تعود الجدور التاريخية لنشوء الاسلام السياسي في العصر الحديث بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية والنجاح الكبير الذي حققته حركة الماسونية العالمية من خلال مشروع مارشال الذي اسس للنهضة الاقتصادية في العالم الغربي بعد الحرب والذي حقق نجاحات اقتصادية كبيرة ادت الى قيام الثورة الصناعية في اوربا وقد اوصلت تلك النجاحات الى نشوء الجناح المسيحي لحركة الماسونية العالمية وفق هيكلها التنظيمي بالتوافق مع منظمة الصهيونية العالمية لغرض احكام هيمنتها على اوربا التي لازالت الى يومنا هذا في قبضة اليهود وتتحكم شركاتهم في مختلف المفاصل الاقتصادية والسياسية، ولم يبقى الا تأسيس الجناح الاسلامي في الشرق الذي تعثر انشائة في عهد الدولة العثمانية أثر فشل محاولة الحركة الماسونية من اغتيال السلطان عبد الحميد الذي اعاد هذا المشروع الى نقطة الصفر بعد البطش والتنكيل بقادة الحركة في أغلب ولايات الدولة العثمانية .. وكذلك تعثر نشوئه في الوطن العربي خصوصاً في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي حيث كان للحركة الماسونية نشاط ملحوظ في العراق ومصر ودوّل المغرب العربي الا ان مشروعها في تأسيس الجناح الاسلامي للحركة ايضاً أجهض نتيجة ظهور حركات التحرر ومقارعة الاستعمار وفوضى الانقلابات العسكرية التي قوضت نشاطها، الا ان الحركة الماسونية وجدت ضالتها في المسلمين غير العرب حتى تيقنت من ان ايران خير من يقوم بذلك بسبب الجذور العميقة للحركة في ايران وتغلغلها منذ قيام الدولة البهلولية الحديثة عام 1925 لذلك تمت الاتصالات السرية في الغرف المغلقة في باريس بين المحافل الماسونية ورجال الدين الايرانيين لوجود ارضية مشتركة واجندات متقاربة ادت الى استبدال شاة ايران بنظام الملالي وتناوب الادوار بحلة جديدة تحت عباءة ما يسمى برجال الدين مما اثمرت تلك اللقاءات الى نشوء الجناح الاسلامي للحركة الذي بات يعرف بظاهرة الاسلام السياسي حيث تعتبر الظاهرة الخمينية بداية انطلاق مفهوم الاسلام السياسي الذي صنعته الماسونية العالمية لكي يصل الإسلاميين الى سدة الحكم في دول المنطقة الذي بدأ باستلام ملالي طهران الحكم في ايران عام 1979 وهو ثمرة نجاح الحركة الماسونية العالمية في نشوء الجناح الاسلامي في العصر الحديث .. هذا يعني ان ظاهرة الاسلام السياسي ولدت لتنفيذ مشروع امريكي صهيوني ايراني خطير يرمي الى ضرب الاسلام من الداخل وشرذمة المسلمين، والثمن اطلاق عنان ايران على الارض ليكون لها دور مرسوم في العالم العربي والاسلامي لان ايدلوجية النظام القائم في ايران هو تسخير الاسلام لخدمة القومية الفارسية العنصرية واتخاذ من مذهب التشيع وسيلة لتشكيل قوة سياسية بقيادة فارسية تحت غطاء مذهبي وهذا يعني ان المسألة لم تكن تحالف استراتيجي فقط وانما التقاء ارادات لافراغ الاسلام من جسد الامة العربية لان الغرب على علم بمدى التقاطع الفكري بين القومية الفارسية والعقيدة الاسلامية والتكامل الفكري بين القومية العربية والاسلام لان ايران القومية لا يهمها من الاسلام بشيئ خصوصاً بعدما عجزت عن تسخير الاسلام لخدمة القومية الفارسية لان تعاليم الاسلام الحقيقي تتقاطع مع النهج القومي الفارسي العنصري الشوفيني لهذا عملت على تسخير المذهب الذي اصبح دين جديد يصب في صالح القومية الفارسية، وقد ران على الغرب هذا التناغم بين أجندتهم واجندة ملالي طهران التي التقت على مطلب اضعاف العرب مستغليين العداء التاريخي الفارسي للعرب الذي كان مبرر لهذا التعاون وتبادل المصالح بين الطرفين لادخال المجتمعات العربية في دوامة الصراعات الطائفية والمذهبية لانهم على علم بان الخطر يكمن في العلاقة بين العروبة والاسلام لان تلك العلاقة ولّدت عقدة الخوف من نهوض العرب لان الغرب يعتبر نهوض العرب انحسار لهم لانهم قرأوا التاريخ جيداً وهم ادرى بمآثر العرب عبر التاريخ وكيف ان الاسلام نقل العرب من البداوة الى الحضارة لان العرب قبل الاسلام لم يكن في قلوبهم وعقولهم عقائد دينية حتى انهم لم يفقهوا ماهي الجنة والنار بل كانت في ايديهم اصنام لتقربهم الى الله زلفى فلما حطموها لم يبقى في ضمائرهم وعقولهم وقلوبهم عقائد الا ما انزل على الرسول محمد صلّ الله علية وسلم فكانوا خير امناء لنشر الاسلام وعلموة للامم الاخرى صافيا نقيا كما اخذوة من معلمهم حتى طاف في امصار الشرق والغرب ودق أبواب اوربا ..
