22 ديسمبر، 2024 8:05 م

نصف قرن على انقلاب 8 شباط 1963 …. من يجيب على الاسئلة؟

نصف قرن على انقلاب 8 شباط 1963 …. من يجيب على الاسئلة؟

كثيرا مايؤثر هواة جلد الذات ،في مثل هذا المقام ، ترديد ما نسب الى وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق (موشيه دايان ) من قول بشأن العرب من انهم : امة لا تقرأ، واذا قرأت لاتفهم ،واذا فهمت لاتعتبرٍ !
لكن الحقيقة الملموسة هي ان هذا الامر لاينطبق على العرب حصرا ولا يخصهم تحديدا ، اذ انه شان بشري عام ، فالشعوب ، عموما ، مثلما هو شأن الافراد ، نادرا ما تقرأ التاريخ واقل منه ان تفهم او تعتبر ، وان القراءة الواعية والفهم والاعتبار تحصل وتتماشى ، باطراد ، مع درجة تحضّر ومدنية وتنظيم الشعب او المجتمع او الفرد . ففي المانيا اليوم ، على سبيل المثال ، مازال امر النازية ، رغم مرور اكثر من ثلاثة ارباع القرن على صعودها وجرها المانيا والعالم الى كوارث واهوال غير مسبوقة ، حاضرا وحّيا في الكثير من التفاصيل اليومية المعاشة من حضر قانوني للافكار والممارسات النازية او العنصرية المقاربة ذات الاسس المشابهة الى تثقيف اجتماعي وجهد فكري يفضح ويعرّي اسسها الثقافية ومنطلقاتها الفكرية ويدعو الى الضد الانساني النوعي ، الى تتبع للذيول والاشلاء عبر تحريات معلوماتية وملاحقات قضائية لكي لايفلت مجرم من العقاب ! بل وثمة ارشيف كامل ومفصّل هو محل نظر ودراسة واعادة تحليل في كل ما يخص تلك الظاهرة التي اعتبرت وتعتبر الاخطر في حياة المانيا بل والعالم ، ذلك اننا امام مجتمع متحضّر يبحث عن اسس المشكلة ويحاول ان يقرأ ويفهم جذور البلوى لكي يتمكن من اعادة بناء حقيقية مختلفة توفر عليه عناء اعادة انتاج المشكلة وتكاليفها الباهضة ومعاناتها الانسانية المهلكة. وبالمقابل ، يمكن لنا جميعا ، ان نلمس البعد الفاضح عن كل ذلك فيما يخص قراءة وتفهم واعتبار كل ما عانيناه ونعاني منه من مصائب، ذلك ان الرؤى والمنهجية ، في هذا المجال ، شانها في غيره ، تستند وتقوم على اساس درجة التحضر والتطور الاجتماعي بجوانبه كافة وليس على اي ادعاء آخر !
فبعد نصف قرن ، على وقائع انقلاب شباط، (يوم الجمعة المصادف 8 شباط1963 واليوم هو الجمعة المصادف 8 شباط2013 ) مازال استذكار و تناول هذه الواقعة ، المؤثرة جدا في التاريخ العراقي الحديث ، يجري بسطحية تدعو الى الرثاء! فوفقا لما داب عليه الكثيرون في هذا الشان ،قد جرى اغتيال (جانب الخير متمثلا بالجمهورية الفتية الواعدة ورمزها الاكثر مثالية ، الزعيم عبد الكريم قاسم ، من قبل قوى الشر والظلام ، البعثيين الفاشست ، وبانقلاب اسود اغرق البلد بالدم )، ومازال هذا التناول ، يستعاد سنويا دون تفحص او نقد او تمحيص ، خصوصا من قبل اطرافه ،والاكثر تضررا منها على وجه التخصيص ، والتي يفترض ان تكون الاكثر حرصا على التمحيص الجاد واستخلاص الاجابات الحقيقية المفيدة ، التي تعرض لطبيعة المشكلة الفعلية وتؤسس لامكانية الحيلولة دون اعادة انتاجها ، كلا او جزءا .
