23 نوفمبر، 2024 4:19 ص
Search
Close this search box.

نشارك لا نشارك

سمعت من على أحدى الفضائيات (الدكتور منير العبيدي) نائب رئيس مجلس علماء العراق و(المتحدث الرسمي بأسم الحراك السني في العراق) وهو يقول “)نحن في الحراك” مع المشاركة في الإنتخابات) . وبغض النظر عن جدوى المشاركة من عدمها وبغض النظر عن السجالات بين المؤيدين والمعارضين وبغض النظر إيضاً عن كون الإنتخابات أحدى أهم وسائل (الصراع السياسي) في كل العالم المعاصر فإن مستلزمات خطاب (الحراك السُني) بوصفه (ممثلاً لعموم سُنة العراق) لا يخول الدكتور منير (بصفته الناطق بإسم الحراك) قول ذلك إلا بعد تبني الحراك لذلك القرار ولا يمكن (للحراك السُني) تبني رأي أو توجه إلا بعد حصول (الإجماع) عليه من قبل الشارع السُني أو على الأقل (الغلبية الساحقة) من السُنة في العراق .
كون (الحراك) يمكنه تحديد الخطوط الإستتراتيجية والثوابت العامة التي “لا” ينبغي الخلاف حولها وقد يساهم في بلورة أو إنضاج بعض التوجهات “التكتيكية” وقد يناقش “الحراك” الكثير من الأفكار والأراء السياسية وغير السياسية وقد يكون سبباً في إنضاجها أو تبنيها فيما بعد من قبل الحراك ؛ إلا أنه بصفته يمثل مجمل السُنة في العراق ولا يمثل فصيلاً ولا حزباً ولا تياراً ولا مدرسة من مدارسهم بل إن “الحراك السُني” يمثل كل أولئك وغيرهم بمختلف توجهاتهم ومذاهبهم وافكارهم وثقافاتهم ومستوياتهم الثقافية والإجتماعية .
لذا فليس لقادة الحراك وممثيليه تبني أي قرار أو رأي أو توجه (بصفتهم هذه) يخص الحراك السُني ما لم يحض أولاً بقبول (الغالبية العظمى من أهل السُنة) لكي يتحول إلى (قرار سُني) . وما دون ذلك فهو يمكن أن يكون رأي فصيل أو تياراً أو حزباً أو إجتهاداً ولا يمثل الشارع السُني  ويجب عليهم الفصل بين شخصيتهم ومنتجهم الفكري وإنتمائاتهم السياسي و لا ينبغي لقادة الحراك القول في خطابهم “بصفتهم ناطقين عن الحراك (نحن في الحراك مع …) كون ذلك الخطاب فيه (عزل) الحراك عن بقية أهل السُنة الذي تكون الحراك منهم ومن أجل تمثيلهم  بل ينبغي القول في خطاب الحراك السُني : (نحن سُنة العراق مع أو نرى…) وليس نحن في الحراك.
ويجب الإنتباه إن ذلك لا يصادر حق أي شخص يعمل من خلال الحراك سواء من قادته او من  قواعده في أن يعبر عن ما يشاء من أفكار ورؤى وتوجهات سياسية أو غير سياسية بصفته الشخصية ؛ ويمكن بطبيعة الحال للدكتور منير القول (أنا أرى) فذاك من أبسط حقوق الإنسان .
وقد يتبلور هذا الرأي من خلال الحراك ويُراجع ويدرس حتى إذا ما حضي بالقبول لدى (الغالبية العظمى) كان للحراك أن يتبناه ويصبح أحد منطلقات الحراك أو أحد أهدافه وإلا فهو رأي محترم ولكنه ليس رأي عموم سُنة العراق ولا يمكن للحراك أن يتبناه . ومن ذلك المشاركة في الإنتخابات أو المشاركة في الصراع السياسي أو غير ذلك من ما يختلف عليه سُنة العراق …؛  وبذا نحافظ على مستوى “تمثيل” الحراك كما نحافظ على وحدته ونحميه من التشظي والإنقسام ونحافظ على وحدة أهل السُنة كونها ضرورة لا غنى عنها لوحدة (أهل العراق) وبالتالي وحدة العراق ؛ وبهذه الطريقة أيضاً نوجد آليات صحيحة ومناخات صحية لمناقشة ما إختلفنا عليه للوصول إلى إتفاق جماعي يجمعنا ولا يفرقنا ويبعد عنا التنازع والإختلاف ويجنبنا الفشل وذهاب القوة وتبعثرها .
أما بخصوص المشاركة في الإنتخابات القادمة 2014م فإن الشارع السُني لا زال لغاية الآن (7/12/2013) منقسم بين “قابل” بها أو “مقتنع” وبين “رافضاً” لها أو “متردد” والتحشيد الإعلامي وغير الإعلامي ومن على كل المنابر المتاحة للمشاركة والرفض يزداد سخونة كل يوم ومعه سلاح “الفتاوي” (المتناقضة) لكل الأطراف ليزيد الشارع السُني حيرة وإنقسام واصبح لا يعرف الحلال من الحرام في أن يشارك أو لا يشارك !
