إبتداءً يجب أن نبين أن نظرية التطور(النشوء والإرتقاء) لا علاقة لها بنشأة الكون، من بعيدٍ أو قريب، بل هي تتحدث عن أصل الأحياء وتطورها، ولذلك فقد أفردتُ لها مقالاً خاصاً تحت عنوان “لماذا يرفض المتدينون نظرية التطور”.
في مقالي هذا أود التحدث عمن يرى أن للكون خالقاً، والآخر الذي يرى بأن المادة أزلية الوجود، وما هو الدليل العقلي لدى الأول، الذي لم يُقنع به الآخر(الملحد).
بين المُسَلِمين(أقصد جميع من يقول بوجود خالق للكون) والمُلحدين(جميع من يرفض وجود خالق للكون، ويعتبر المادة أزلية)، فرق بسيط، تطور كثيراً، لكثرة الجدل والمراء الحاصل بينهما على مر التاريخ، وحتى هذه اللحظة، ذلك أن الملحدين يطلبون دليلاً عقلياً على وجود الخالق، ويحاول المسلمون ذلك، وقد فشلوا بذلك، مراراً وتكراراً، لأن جميع الأدلة المُقَدَمَة يُمكن ردها.
بإعتقادي: أن القبولَ بوجود خالقٍ للكون، يحتاج إلى طمأنينةٍ، والطمأنينةُ ليست من إختصاص العقل، بل هي من إختصاص القلب، لإن العقل إذا عرف الطمأنينة، توقف عن التفكير، وهذا يتناقض مع خاصية العقل، التي تحب الإنتقال من المعلوم إلى المجهول، وتميل إلى التشكيك في كُل مسألة، أو كما يُعبر المُسَلِمون(وهذا ينافي ما خُلق العقل لإجله).
يعتقد المُسَلِمون أن ثمة حياة أُخرى بعد الموت، سيُثاب فيها المرء على عملهِ في الدنيا، وينكرُ الملحدون ذلك، ويعتقدون أن الموت هو عملية تدوير المادة، وهو من شؤون المادة، فحاول المسلمون إثبات ذلك عقلاً، ولكنهم فشلوا بإثباته، خصوصاً وأن الملحدين يؤمنون بالبحث التجريبي المادي(المختبري).
إلى هذه اللحظة، لم يثبت العلم التجريبي كلام المسلمين، فتشَبُثُ المسلمون بالمنطق لإثبات ما يريدون، والذي بات مدعاة للسخرية، حيث لم يَعُد المنطق على ما كان عليه في الأزمان الغابرة.
بالرجوع إلى الكتب المقدسة، ولا سيما القرآن الكريم، نجد أنهُ ناقش موضوع التوحيد وصفات الخالق في أغلب أياته، وكأن موضوع وجود الخالق مفروغ منه، وأن جميع الناس تعتقد بوجود الخالق، وإنما أختلفوا في وحدانيته، وبالرجوع إلى المجتمع العربي أبان مجيئ الإسلام، نجد العرب متعددي الألهة وليسوا ملحدين، ولكننا في نفس الوقت، لا نستطيع القول أن القرآن ناقش العرب، على ما كانوا عليه فقط، ذلك أنه أُرسل إلى الناس كافة، وهو أخر الأديان، الباقي إلى يوم القيامة.
إذن فمن غير الممكن أن نقول أن الأديان التي جاءت لتدل على الخالق، أهملت دليل الوصول إليه، لذا أرى أن معرفة وجود الخالق، لا تحتاج إلى شئ عقلي مادي جاف، وإنما يُستدل على وجود الخالق، عن طريق الوجدان، أو ما يُصطلح عليه(المعرفة القلبية) والتي تدعو بدورها إلى التسليم.
بقي شئ…
قد يتمكن العلم التجريبي المادي، للوصول إلى حياة ما بعد الموت، عاجلاً أم آجلا، لكن من غير الممكن أن يتوصل إلى وجود الخالق، من خلال أدواتهِ المادية.