لقد مضى المرحوم عبد الكريم قاسم صورة للعفة والنزاهة في اذهان محبيه، وانطوت صفحة الجمهورية الفتية ،فرحة لم تكتمل وحلما توهج وانطفأ، واعيد انتاج الظاهرة ( الانقلاب الاسود) كلا او جزءا ، لمرات عديد ه، واستعاد البعثيون السلطة التي امسكوا بها لعقود اربعة تقريبا ،والموضوع برمته ، كان ومازال ” محلك سر “او “مكانك راوح ” في كل ما يخص الاستفادة منه كدرس اساسي!! فهو موضوع مسكوت عنه تقريبا ، خضع ويخضع لتسويات وتدويرات بحسب الحالة السياسية وميزان القوى لكل مرحلة ، انشغل وينشغل عنه العراقيون في مجرى مشاكل ومعاناة كبرى لم تنقطع ولم تعط، حتى اليوم ،فرصة لهذا المجتمع لالتقاط الانفاس وتلمس وضعه وطريقه بروّية، برغم تعالي بعض الاصوات المفردة بشانه ، في كل عام عند مناسبته .
والان .. بعد نصف قرن من الزمان ، هل كان انقلاب شباط 1963 لازما ، بل حتميا ؟ماهي دواعي ضرورته وما هي اسس حتميته ؟ بمعنى آخر …هل ان 8 شباط كان تعبيرا عن انتصار برنامج اجتماعي سياسي لقوى طبقية مؤثرة كان سيجد طريقه الى الظفر بالسلطة السياسية والسيادة الاجتماعية ، ان لم يكن يوم 8 شباط ففي يوم لاحق وان لم يتحقق بذلك الانقلاب العسكري الدامي فسيجد له صيغة اخرى ، ام انه مجرد صدفة سيئة وامكانية استثنائية تحققت عشوائيا ؟! هل كان يمكن الحيلولة دون 8 شباط، كيف ؟ ماهو البرنامج السياسي الكفيل بذلك ومن هي القوى الاجتماعية وتمثيلاتها السياسية المؤهلة لذلك ؟ ماهي مسؤولية عبد الكريم قاسم الشخصية عن انتصار قوى 8 شباط ؟ ماهي مسؤوليته عن عقابيل شباط التي وسمت تاريخ المرحلة التي اعقبته وما تزال تلقي بظلالها عليه ؟ ماهو حجم مسؤوليته الشخصية عن اجهاض برنامج ثورة تموز 1958 والتمهيد لانتصار قوى 8 شباط وماهي مسؤولية نظامه ، ان كان ثمة نظام ، ومسؤولية الاطراف والقوى السياسية الساندة ؟؟ ثم السؤال الاكثر اهمية ودعوة الى اعمال الذهن ، كيف كانت ستسير الامور لو انتصر عبد الكريم قاسم واجهضت المحاولة الانقلابية ؟ هل كانت ستسير باتجاه بناء بديل ديمقراطي او على الاقل بديل يستند الى برنامج قوى تموز 58 واهدافه الاجتماعية وصيغه السياسية ام انها كانت ستسير باتجاه تركيز السلطات الفردية وشخصنة النظام وعبادة الفرد واستباق ما انتهت اليه الامور في زمن صدام حسين ولكن بشخص عبد الكريم قاسم واسناد قاعدة حزبية شيوعية او قاسمية او بدونها ؟ وتبعا لذلك ،هل ان الميل الى الاستحواذ على السلطة والانفراد بها وشخصنة الحكم وتصفية المنافسين هو ميل اصيل كامن في رحم البنية الاجتماعية وناجم عن المرحلة التاريخية وبنيتها الاقتصادية الاجتماعية والثقافية بالضرورة بحيث انه لا يتعلق بعبد الكريم قاسم نفسه او، حتى ، حزب البعث وصدام حسين ، واذا كان الامركذلك فما هي سبل تلافي هذا الميل والحيلولة دون تبلور نتائجه ؟ ثم ،هل ان 8 شباط 1963 هو محض حدث عراقي منتهي ام انه نموذج او صيغة عالمية تكررت ويمكن تكرارها هنا او هناك ، في هذا العقد او ذاك ، وفي هذه الحالة ، من هو المصمم او الراعي العالمي لهذه الصيغة ، وهل يدخل ذلك في نظرية المؤامرة ونتاجات الهاجس المنبثق عنها ، ام انه حدث ينتج ، بالضرورة،عن اجتماع جملة من الظروف والمعطيات الذاتية والموضوعية؟ وينتج عن ذلك ويستتبعه ، هل ل8 شباط وقواه الاجتماعية السياسية واساليبه وادواته وجود او تمثيل شاخص معاصر ، سواء عراقيا او اقليميا او عالميا ؟ ثم ، السؤال الاهم ، هل ان مواقع قوى 8 شباط الاساسية، وهي البعث والقوميين والساندة لها، من حلف بالغ التلون: محليا، يومذاك ، كالمرجعية الدينية والاسلامية والقوى الكردية متمثلة في المرحوم البارزاني ، واقليميا كمصر الناصرية والرجعية العربية وعالميا كاحتكارات النفط والمعسكر الغربي ، والقوى المضادة لها وهي الشيوعيين و القاسميين و ما اصطلح عليه القوى الديمقراطية ، هي مواقع او خنادق عابرة ، مرهونة بتلك الواقعة ام انها دائمة وعابرة للزمن والمكان وتتعلق بمصالح اجتماعية واقليمية وكونية ؟هل يتعلق الامر بالالوان و الافتات السياسية ام يغور عميقا باتجاه المصالح الاجتماعية بحيث يمكن لهذه القوى ان تتبادل المواقع فيصبح ماكان ممثلا للمصالح الوطنية مضادا لها والمناويء للمصالح الاجنبية ضالعا في ركابها وان ذلك يتحدد اساسا بالمنهج والممارسة وليس القول او الادعاء؟
تستدعي الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها مما يتعلق بهذا الموضوع ، بمسؤولية وعمق ،مدى اوسع من مدى هذه المقالة وامكانات اكبر بكثير من جهد فردي، الذي يمكن ان يكون ، في افضل الاحوال ، دعوة الى الاخرين لبذل الوسع في هذا المجال ، لكن بالامكان تلمس بعض المؤشرات :
1-لايمكن تجاهل واقع ان استقطابا سياسيا حادا تنامى منذ الايام الاولى للثورة بين القوى السياسية الساندة لها والمشاركة فيها انعكس على حركة الضباط الاحرار نفسها ، بين قوميين ووطنيين،عبّر عن انقسام اجتماعي قائم كان يجد تعبيراته المختلفه، قبل الثورة ،سواءا في الصراع والاحتراب بين حزب الاستقلال ومعسكره والشيوعيين والوطنيين وقاعدتهم ، او في خلفيته الاكثر غموضا في انقسام العراقيين الذي امتد لقرون واستقوى بعضهم على بعض بالقوى الخارجية ، وهو صراع كان يتصف ،على الاغلب، بالدموية والتخوين وانكار عراقية الآخر ! وقد استثمرت القوى المعادية لثورة تموز والمتضررة جرائها هذا الواقع فتنامى الى اصطفاف اجتماعي وطبقي يكاد يكون واضحا . ان الملفت للنظر ، والجدير بالتامل ، هو ان اغلب خلفيات ومناطق ورموز واساليب ومقولات وادوات ذلك الصراع كمنت ولا تزال في خلفية المشهد السياسي العراقي وعبرت وتعبر عن نفسها