وذاك أمر خطير جداً على علماء السُنة أن ينتبهوا إليه حيث أن الشارع السني كان قد توحد خلف علمائه في بداية الإحتلال وقاوموا الإحتلال الأمريكي تحت فتوى (رد الصائل) كونه جهاد دفع (وفرض عين على كل مسلم ومسلمة ولا تستاذن الزوجة زوجها فيه !) وأنصاع (غالبية) سُنة العراق لتلك الفتوى بلا تردد طائعين علمائهم رغم صعوبة ذلك وقدموا من أجله أغلى وأعز التضحيات الآلاف الشهداء والجرحى والمعوقيين والاسرى والسجناء والمغيبين وهدمت مدن ودمرت بيوت وتشرد الملايين داخل وخارج العراق ونجح علماء الدين السُنة في توحيد الصف السُني خلفهم من خلال فتوى ملزمة لإجماعهم عليها ولم يتخلف منهم إلا قلة صغيرة (لم يُسمع إليها) ؛ حتى مَن تخلف من الناس لم يكن ناكراً للفتوى العامة!. ولا زال الشارع السُني وسنة العراق (لإسباب عديدة) يتطلع إلى علماء الدين لتوحيدهم ورص صفهم والتعبير عن معاناتهم والعمل على تحقيق طموحاتهم وقيادتهم نحو بر الأمان !
إلا أن وحدة الفتوى وإتفاق العلماء لم يعد قائماً مع الأسف في الكثير من القضايا المصييرية التي لا تقبل ولا يصح الخلاف عليها بالنسبة لأوضاعنا في العراق ومن ذلك (فتاوي الإنتخابات) المتناقضة وبهذا سقطت إلزامية الإتباع لدى الكثير من الناس الذين وجدوا انفسهم في مفترق طرق بين (فتاوي متناقضة) يستحيل التوفيق بينها (على الأقل بالنسبة للمواطن العادي) بين محرض على المشاركة مؤمن باهميتها لسُنة العراق ومحرم لها معتقداً بخطورتها على سُنة العراق! وتُرك المواطن السُني حائراً مشككاً في كلا الرأيين (الفتوتيين) فهو يدرك أن الحلال واحد والحرام واحد لا يجتمعان في أمر واحد في نفس  الظرف والمكان ولا يمكنه أن يستوعب الأمرين معاً طالما أنه غير مكلف بفحص وتدقيق الأدلة وقياسها وتدقيق “المقاصد والمئلات الشرعية” وتوازن المصالح ودرء المفاسد إلى ما هنالك من قواعد وأصول فقهية يحتاجها العلماء في القول فيما أختلف فيه !! وعامة الناس ينتظرون من العلماء أن يقدموا لهم ما اتفقوا عليه أو على الأقل الرأي الراجح في الأمور العامة فما بالكم في الأمور المصيرية التي لا يصح فيها الخلاف ؟!ٍ وهم مستعدون نفسياً لطاعة علمائهم وكل الذي يحتاجوه فتوى واضحة ممكنة التطبيق حلال فيفعلوه حرام فيمتنعون عنه .
ولكنه في النهاية سيتبع إحدى الفتوتين المتناقضتين و”يهمل” الأخرى رغم أنها فتوى كذلك “!” طالما أنه لا يستطيع إتباعهما معاً ولا التوفيق بينهما رغم صدورهما من علماء معتبرين إذن هو يملك تجاوز العلماء ! بل إن ذلك لا يؤدي إلى الإستهانة برأي ما في موضوع ما بل الإستهانة بحجية رأي العلماء وإلزامية رأيهم ما دام هو(المواطن) الذي يملك في النهاية حق ترجيح رأي على رأي آخر وثبت في ذهنه عدم إلزامية إتباع رأي أهل العلم طالما في النهاية كان رايه الشخصي هو الذي حسم هذا الاختلاف ولم يتبع فتوى العلماء بل كانتا مجرد رأي إسترشادي!!
وبدلاً من أن يكون علماء الدين وشيوخهم أحد أهم ضوابط وضواغط الوحدة الوطنية كانوا هم من إسباب التشتت والإختلاف والتناحر في (وضع خاص جداً يمكن أن يكونوا قد غفلوا عنه)!؟. وبداء تناحر أهل العلم شبيهاً بتناحر السياسيين وعَجَزَ العلم أن يوحدهم في (معركة وجود) أشرس من أي معركة حربية قصيرة الأمد .
وإذا وجدوا فيما يعرفوه من العلم إن إختلافهم هذا(في هذه القضية وفي هذا الظرف العصيب الذي يمر على سُنة العراق) مقبول علمياً وإنه يمكن أن يكون “رحمة” فليتركوا للناس أن يختاروا ما يشائون وعليهم أن ينقلوا خلافهم العلمي إلى محاريبهم ويجنبوه عن ساحات الإعتصام والحراك السُني فهي لا تحتمل الخلاف والشقاق ولا يصح فيها إلا ما أتفق عليه سٌنة العراق .
روى لنا شيخنا الجليل الدكتور محمد محروس أمام الفقه الحنفي في العراق في أحدى حلقات الدرس في التسعينيات بأن تلامذة الإمام أبي حنيفة النعمان الثلاثة (زفر ومحمد وأبويوسف) أفتوا في مسألة تتعلق “بالبيوع” خلال فترة غياب الإمام بعيداعن بغداد مدة ليست بالقصيرة للحج وطلب العلم ؛ فلما عاد عرضوا عليه ما افتوا به ليجيزه لهم ؛ إلا أنه أثبت لهم خطاء إستدلالهم ورجح رأي آخر. ولكن الغريب في الأمر أنه منعهم من تغيير ما أفتوى به! وأبقى فتواهم كي لا يضطرب السوق وتضطرب التعاملات فيه ويستقر الناس على راي واحد في … البيوع !!
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات