23 ديسمبر، 2024 6:00 ص

نسمات أب والقادم من الايام

نسمات أب والقادم من الايام

فضحت مظاهرات 31 أذار 2013 من جديد عورة السلطة، ووضعت مصداقية رئيس وزرائها على محك لم يتمناه. المالكي لو كان صادقا في تبني مطالب المتظاهرين بالغاء الرواتب التقاعدية والامتيازات لاعضاء مجلس النواب والرئاسات الثلاثة، لاستثمر هذه المظاهرات في دعم موقفه اتجاه بعض اطراف مجلس النواب اللذين يعارضون هذا الالغاء. فالسلطة عمدت لعدم الموافقة على اجازة المظاهرات في بغداد او لم تحترم الاجازة التي منحتها في بعض المحافظات كما في الناصرية، وشنت ارهاباً جديداً ضد هذا التحرك سواء من خلال التحذير المسبق منه، كعادتها في مواجة اي تحرك شعبي مدني للمطالبة بحقوق مدنية – دستورية، بحجة الخوف من اندساس عناصر بعثية او ارهابية فيه. واذا كانت  مسيرة بعض المظاهرات في بعض المحافظات هادئة، فلان دولة القانون وحزب الدعوة لا يمتلك فيها منصب المحافظ.
يشكل اعتقال السيد عبد فيصل السهلاني ومجموعة اخرى من الناشطين في بغداد او المحافظات الاخرى وتوارد الاخبار عن وفاة احد المعتقلين في الناصرية أثناء التحقيق ( صوت العراق 04-09-2013)، عارا جديدا للسلطة، فلم يكن بين المعتقلين ارهابين او مخربين وماشابه، بل ان الاجهزة التي اعتقلت السهلاني كان معظم قيادتها ومنتسبيها تتكئ على مخدة النظام الساقط حين كان السهلاني والالاف من ابناء الشعب البررة ينتظرون تنفيذ احكام الاعدام أو الاحكام الثقلية  نتيجة معارضتهم ومقاومتهم النظام السابق.
لو كانت مظاهرات اب ذات صبغة وشعارات طائفية او تصب في خان التاجيج الطائفي،  لهلهلت لها السلطة واطراف المحاصصة الاخرى، جريا على عادتها في تصعيد الشحن الطائفي، ولكان لرئيس الوزراء ونظامه موقف اخر، بما يعزز الشحن والتوتر الطائفي ويخدم ويتستر على نظام محاصصته الخائب، الا ان الطابع المدني التي ترافق مع الشعار الاساسي( حول التقاعد غير عادل) بما فيها مطاليب العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة ومحاربة الفساد، لم يربك موقف رئيس الوزراء وكتلته فقط، وانما اربك قوى وشخصيات عديدة ووضعها في موقف مخجل، حين كانوا يدعون لهذه الشعارات ويحرضون الناس بها لحد المزايدات، حتى كادوا ان يصدقوا انفسهم، هولاء وقواهم كانت غائبة عن الاحتججات في الشارع، واقتصرت  بعض المشاركات على  طابعها الرمزي او الااعلامي. بل ان الكثير من العراقين ومعظم القوى التي رفعت شعارات المظاهرة وعرضت تنازلتها بطريقة اقرب الى التهريج ساعية لاقناع العراقي المنكوب بانها خارج اطار هذا النظام، لم نجدها في المظاهرات التي بقت او اريد لها ان تبقى محدودة، حتى خارج الوطن حيث دعا بعض العراقيين والقوى النجيبة، واللذين رفضت كرامتهم الا ان يتضامنوا مع شعبهم في الوطن، رغم محدودية وقلة المشاركة في هذا التضامن، في حين لم يتعدى احتجاج وتضامن البعض الاخر غرفة نومه.
اجبرت مظاهرات اب ان يتلون رئيس الوزراء وحكومته بتبني هذا المطاليب واخرجت الحكومة من دواليبها قانون التقاعد الي ُتخمر فيها لما يقارب السنتين، رغم ان القانون لا يتطرق لالغاء مخصصات النواب والرئاسات الثلاثة والدرجات الخاصة، وسكتشف العراقيون بؤس اجراءات المالكي وحكومته بهذا الصدد، ورافقت ذلك وما بعد المظاهرات تصعيد للنبرة الطائفية لرئيس الوزراء ودفاعه المحموم عن نظام المحاصصة الطائفية والسياسية.  وفضحت عدوانية اجهزة السلطة وعجز السلطة ان تتعامل بشكل حاضري ودستوري مع الاحتجاجات السلمية، وعكست قوة المطاليب المدنية لتوحيد العراقين وغيرها من التصورات المثمرة لايداء هذة الفعالية الاحتجاجية.

نسمات اب رغم محدوديتها، لكنها كانت مربكة للسلطة وكل قوى المحاصصة، لانها يمكن ان تشكل لبداية لا تعرف نهايتها، فقد  اظهرت هذه الاحتجاجات الروح الحية للعراقيين ورغبتهم القوية بحياة مدنية كريمة، وانذرت اركان المحاصصة والفساد، رغم قناعتي ان هولاء يستهزؤن كالعادة باي وقائع جديدة تظهر مرارة وبوس العراقيين، وسيعللون سلوكهم بالايغال في الكذب وإذلال العراقيين وبمزيد من التحشيد الطائفي، فهم يواصلون طباع من سبقهم بمواصلة نهج معاداة العراقيين واذلالهم وخلق الازمات باتجاه حرق الاخضر واليابس.
رغم مرارة وقسوة اجواء 31 اب في العراق، الا ان نسماته انعشت الآمال بيوم قادم، لن يحنُ فيه  العراقيون ظهورهم كي يركبها خصيان  الطائفية  والمحاصصة والفساد والارهاب.