بشفافية ووضوح احيانا وبتورية ومواربة اكثر الاحيان !! لقد بدأ التآمر على ثورة تموز منذ الاشهر الاولى وتجلى في محاولات انقلاب عديدة بدات منذ ايلول 1958، اي بعد شهرين من الثورة ، مما يلقي بالشك على القول بان هذه المحاولات والصراعات هي ردود افعال على انحراف الثورة ! واستمركصراع حامي الوطيس ، واهي الحجة وغير عقلاني استنزف الكثير من جهد الثورة والشعب وقواه السياسية في تصاعد واستقطاب ، وتمكن في اخر الامر من حرف وتدمير اية محاولة لوضع اسس مكينه لتطور اجتماعي وسياسي بناء. ,
2- من الواضح ان ثورة تموز توقفت عن مواصلة تحقيق برنامجها الاجتماعي بل وبدأت بالتراجع عن بناء بديلها الديمقراطي الذي وعدت به لصالح حكم فردي ضعيف وقلق كان يستميت في سبيل المحافظة على اوتجميد توازن اجتماعي وسياسي قلق وهش، بل وبدأت سلسلة تنازلات قاتلة امام القوى المضادة والمتضررة من الثورة وذلك بفعل ضعف وتردد عبد الكريم قاسم وجماعته واهتزاز موقفهم الاجتماعي، وهو انعكاس واستمرار ، لواقع ضعف وتهيب الحركة الوطنية العراقية ، وفي هذا الجانب فان التجربة الانسانية ، برمتها ، تشير الى ان التوقف هو بداية التراجع وان الضعف والتهاون امام قوى الثورة المضادة ، هو بداية الهزيمة .
3- ان المرحوم عبد الكريم قاسم وجماعته كانوا امناء حقا وفعلا ، لتكوينهم الطبقي وافقهم السياسي ، وانهم كانوا يؤثرون المساومة بل وتسليم السلطة الى القوى المضادة ، على الجماهير وتسليحها وما يمكن ان ينجم عن ذلك من ” انفلات ” او “حكم رعاع” او فوضى ، وليس من الصحيح القول بان قاسم قد تجنب تسليح الجماهير خوفا من اغراق البلد بالدم ، ذلك ان البلد قد اغرقت بالدم فعلا حينما اختار عبد الكريم قاسم القتال ، لكنه، آثر ان يكون قتالا تقليديا ،مسيطرا عليه، بعيدا عن الجماهير ، التي كان قد طلب اليها الهدؤ والاكتفاء بالفرجة وانه سيقضى على المحاولة الانقلابية في ساعتين واتجه الى وزارة الدفاع لادارة المعركة ، باسلوب عسكري تقليدي يتقن القاء الاوامر، ولاينم عن عمق ستراتيجي او شعور بعظم المسؤولية ، لكنه حينما تاكد من ميل ميزان القوى لصالح الانقلابيين ، طلب المساومة وانتقل معهم الى دار الاذاعة متوهما انه سيظفر بامكانية التفاهم او على الاقل محاكمة عادلة !
4-ان عبد الكريم قاسم كان يعي تماما تآمر البعث وغيره من القوى المضادة بل وثمة ما يؤكد انه كان على علم بتفاصيل الخطة الانقلابية !! لكنه كان يؤثر ان “يمسك بهم متلبسين” ، كما كان يقول ، وفي ذلك مؤشرات بالغة الخطورة ، على ان قاسم كان يتلاعب بمصير شعب ومصالح وطن لصالح البطولة الفردية ، وانه كان يلعب بالنار في قضية اجتماعية كبرى وليس مصير فردي وانه ربما كان يمني النفس بانتصار شخصي ساحق يمكنه من اجتثاث الاخرين لصالح زعامة فردية مطلقة .