على عكس الفرس والاخرين الذين كانت لهم ديانات وعقائد اخرى وعندما اعتنقوا الاسلام خلطوا مع اسلامهم شذرات من دياناتهم وعقائدهم السابقة وعندما سنحت الفرصة بعد الوهن الذي اصاب الامة العربية في العصر الحديث ظهرت على السطح البدع والخرافات لحرق البيت الاسلامي من الداخل وهذا ما تلعبة ايران انطلاقاً من عدائها التاريخي للعرب وتوافق اجندتها لتشويه الاسلام وتحجيم دورة التاريخي والانساني مع المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني لهذا ركزت ايران في اختيار تحالفاتها مع كل من يعادي العرب، وبذلك اطلق لها الغرب يد العنان في اختراقها العالم العربي وباتت تصنع في كل يوم اعراس دم في العراق وسوريا واليمن فضلا عن انشاء بؤر موالية لها في البحرين والسعودية والكويت بالاضافة الى توسيع دائرة تدخلاتها في مصر والمغرب وتونس والخليج العربي ولبنان وفلسطين بمساعدة مؤسسات عالمية وامريكيه خصوصاً في عهد اوباما حتى اصبحت تشكل اكثر خطورة على العرب من اعدائهم المفترضين ناهيك عن نشر البدع والخرافات والروايات الكاذبة المجهولة السند والمصدر والنسب والاصل التي لها اول وليس لها اخر واستخدام اسلوب التقيّة في تزوير التاريخ بما يتلائم واجندتها الفارسية حتى اوصلت الكثير من المجتمعات العربية لحافة الجهل وبات كثير من مثقفي الامة يلعن امجاد عصرها الاموي والعباسي والتباكى على تاريخ من وهم صنعتة أيادي خبيثة من الدخلاء والمأجورين .. هذا التخادم بين نظام الملالي والغرب وامريكا ادى الى غطرسة ايران وتماديها في المطالبة بالثمن وهو ابتلاع دول الجوار من اجل اعادة امجاد إمبراطوريتها المنشودة وبذلك تعدت حدود التخادم حتى اصبح سلوكها عبئ على الغرب وخصوصاً امريكا التي سايرتها في خطوات تحقيق حلمها المنشود من خلال دمارها للعراق الذي كان الشوكة في البلعوم وكذلك دمار سوريا واليمن وتحطيم جيوشهم وإخراجهم من حلبة الصراع العربي الصهيوني الى ان انتفت الحاجة الى خدماتها وجاء الدور على طموحاتها ولابد من تحجيمها وكسر اذرعها وإخراجها من ملاعب الكبار .. وانقلب السحر على الساحر بعدما تخطت الخطوط الحمراء وخصوصاً ان الغرب البرغماتي بزعامة الولايات المتحدة لا يعرف شيئاً عن رد الجميل .. الا ان ملالي طهران لم يتعظوا من ما حصل مع شاه ايران الذي لم تشفع له خدمات نصف قرن كشرطي في الخليج، وايضاً يبدو انهم لم يستوعبوا الدوس ولازالوا مستمرين بالغطرسة والعناد والتحدى دون قراءة المتغيرات في الساحة الدولية والموقف الامريكي الجديد الذي يرمي ليس فقط الى أمركة الشرق الأوسط وانما أمركة قارة اسيا بعد الحراك السياسي الذي يطبخ على النار الهادئة في شبه القارة الكورية للتفرغ الى ايران من اجل تحقيق أهداف استراتيجية كبرى دون عوائق من طفيليات لم تعد بحاجة لها لذلك ان العقوبات الامريكية على ايران مؤشر على تغيير استراتيجي في السياسة الامريكية اتجاه المنطقة النابع من انتهاء مفعول مشروع الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني المتمثل بحركة الأخوان المسلمين لان الامر لا يختلف من دعم حركة الماسونية العالمية لتشكيل حركة الاخوان في مصر ودورها في مشروع الاسلام السياسي، حيث ان كل الشواهد تؤكد هناك ارتباط بين الأخوان والدول الخارجية وهي ليست حديثة العهد، بل يمكن إرجاع ذلك الى بداية نشأة الجماعة في مصر عام 1928 التي كانت مدعومة من قبل الاحتلال الانجليزي فأول تبرع تلقاها السيد حسن البنا كان من شركة قناة السويس المسيطر عليها من قبل الانكليز الذين كانوا منزعجين من تماسك النسيج المصري بعد ثورة عرابي عام 1919، وكان رأيهم في الجماعة أنهم الوسيلة التي يمكن بواسطتها نشر بذور الفتنة الدينية وهدم التوافق والوحدة الوطنية بين أبناء الوطن المصري كعامل أساسي لضمان بقاء الاستعمار لأطول فترة ممكنة في مصر، وحتي لا يكون الكلام جزافاً فلابد من العودة الى الوثائق المتاحة حول علاقة الأخوان المسلمين بالانجليز .
يذكر الدكتور ابراهيم المطلق ( أن فكرة إنشاء الجماعة ) خطط لها وطبخت أفكارها في دهاليز سفارات بعض الدول في مصر .. وقد أكد “مارك كيرتس” مؤلف كتاب “الشؤون السرية” شارحاً، أن تأسيس “الإخوان” كان لصالح البريطانيين في مواجهة الوفد والقصر، اما المعلومات التي ذكرها الشيخ علي عشماوي المسجلة في كتابه “التاريخ السري للإخوان المسلمين” وخاصة عند إشارته للشيخ سيد قطب الذي ذكر ” انة كان يعلم أن قيادة الأخوان كانت مخترقة من الأجهزة الغربية الاستعمارية وتعمل لحسابها مستشهداً بعبارات مشهورة ومسجلة للمرشد العام الأسبق لجماعة الأخوان حسن الهضيبي الذي قال فيها أن الشعب البريطاني أقرب الشعوب للإسلام “. اذن لا غرابة ان تكون معتقداتهم اقرب الى ايران لان منبع الطرفان من مشكاة واحدة ..
كما أكد الكاتب الأمريكى روبرت دريفوس أن جماعة الإخوان المسلمين نشأت بمنحة من شركة قناة السويس المملوكة فى تلك الفترة للإنجليز، مشيراً الى ذلك فى كتاب بعنوان “لعبة الشيطان” وكيف أطلقت الولايات المتحدة العنان للأصولية الإسلامية” وإلى مؤسس الجماعة حسن البنا الذي كان دائم الالتقاء بعدد من سفراء الدول الأجنبية وعلى رأسهم بريطانيا وأمريكا. ووفقاً لما ورد بالكتاب الذى جاء فى 387 صفحة والتي صدرت ترجمته إلى العربية عن دار الثقافة الجديدة، ان واشنطن دعمت الجماعات الإسلامية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا جهراً وسراً، مما تسبب فى ميلاد “الإرهاب” مؤكداً أن أمريكا تلاعبت بالإسلام كعقيدة كما تلاعبت بالجماعات الإسلامية التى دعمتها ومولتها.
