايرانية حيث كانت وحدتي التي لا تبعد عن مقام النبي سوى كيلومتر واحد قرب جسر السيب ، كنت أسأل رعاة الجواميس الذين يقظون نهارات قيلولة الماء في الاهوار القريبة عن المكان وما يمثله لديهم ، فيكون الرد غريبا عند شيوخهم قولهم : نحن نشترك مع اليهود في محبته . وعندما نريد أن نَزيد الحليب في ضرع الجاموسة ، لن نجد شفيعا قريبا لنا غيره من يحقق لنا ذلك.
وشخصيا كنت ذات صباح انقل بعض العبارات العبرية في المقام واطلب من رفيق معي في البطرية الثالثة ( ك م ت 240 ) وهو خريج كلية الآداب اللغة العبرية أن يترجمَ لي تلك الكلمات ، فسمعت واحدا من المعدان المتهيء للذهاب الى كربلاء في أربعينية الأمام الحسين ع .يحدث ضريح النبي بقوله : انا ذاهب الى ضريح الحسين ،هل عندك وصية له.؟
وقتها استغربت من هذه المساحة من الحس والترابط الذي يسكن ذاكرة رجل الاهوار ليربط بين نبي جيء به مسبياً من اورشليم والسامرة ، وبين إمام علوي جاء من مدينة الرسول ص ، يطلب ملك أبيه واستشهد على ارض كربلاء.
أظن أن توارث الحس والاحساس والمخيلة التي سكنت اهل الاهوار منذ أن ابتاع منهم الملك السومري كوديا قصبا ليبني أول معبد في التاريخ ، ومنذ أن استعان بهم النبي نوح ( ع ) ليصنع سفينته الذاهب فيها الى شواطئ الأمان الطوفان ، وحتى الزمن الذي كان فيه شيخ عشائر بني صالح ( بدر الرميض ) يدعوهم لجهادٍ ونخوة ضد الترك والانكليز ، هذا التوارث يُنميَّ فيهم القدرة الصائبة على تخيل المشهد التاريخي ويقرب تصورات وجوده.
لهذا فهم لا يبتعدوا كثيرا عن اصل المكان وصاحبه ، وربما هم وحدهم من ادركوا أن مجيء عزرا الكاتب ( العزير ) الى هذا المكان واختيار قدره الأخير في لحدٍ قرب ضفاف واحد من انهر ميزوبوتاميا ، أنما لتلاوة النصح الدائم في أننا كبشر نتوحد في الايمان عندما يكون جهته السماوية واحدة .
لهذا ذات الشيخ المعيدي الذي صادقته وتعودت ضيافته وطيبته وكرمه كان يقول : أن لهذا النبي نصائحا لا تحصى في وجوده بيننا : منها أن كل من يعيش ويشرب من ماء هذا النهر هو ابن المكان مهما كان.
مازحته وقلت : حتى لو كان مجوسيا ؟.
قال :نعم . لهذا يقولون موسى بدينه وعيسى بدينه.
نصائح النبي ربما دونت على جلد غزال وسُرقت من المكان في فترات متباعدة وكان يحملها ليتلوها على مريديه من يهود فارس ، لكن بعضا منها موجودة في شفاهية خيال المعدان وطيبتهم في المفرطة التي اكتشفها المستشرقين والرحالة والمستعمرين ايضا.
يحمل النبي العزير في نصيحته فكرة توحد الايمان والتقديس التي تسكن المسلم واليهودي والمسيحي والمندائي واليزيدي ، وهذه النصيحة في مغزاها أن هذه البلاد للجميع ولا يمكن تقسيمها………!