5- ترك عبد الكريم قاسم خصوصا ، وقيادة ثورة تموز عموما ، جهاز الدولة والاجهزة الامنية والجيش ، دون تغيير جدي يؤهل هذا الجهاز لخدمة او على الاقل الانسجام مع ثورة كثورة تموز واهداف كاهدافها ، مما جعل هذا الجهاز حصنا وامكانية مدخرة للثورة المضادة . ان ترك الامور على اعنتها ، للفاسدين والانتهازيين والمعادين في اجهزة على مثل هذه الدرجة من الحساسية ، يعود بالوبال على اي نظام او سلطة تبغي التغيير الحقيقي .
6- توهم قاسم انه سيلعب دور عنصر الضبط والموازنة، الحيادي و الطيب ، في وطن ومجتمع يمور يالتناقضات والاختلافات القومية والطائفية والسياسية ويتلقى التاثيرات الاقليمية وينفعل بها كالمجتمع العراقي مما ينفي اية امكانية لبقاء واستمرار حاكم فردي دون اسناد فعال وارتباط مصيري من قوى اجتماعية وسياسية منظمة . ان كل ما تقدم يجعل مسالة الانقلاب على حكم عبد الكريم قاسم وانهاءه مسالة واردة تماما وانها مسالة وقت وستتمكن منها القوى الاقدر على الحركة واستثمار الفرصة والاستفادة من دعم القوى المضادة المحلية والاقليمية والعالمية . (تشير الوقائع الى ان البعثيين استبقوا في 8 شباط موعدا اخر كان مقررا في 20 شباط ومحاولة انقلابية اخرى للقوميين العرب كانت مقررة في عيد الفطر خلال حضور عبد الكريم قاسم الى نادي الضباط ).
7- ان القوة السياسية ، المنظمة، الرئيسية الساندة لعبد الكريم قاسم والتي تمثلت في الحزب الشيوعي العراقي ،كانت ذات رؤية وبالتالي موقف مشوش بالفعل ، فقد كانت تعاني من حملة قمع وتصفية من قوى الثورة المضادة وكذلك اجهزة امن عبد الكريم قاسم وبايحاء وتغاضي ان لم يكن توجيه من عبد الكريم نفسه، لكن تشوشها الفكري وضعف تجربتها السياسية وفتّوة قيادتها اضافة الى ،وربما اساسا، تاثرها بالايحاءات الخارجية، جعلها اسيرة تردد واضطراب لم يمكنها من اتخاذ موقف حاسم اتجاه النظام في وضع حد لتردده وتراجعه . بل والتوافق معه في التنصل عن برنامج 14 تموز . لقد كان الحزب الشيوعي العراقي ، يشير بوضوح الى المؤامرة ، والانقلاب المحتمل ، بل انه اشار الى كتيبة الدبابات الرابعة في ابو غريب ، التي نفذت الانقلاب، وسماها بالاسم في احد بياناته الاخيرة !! لكن العجيب انه لم يبادر الى اي فعل اجهاضي مسبق ( كانت امكاناته الجماهيرية من حيث سعة التنظيم والعدد والتغلغل في الكثير من المفاصل بما لايقارن مع حجم البعث او غيره من القوى )او على الاقل اتخاذ الحيطة والحذر من قبل اعضاءه ومؤازريه( كمثال مؤلم ،اغتيل المرحوم جلال الاوقاتي ، قائد القوة الجوية ، وكان شيوعيا كما هو شائع ، صبيحة الانقلاب، وهو يشتري القيمر برفقة ابنه ، وكأن الامر ليس على مثل تلك الدرجة من الخطورة او الجدية !! . ان هذه الوقائع تعلمنا اهمية الوضوح والنضج السياسي في تحديد المواقف واهمية وحيوية المبادرة وانها تعكس مدى الشعور بالمسؤولية الحقيقية اتجاه الشعب والنفس كذلك فانها تنطوي على اهمية الحركة والجرأة ( وهو امر مّيز ، بحق ، ممارسة البعثيين السياسية ) وانها تعوض كثيرا عن الحجم الذي يمكن ان يصبح عبئا ، شانه في حجم جيش هائل يفتقر الى القيادة ذات النظر الثاقب والقدرة على المبادرة .