وكشف الكتاب ايضاً أن الولايات المتحدة استخدمت الإخوان المسلمين فى الخمسينيات ضد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وبعد وفاته عام 1970 تراجع دور القومية العربية ليحل محلها الاسلام السياسي .. واعترف دريفوس فى كتابه بأن بلاده هى المسؤول الأول عن انتشار ما أسماه “الإرهاب الإسلامى” بدعمها الإخوان المسلمين فى مصر، والثورة الإسلامية فى إيران، وتنظيم القاعدة خلال الحرب الباردة، وكشف الكاتب مفاجأة غريبة أنَّ ملهم الإخوان المسلمين الأسبق وأبوهم الروحى كان “ماسونياً” وكان يرتاد المحفل الإسكتلندى العام الذى يحضره الماسونيون الأحرار فى مصر، كما عرَض فى الكتاب دور الولايات المتحدة فى دعم الثورة الإسلامية بإيران وحركات الجهاد فى افغانستان .. في الوقت ان الاخوان المسلمين كانوا يروّجون في أدبياتهم ان مهمة التنظيم مسخّرة للدعوة الاسلامية وبعيدة عن العمل السياسي ورفض فكرة الوصول الى الحكم وفق النموذج الغربي وانما خلق النموذج الاسلامي عن طريق الدعوة للوصول الى اسلمة المجتمع الذي بدورة يقرر شكل نظام الحكم الاسلامي، ولكن بعد ثورة يناير في مصر وقيامهم بركوب موجة الحراك الشعبي وفق اصول الديمقراطية الحديثة ذات الصناعة الغربية للاستحواذ على السلطة مثلما هو الحال في ايران بركوب موجة الثورة الشعبية ضد حكم الشاة وهيمنة رجال الدين على الحكم .. ولكن تدخل الجيش المصري في الوقت المناسب الذي قام بإزاحة حكم الاخوان المسلمين قبل احكام قبضتهم على مصر والذي قلب موازين اللعبة وأجهض اكتمال بناء الشق السني وإنهائه من دائرة مشروع الاسلام السياسي وخصوصاً المخطط الذي كان يرمي اتخاذ سيناء محطة للتسوية بين حماس والكيان الصهيوني ..
هذا التقارب في المفاهيم والسلوك بين حركتين سياسيتين اتخذت من الاسلام غطاء لتحقيق مآرب مشبوهة هدفهما الاستحواذ على السلطة في عموم الوطن العربي .. وبعد انهاء دور الشق السني من الاسلام السياسي بازاحة الاخوان المسلمين من الحكم في مصر جاء الدور على والشق الشيعي الذي تزعمته ايران والتي استنفذ دورها وانتهى مفعولها وبات المشروع الذي انخدعت فيه يرتد عليها عكسياً وعلى وميليشياتها واتباعها واذرعها وبذلك حان وقت تحجيم دور الاسلام السياسي للشق الشيعي من خلال مخطط هادئ ومدروس يطبخ في اروقة الدوائر الامريكية والذي كانت البداية الضغط على ذيول ايران في سوريا والعراق وحزب الله .. لذلك نرى اوربا المتمثلة في فرنسا وألمانيا باعتبارهما الدولتين الفاعلتين في الاتحاد الاوربي قد فهموا مغزى الولايات المتحدة واسرائيل باعادة هيكلة الشرق الاوسط وترتيب أوضاعه بما يخدم مصالحهم من خلال صفقة القرن المبهمة المعالم وشعروا بإخراجهم من لعبة المصالح من غير حُمُّص لذلك تبنت فرنسا موقف مناهض لمشروع الهيمنة الامريكية على الشرق الاوسط من خلال موقفهم المتصلب من اجل انقاذ الاتفاق النووي مع ايران وهي اليوم تتباحث مع ايران ليس جباً فيها وانما استخدامها وسيلة في سبيل عرقلة تحقيق ذلك المشروع الامريكي الصهيوني الذي يرمي الانفراد في المنطقة، لكنها اليوم أي فرنسا تقف حائرة بعدما فهمت ان موقفها هذا جعلها كماشة بين الفك الامريكي الصهيوني المفترس وبين غباء ايران وموقفها المتصلب النابع من الشك وعدم الثقة في جدية الغرب من انقاذ الاتفاق النووي الذي جعلها تؤمن ان الغرب يعمل ليس من اجل الدفاع عنها وانما من اجل مصالحه في منافسة الغول الامريكي الذي يرمي الى الاستحواذ على كامل الكعكة لهذا فرنسا مستمرة في استخدام ايران شماعة ليكون لها حصة من تلك الكعكة وهذا يعني ان ايران ستكون الخاسر الاكبر مالم تتخلى عن مواقفها المتصلبة النابعة من الغطرسة والمكابرة وتقبل بالتفاوض وفق الشروط الامريكية للخروج باقل الخسائر واول تلك الشروط تخليها عن اتباعها وذيولها في العراق وسوريا ولبنان واليمن مقابل بقاء الروح في نظامها السياسي وبالحجم الذي تريدة امريكا من غير اجنحة وذيول والذي يعني في النهاية سقوط مشروع الاسلام السياسي بعدما انتهى مفعولة ..