8-ان انقلاب شباط، موقف اجتماعي ينطوي على ابعاد محلية واقليمية وعالمية، وليس محض واقعة عراقيه معزولة ومنتهية في الستينات من القرن الماضي ، ، لقدتكرر ويتكرر باستمرار ، فنحن نجده ، حيث اصطفت وتصطف قوى الاحتكارات العالمية وقوى راس المال الطفيلي المحلي والاقطاع و الشريحة العليا من البيروقراطية وجموع الانتهازيين بالضد من المصالح الوطنية لجماهير الشعب والاستقلالية الاقتصادية والسياسية وانه يمكن ان ياخذ شكل الحلف الذي يبدأ بالدعاية والتهويش وينتهي بالتدخل المسلح المباشر او عن طريق ادوات محلية، وان دعاته وجهاته لا تتورع عن شتى فنون الكذب والتدليس والممارسات المعادية للديمقراطية بل واللا انسانية في سبيل الوصول الى مبتغاها . ان ادواته ، مثل بعثيي وقوميي ستينات القرن الماضي ، قد يكونون مجرد منفذين وغوغائيين صغار لايعون افق السادة المخططين والمصالح الكبرى الكامنه في خلفيته. لقد اعيد تنفيذ سيناريو انقلاب شباط بحذافيره ، الى حد مدهش ، في انقلاب 73 في شيلي ضد اليندي ، لكنه اتخذ ويتخذ اشكال اخرى اليوم ، تبعا لكل حالة ، سواءا في العراق او الشرق الاوسط عموما او العالم ! لقد تمت تربية قوة سياسية تمثلت في البعث ، بروح شباط ، روح العمل على نيل السلطة باي ثمن ووضع الذات برسم القوى التي تمّكن من ذلك مهما كانت غاياتها وفق وهم امكانية المخادعة وتكتيك جئنا بقطار الجهة الفلانية وتخلصنا منه ، ان هذه الروح اصبحت شائعة في عالم اليوم، ان قوى اخرى ، تتربى وفق هذا المفهوم ، وهو مفهوم خطير يديم امكانية التدخل الخارجي ويبعد آمال الشعب العراقي في الاستقلالية والوحدة والتقدم .
9-ان الضمانه الحقيقية ضد شباط والشباطيين ، امس واليوم وغدا ،هو المضي قدما في تحقيق برنامج وطني ديمقراطي يقوم على اساس استقلال سياسي واقتصادي حقيقي ووحدة وطنية جادة لمواطنين احرار متساوين وعدم النكوص امام تحريض القوى المضادة او الضعف او الاستخذاء امامها.او المساومة معها، لانها لن تعرف التوقف ابدا ولن تكتفي الا بالظفر بما تريد .
10- لم يتحقق ولن يتحقق ، في المدى المنظور ووفقا للمعطيات الملموسة ، موقف نقدي وطني عام وواع اتجاه الانقلاب والقوة المسلحة كصيغة لاستلام السلطة السياسية او المشاركة فيها . والعنف والدماء كاداة لقهر وتركيع الخصوم وفرض الارادة السياسية ، والعنصرية والتخوين والتكفير والتشكيك بالوطنية والاستقواء بالقوى الخارجية والكذب والافتراء كثقافة ودعاية يمكن عبرها تحقيق المكاسب السياسية ، بل على العكس فقد اتسعت واستشرت هذه الممارسات، كما لم تتحقق حتى اليوم ، صيغة حقيقية للمصالحة الوطنية تقوم على اساس الانتماء الوطني الحر والمتساوي الذي يرتب على الجميع نفس الواجبات ويقر لهم بنفس الحقوق
، ان ارضية شباط كانت وما تزال ، وبعد نصف قرن من الماسي والاحباطات ، ارضية خصبة لشباطات اخرى ، قد تختلف من ناحية الشكل والصيغة لكنها ذاتها من حيث المضمون والنتائج .